عقوبات أميركية جديدة تعيد رسم خريطة النفط بين طهران وبكين

تواجه الصين تحدياً أمنياً واقتصادياً يتمثل في استمرار اعتمادها على مورد واحد معرض للعقوبات، ما قد يدفعها إلى إعادة ترتيب سياساتها الدبلوماسية وإعادة هيكلة شبكة وارداتها النفطية.

ميدل ايست نيوز: في إطار الجولة الجديدة من العقوبات الأمريكية على تجارة النفط الإيرانية، أدرجت وزارة الخزانة الأمريكية خلال الأيام الأخيرة شركة “ريشاو شيهوا”، وهي إحدى أكبر محطات شحن وتفريغ النفط الخام في مقاطعة شاندونغ الصينية، في قائمتها للعقوبات. وتمتلك وحدة الخدمات اللوجستية التابعة لشركة “سينوبك” الحكومية نصف أسهم هذه الشركة.

وفي تقرير لها، قالت صحيفة دنياي اقتصاد، إن هذا الإجراء يعد جزءاً من حملة ضغط أوسع تمارسها واشنطن بهدف تقييد تدفق صادرات الطاقة الإيرانية، وقد تركت هذه الخطوة على الفور آثاراً عملية وجيوسياسية ملموسة على سلسلة إمدادات النفط في الصين.

محطة ريشاو ودورها الحيوي

تُعد محطة “ريشاو” واحدة من النقاط الاستراتيجية في واردات الصين البحرية بفضل امتلاكها ثلاثة أرصفة قادرة على استقبال ناقلات النفط العملاقة المعروفة باسم VLCC. وتشير بيانات تتبع حركة الناقلات ومصادر الصناعة إلى أن الجزء الأكبر من النفط الخام الذي يمر عبر هذه المحطة مخصص لشركة “سينوبك”. ففي العام الماضي، تم ضخ نحو 804 آلاف برميل يومياً عبر هذا الميناء إلى شبكة إمدادات “سينوبك”، أي ما يعادل نحو خمس إجمالي واردات الشركة من النفط الخام.

ويجعل قرب خطوط أنابيب هذه المحطة واتصالها المباشر بمصافي “سينوبك” الكبرى، مثل مصفاتي “لويانغ” و”يانغتسي”، من “ريشاو” محوراً أساسياً في إدارة إمدادات النفط الخام التابعة للمجموعة.

تغيير مسار الناقلات

تمثلت النتيجة الفنية واللوجستية الفورية للعقوبات في تغيير مسار عدد من الناقلات العملاقة وزيادة الضغط على الموانئ البديلة في شرق الصين. وتشير التقارير إلى أن السفينة “نيو فيستا”، التي كانت تحمل شحنة كبيرة قادمة من الخليج، غيّرت مسارها بعد صدور بيان العقوبات لتتجه نحو ميناءي “تينغبو” و”نينغبو-تشوشان”.

وأدت هذه التحولات خلال أيام قليلة إلى ارتفاع أجور شحن ناقلات VLCC على الخط الملاحي بين الشرق الأوسط والصين، ما أثار مخاوف من ازدحام وتأخير في تفريغ الشحنات. وتوضح هذه التفاعلات السريعة أن فرض عقوبات على محطة واحدة فقط يمكن أن يؤدي مباشرة إلى زيادة تكاليف النقل في السوق العالمية.

ضغط على قدرات التكرير

يقول مسؤولون ومحللون في قطاع الطاقة إنه في حال تجنّب شركة “سينوبك” استخدام محطة “ريشاو” بالكامل، فإن أمامها خيارين رئيسيين: إما تحويل الشحنات إلى موانئ أخرى مثل “تينغبو” أو “نينغبو” أو “تشينغداو”، أو تعويض النقص في إمدادات المصافي المتصلة بـ”ريشاو” من خلال زيادة الواردات في منشآت أخرى أو خفض إنتاج المصافي المجاورة.

وتقدّر بعض المؤسسات البحثية أن هذه التحويلات قد تتسبب في تعطيل عدة مئات الآلاف من البراميل من الطاقة اليومية للمصافي المحيطة، ما قد يدفع بعض تلك المصافي إلى خفض إنتاجها مؤقتاً.

تداعيات على العلاقات بين واشنطن وبكين

لا تقتصر هذه العقوبات على كونها إجراءً فنياً ضد شبكة نقل النفط بين إيران والصين، بل تعكس أيضاً في بعدها الاستراتيجي تعقيدات العلاقات التجارية والسياسية بين أكبر اقتصادين في العالم.

وجاء إعلان العقوبات قبيل اللقاء المقرر بين رئيسي الولايات المتحدة والصين، ما يُعد مؤشراً على استخدام واشنطن هذه الورقة ضمن ضغوطها الدبلوماسية، خصوصاً في ظل تحركات بكين الأخيرة لتقييد صادرات المواد النادرة، وهو ما قد يؤدي إلى سلسلة من الإجراءات المضادة المتبادلة. ومن وجهة نظر صينية، فإن استهداف شركات كبرى ومنشآت لوجستية مرتبطة جزئياً بالحكومة يُعتبر تحذيراً واضحاً للشركات الصينية العاملة في سوق الطاقة العالمية.

تراجع تدفق النفط الإيراني إلى الصين

تشير البيانات الرسمية وتحليلات شركات تتبع حركة النفط، مثل “كبلر”، إلى أن واردات الصين من النفط الخام في سبتمبر 2025 ارتفعت بنسبة 4 في المئة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، لتصل إلى نحو 47 مليون طن. ومع ذلك، شهدت الواردات من إيران انخفاضاً ملموساً لتبلغ نحو 1.4 مليون برميل يومياً في سبتمبر، وهو تراجع عن متوسط الربع السابق.

ويعزو المحللون هذا الانخفاض إلى مجموعة من العوامل، من بينها تقليص حصص المصافي الخاصة، وضغوط العقوبات، وتراجع هوامش المراجحة، وارتفاع مستويات المخزون في مراكز التخزين الصينية. ووفقاً لتقرير وكالة “رويترز”، بلغت صادرات إيران النفطية في سبتمبر نحو 1.9 مليون برميل يومياً، في حين تراجعت الواردات الصينية الرسمية من طهران، وهو ما يشير إلى أن جزءاً من الشحنات ربما أعيد توجيهه أو نُقل عبر شبكة من السفن المجهولة الهوية.

وتُعد مقاطعة “شاندونغ”، التي تضم العديد من المصافي المستقلة المعروفة باسم “المصافي الصغيرة”، أكبر مركز لتلقي النفط من الدول الخاضعة للعقوبات. ومع إدراج عدد من موانئ هذه المقاطعة في قوائم العقوبات، أصبحت تلك المصافي عرضة لمزيد من الضغوط، سواء بسبب نقص الإمدادات أو ارتفاع تكلفة استبدالها من مصادر أخرى.

ويمكن لزيادة تكاليف النقل وتحويل الشحنات إلى موانئ بديلة أن تقلص هوامش أرباح هذه الشركات، مما قد ينعكس في نهاية المطاف على أسعار البنزين والديزل داخل الصين، رغم أن الحكومة المركزية عادة ما تتدخل لتنظيم العرض بهدف الحد من تقلبات الأسعار للمستهلك النهائي.

السيناريوهات المحتملة بين طهران وبكين

تشكل هذه التطورات لإيران مزيجاً من المخاطر والفرص. المخاطر تأتي من احتمال تراجع العائدات النفطية المرتبطة بالصين والحاجة إلى البحث عن مشترين جدد، في حين تكمن الفرص في إمكانية ابتكار آليات تبادل جديدة أو تعزيز الوجود في شبكات أقل تأثراً بالعقوبات.

أما بالنسبة للصين، فتواجه تحدياً أمنياً واقتصادياً يتمثل في استمرار اعتمادها على مورد واحد معرض للعقوبات، ما قد يدفعها إلى إعادة ترتيب سياساتها الدبلوماسية وإعادة هيكلة شبكة وارداتها النفطية. وعلى الصعيد الاقتصادي، يضطر الطرفان إلى مراجعة نماذج النقل والتأمين وآليات الدفع بينهما للحد من نقاط الضعف.

ريشاو: أكثر من مجرد محطة نفط

تحولت محطة “ريشاو” من مجرد موقع لتفريغ النفط إلى رمز لتقاطع المصالح التجارية ودبلوماسية الطاقة وموازين القوة الصلبة والناعمة. وتوضح تداعيات هذه العقوبات – بدءاً من تغيير مسارات الناقلات والضغط على الموانئ البديلة، وصولاً إلى احتمالات خفض إنتاج المصافي وتأثيراتها طويلة الأمد على علاقة أكبر مشترٍ وبائعٍ للنفط في آسيا – أن الصدمات السياسية يمكن أن تعيد رسم خريطة الإمدادات الداخلية في غضون أيام قليلة.

ويذكّر هذا الحدث متابعي شؤون الطاقة بأن مراقبة التطورات في موانئ مثل “ريشاو” ومنطقة “شاندونغ” لا تقل أهمية عن متابعة أسعار النفط في الأسواق العالمية، إذ إن مستقبل تدفقات النفط يُرسم أحياناً على أرصفة الموانئ أكثر مما يُرسم في قاعات التداول.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
ميدل ايست نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

2 × واحد =

زر الذهاب إلى الأعلى