من الميغ إلى السوخوي: كيف تعيد إيران بناء سمائها الدفاعية؟

إدخال دفعة كبيرة من مقاتلات من طراز متقدم مثل سوخوي-35 سيستلزم بنية تحتية قادرة على استيعاب أنظمة الصيانة والإلكترونيات المتقدمة، وهي أمور قد تفرض على إيران اعتماد حلول بديلة للتمويل وطرق نقل معقدة في ظل العقوبات.

ميدل ايست نيوز: تقف إيران اليوم عند مفترق طرق حاسم في قلب معادلات الشرق الأوسط المشتعلة، حيث تتصاعد التهديدات من كل اتجاه، ويشتد سباق التسلّح في سماء المنطقة. وبعد أن ذاب جليد الجمود والحرب الكلامية بين إيران وإسرائيل وذهب البلدان في قتال استمر 12 يوماً، رأت إيران نفسها اليوم في أمس الحاجة إلى مقاتلات تمتلك قوة نيران ساحقة وقدرة دفاعية تضمن التفوق والردع. وبين عمالقتي الجو الروسيّتين، سوخوي 34 وسوخوي 35، تدور المنافسة الحامية؛ أي منهما ستكون سلاح إيران الحاسم الذي يغيّر ميزان القوة في الأجواء؟

منذ أيام تداولت وسائل إعلام عالمية تسريبات منسوبة إلى شركة «روستيك» الروسية تشير إلى وجود مفاوضات غير معلنة مع طهران لشراء مقاتلات «سوخوي سو-35»، في خطوة تُعدّ من أضخم الصفقات الدفاعية المحتملة لإيران منذ عقود، وتكشف عن تحول لافت في معادلة القوة الجوية الإقليمية.

الصفقة، التي تتجاوز قيمتها 680 مليون دولار وفقاً لتقارير مسربة، تُبرز مساراً متسارعاً للتقارب العسكري بين موسكو وطهران في مواجهة الضغوط والعقوبات الغربية المشتركة عليهما.

وبحسب مراقبين، فإن حصول إيران على المقاتلات الروسية المتطورة لن يكون مجرد تحديث تقني لأسطولها الجوي المتقادم، بل رسالة استراتيجية بأن طهران عازمة على إعادة رسم ميزان الردع في سماء الشرق الأوسط.

وبالأمس القريب، أعلن أيضاً عضو لجنة الأمن القومي في البرلمان الإيراني أبو الفضل ظهره وند أن مقاتلات ميغ-29 الروسية وصلت إلى إيران كحل مؤقت، فيما ستدخل مقاتلات سوخوي 35 البلاد تدريجيا على المدى البعيد. وقال ظهره وند إنه يتم استيراد منظومات الدفاع الجوي HQ-9 وS-400 بكميات كبيرة لتعزيز القدرات الدفاعية الإيرانية. وقد وصلت بعض منظومات S-400 بالفعل إلى إيران ويتم تنفيذ عمليات تركيبها.

لكن على الصعيد التكتيكي واللوجستي، إدخال دفعة كبيرة من مقاتلات من طراز متقدم مثل سوخوي-35 سيستلزم بنية تحتية قادرة على استيعاب التدريب وقطع الغيار وأنظمة الصيانة والإلكترونيات المتقدمة — أمور قد تفرض على إيران اعتماد حلول بديلة للتمويل وطرق نقل معقدة في ظل العقوبات، وربما تتطلب شراكات تقنية أطول أمداً مع كيانات روسية أو طرف ثالث لتجنب الانقطاع التشغيلي. وهذا ما يجعل توقيت التسليم والجدوى الاقتصادية عاملين بالغي الأهمية عند تقدير أثر الصفقة.

سوخوي 34 أم 35؟

تعد قاذفة القنابل المقاتلة سوخوي 34، والمعروفة لدى الناتو باسم “فولبك”، من أكثر الطائرات الهجومية تقدماً في سلاح الجو الروسي؛ فقد طوّرت على قاعدة منصة سوخوي 27 وصممت للمهام الضاربة على الأهداف الأرضية والبحرية.

تعتمد الطائرة على محركين توربوفن من طراز AL-31F-M1، وتستطيع بلوغ سرعةٍ قصوى تقارب ماخ 1.8 (نحو 2200 كيلومتر في الساعة)، ويبلغ مداها العملياتي مع صهاريج الوقود المدمجة نحو 4000 كيلومتر. وباستخدام التزود بالوقود جواً يمكن أن يرتفع هذا المدى حتى نحو 7000 كيلومتر. الوزن الخالي للطائرة يقارب 22,500 كيلوجرام، والوزن الأقصى عند الإقلاع 45,100 كيلوجرام؛ طول جسمها 23.3 متر، وباع الجناح 14.7 متر، وارتفاعها 6.1 متر، ما يجعلها منصةً كبيرةً ومتماسكة.

Suchoi Su-34 – Wikipedia

تشمل قدرات تسليح سوخوي 34 إمكانية حمل ما يصل إلى 12,000 كيلوجرام من أسلحةٍ متنوِّعةٍ، بما في ذلك صواريخ جو-أرض مثل Kh-59MK (صاروخ كروز مضاد للسفن بمدى 285 كيلومتراً)، قنابل موجهة من طراز KAB-500L بتوجيه ليزري، صواريخ مضادة للرادار Kh-31P، وصواريخ جو-جو قصيرة المدى R-73 للدفاع الذاتِي. كما تزود الطائرة مدفعاً رشاشياً عيار 30 ملم من نوع GSh-30-1 بمعدل إطلاق نحو 1500 طلقة في الدقيقة وسعةٍ تبلغ 180 طلقة. يوفر رادار لينينتس B-004 القدرة على كشف الأهداف الأرضية والجوية على مدى يتراوح بين 200 و250 كيلومتراً، ويرافقه نظام استهداف إلكترواپتيكي “بلاتان” ما يمكّن من تنفيذ ضربات دقيقة. تسمح المقصورة مزدوجة المقاعد لوجود طاقم مكون من طيار وضابط أسلحة بتقاسم مهام الملاحة والاستهداف وإدارة الأسلحة، وهو أمر يمثل ميزة كبيرة في المهمات المعقَّدة وطويلة المدى. إضافة إلى ذلك، يوفر نظام الحرب الإلكترونية “خيبيني” إمكانية تشويش رادارات العدو والحماية من الصواريخ الموجّهة.

في المقابل، تعدّ سوخوي 35، المعروفة لدى الناتو باسم “فلانكر-إي”، مقاتلة أحادية المقعد تركز على تحقيق التفوّق الجوي والقدرات متعددة المهام. مجهزة بمحركات AL-41F1S ذات دفع موجه، وتبلغ سرعتها القصوى نحو ماخ 2.25 (نحو 2700 كيلومتر في الساعة) ومدى عملياً يقارب 3600 كيلومتر (قابل للزيادة بالتزود جواً). الوزن الخالي لسوخوي 35 نحو 16,500 كيلوجرام والوزن الأقصى عند الإقلاع 34,500 كيلوجرام، ما يجعلها أخفّ وأرشق من سوخوي 34. يتمتع رادار Irbis-E المتقدّم بقدرة كشف لأهداف جوية حتى مدى 400 كيلومتر، ويمكن للطائرة حمل ما يصل إلى 8,000 كيلوجرام من الأسلحة بما في ذلك صواريخ جو-جو بعيدة المدى R-77، وصواريخ مضادة للسفن Kh-35، وقنابل موجهة. وتمنحها القدرة العالية على المناورة، لا سيما بفضل نظام الدفع الموجَّه، فعالية كبيرة في الاشتباكات الجوية.

Su-35 Flanker Fighters from Russia Keep 'Dropping Like Flies' over Ukraine - The National Interest

وبالنظر إلى احتياجات سلاح الجو الإيراني التي تشمل تحديث أسطول مقرون بطائرات قديمة مثل F-4 وF-5 وF-14 وميغ-29، فإن الاختيار بين سوخوي 34 وسوخوي 35 يعتمد على الأولويات التشغيلية والتهديدات الإقليمية. حيث تواجه إيران في محيطها الجيوسياسي تهديدات جوية وصاروخية من دول مجاورة وقوى عابرة للمنطقة، ما يبرز الحاجة إلى مقاتلة قادرة على تحقيق التفوق الجوي. من هنا، تعدّ سوخوي 35، برادارها القوي ومناورتها العالية وقدرتها على الاشتباك مع أهداف جوية على مسافات بعيدة، خياراً أنسب لاستبدال مقاتلات مثل F-14 تومكات التي لا تزال تمثل عمود الدفاع الجوي الإيراني.

يقول خبراء في الشؤون العسكرية إنه مع أن سوخوي 34 مناسبة جداً للمهام الهجومية على الأرض والبحر، مثل استهداف بنى تحتية معادية أو سفن حربية، إلا أن حاجة إيران الحالية لمثل هذه القدرات تبدو أدنى مقارنةً بحاجة البلاد إلى تحقيق التفوق الجوي. يمكن أن تكمل سوخوي 34 الأسطول بقدرتها على حمل أسلحة ثقيلة وتنفيذ مهام طويلة المدى، لكن تكاليف صيانتها العالية وتعقيدات اللوجستيات المرتبطة بها قد تكون تحدياً في ظل العقوبات والقيود الاقتصادية على إيران. في المقابل، تبدو سوخوي 35 بتصميمها متعدد الأغراض وتكاليف تشغيل نسبية أقل وتوافق أفضل مع الاحتياجات الدفاعية الإيرانية خياراً أكثر منطقية. ويتعزّز هذا التوجّه بإشارات العقود والتقارير عن تسليم مقاتلات سوخوي 35 لإيران.

أما عن ردود الفعل الإقليمية والدولية، فإن دخول مقاتلاتٍ متقدمة إلى الخدمة الإيرانية سيُقرأ في تل أبيب وواشنطن على أنه تغيير نوعي في قدرة طهران على الدفاع الجوي والردع، وقد يدفع بدوره دولاً خليجية وشرق أوسطية إلى تسريع مشترياتها أو تنسيقياتها الأمنية مع حلفائها. هذا السيناريو قد يسرّع سباق تسلح إقليمي ويزيد من حساسية أي مواجهة مستقبلية، خصوصًا إذا ارتبطت هذه الطائرات بقدرات إلكترونية متطوّرة أو منظومات صواريخ مضادة.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
ميدل ايست نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تسعة − 6 =

زر الذهاب إلى الأعلى