الصحافة الإيرانية: غروسي يمهّد لحملة سياسية جديدة ضد طهران

تُظهر المؤشرات أن طهران تعتزم انتهاج نهج مختلف في اجتماع المجلس المرتقب، إذ يبدو أنها تسعى للحفاظ على حدّ أدنى من التعاون الفني لتفادي الوقوع في فخ الحملة الإعلامية والسياسية التي يقودها غروسي وحلفاؤه الغربيون.

ميدل ايست نيوز: أكّد المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، في أحدث تصريحاته لوسائل الإعلام الأوروبية، أن “القلق من احتمال حصول إيران على سلاح نووي لم يُرفع بالكامل بعد”.

وفي مقابلة نُشرت الأحد مع صحيفة «نويه تسورخر تسايتونغ» السويسرية، قال غروسي إن المعلومات المتوفّرة لدى الوكالة تشير إلى أن المخزونات النووية الإيرانية تُخزَّن أساساً في منشأتي أصفهان وفوردو، وجزئياً في نطنز، مضيفاً أن “كمية صغيرة قد تكون نُقلت إلى مكان آخر”.

وأوضح غروسي أن المنشآت النووية الثلاث في أصفهان وفوردو ونطنز تعرّضت لـ”أضرار كبيرة” نتيجة الهجمات الأخيرة، مؤكداً أن مفتشي الوكالة “لن يتمكنوا من دخول هذه المواقع إلا إذا رأت طهران في ذلك مصلحة وطنية لها”.

وحذّر المدير العام من أن رفع مستوى التخصيب في تلك المنشآت قد يجعل كمية المواد النووية المتاحة “كافية لصنع عدة أسلحة نووية”، مشيراً إلى أن “الشكوك حول احتمال سعي إيران لامتلاك سلاح نووي لا تزال قائمة”.

وقالت صحيفة دبلوماسي إيراني، إنه رغم نفي طهران المتكرر سعيها لإنتاج قنبلة نووية، قال غروسي إن “الوضع الحالي لا يبعث على الاطمئنان لدى المجتمع الدولي”، داعياً إلى حلّ سلمي للأزمة النووية، وأضاف: “الجلوس إلى طاولة الحوار يمكن أن يجنبنا جولة جديدة من القصف والهجمات”.

واعتبر غروسي تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن إمكانية التوصل إلى حلّ دبلوماسي مع طهران “إشارة مشجّعة”، مؤكداً أن “المسار الدبلوماسي ما زال ممكناً إذا توفرت الإرادة السياسية”.

موجة تمهيد سياسية عشية اجتماع مجلس محافظي الوكالة

تأتي تصريحات غروسي في وقت لم يتبقَّ سوى أسابيع قليلة على انعقاد الاجتماع الفصلي لمجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية. ويبدو أن غروسي يسعى، من خلال لهجته التحذيرية، إلى تهيئة أجواء إعلامية وسياسية قبل الاجتماع لتوجيه قرارات المجلس، وهو أسلوب اتّبعه في مناسبات سابقة.

وفي المقابل، تحاول روسيا، بصفتها أحد الأعضاء المؤثرين في مجلس المحافظين، انتهاج مسار مغاير، إذ تؤكد في بياناتها الرسمية منذ أسابيع أن انتهاء مفعول القرار الأممي 2231 يشكّل “نهاية طبيعية للقيود المفروضة” وليس عودة إلى العقوبات. ويعكس هذا الموقف سعي موسكو، كما في الاجتماعات السابقة، إلى كبح الحملة الإعلامية الغربية ضد إيران عبر أدواتها الدبلوماسية والإعلامية.

ويبدو أن غروسي، مدركاً لهذه التحركات، يحاول من خلال الإيحاء بأن “احتمال الانحراف النووي الإيراني ما زال قائماً”، أن يمهّد لإعادة إدراج ملف طهران في جدول أعمال المجلس. فهو يسعى، كما يرى مراقبون، إلى “إعادة إنتاج أجواء القلق” لبناء إجماع سياسي جديد ضد إيران، قد يُستخدم لاحقاً لتبرير قرارات أو ضغوط جديدة.

في المقابل، تعمل روسيا، مدعومة بالصين وبعض دول حركة عدم الانحياز، على إطلاق حملة إعلامية مضادة لمواجهة الرواية الغربية حول “الأزمة النووية الإيرانية”، في محاولة لإبقاء طهران في موقع “الدولة المتهمة لكنها الملتزمة بالقانون”.
وبذلك، يبدو أن الاجتماع المقبل لمجلس المحافظين سيتحول إلى ساحة مواجهة سياسية بين الشرق والغرب أكثر منه مناقشة فنية للملف النووي الإيراني.

إيران لن تسمح هذه المرة بتغيير قواعد اللعبة

على الجانب الآخر، تُظهر المؤشرات أن طهران تعتزم انتهاج نهج مختلف في اجتماع المجلس المرتقب. فالتجارب السابقة أظهرت أن ردودها على قرارات المجلس كانت غالباً رمزية واحتجاجية، كتعليق مؤقت لبعض أشكال التعاون. لكن هذه المرة، يبدو أن إيران تسعى للحفاظ على حدٍّ أدنى من التعاون الفني لتفادي الوقوع في فخ الحملة الإعلامية والسياسية التي يقودها غروسي وحلفاؤه الغربيون.

وتعتبر طهران أن انتهاء صلاحية الاتفاق النووي والقرار الأممي 2231 يمثّل “منعطفاً حاسماً” في تاريخ دبلوماسيتها النووية، وأن المرحلة المقبلة يجب أن تشهد تطبيعاً للملف النووي بعيداً عن التسييس. وترى الجمهورية الإسلامية الإيرانية أن انتهاء صلاحية القرار يعني أن “الملف النووي يجب أن يسير في مساره الطبيعي والقانوني”، وبالتالي فهي لم تعد ملزمة بتقديم تقارير دورية للوكالة كما كان الحال في إطار الاتفاق النووي، بل تواصل تعاونها فقط ضمن حدود اتفاقيات الضمانات ومعايير القانون الدولي.

وتسعى طهران من خلال هذه المقاربة إلى الإبقاء على التعاون القانوني مع الوكالة، مع الحيلولة دون تحوّل هذا التعاون إلى وسيلة ضغط سياسي. وقد شدّد المسؤولون الإيرانيون مراراً على أن سياسة البلاد “ليست الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي، ولا المواجهة مع الوكالة، بل التعاون المشروع في إطار القانون”.

ويرى محللون أن طهران أدركت أن أي رد فعل متسرع أو تعليق مفاجئ للتعاون قد يمنح خصومها فرصة لتصعيد الضغوط واستصدار قرارات جديدة ضدها. لذلك، تعتمد إيران اليوم نهج “ضبط النفس والسيطرة على الأزمة”، مع تعزيز علاقاتها الدبلوماسية المتعددة الأطراف، خصوصاً ضمن محور الشرق.

ومن المتوقع أن تدخل إيران اجتماع مجلس المحافظين المقبل بموقف هادئ لكن مدروس، يهدف إلى منع غروسي وشركائه من استغلال الأجواء الإعلامية لتأجيج الموقف السياسي ضد برنامجها النووي.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
ميدل ايست نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

16 − أربعة =

زر الذهاب إلى الأعلى