الفقر يبتلع ثلث الإيرانيين: أعلى معدل منذ أكثر من عقد
أعلنت المتحدثة باسم الحكومة الإيرانية أن خط الفقر في البلاد لعام 1403 (2024) بلغ 6 ملايين و128 ألفاً و739 تومان (حدود 56 دولار) شهرياً للفرد الواحد

ميدل ايست نيوز: أعلنت المتحدثة باسم الحكومة الإيرانية، فاطمة مهاجراني، يوم الثلاثاء، أن خط الفقر في إيران لعام 1403 (مارس/ آذار 2024 – مارس/ آذار 2025) بلغ 6 ملايين و128 ألفاً و739 تومان (حدود 56 دولار) شهرياً للفرد الواحد. ووفقاً لحسابات صحيفة دنياي اقتصاد المبنية على هذا الرقم، فقد وصل معدل الفقر في البلاد إلى نحو 36%، وهو أعلى مستوى مسجّل منذ بداية عقد التسعينات الهجرية الشمسية (2010 ميلادي).
ويعني هذا الرقم أن أكثر من ثلث الإيرانيين غير قادرين على تلبية احتياجاتهم الأساسية خلال العام الماضي.
تراجع الدخل وارتفاع التضخم
وبحسب بيانات مركز الإحصاء الإيراني، بلغ معدل النمو الاقتصادي في عام 1403 (2024) نحو 3.1%، في حين وصل معدل التضخم السنوي إلى 37.1%. وأشارت التقارير إلى أن استمرار التضخم المرتفع وضعف النمو الاقتصادي منذ عقدٍ كامل أدّيا إلى تآكل الدخل الحقيقي للأسر، مما زاد معدلات الفقر بشكل ملحوظ.
رغم تحسن نسبي في النمو خلال السنوات الأولى من عقد 1400، فإن الفقر الذي قفز إلى نحو 30% في عامي 1397 و1398 (2018-2019) لم يشهد انخفاضاً كبيراً. وتشير التحليلات إلى أن التقلبات السياسية، والضغوط الاقتصادية الناتجة عن العقوبات الأمريكية وسياسات “الضغط الأقصى”، إلى جانب الاضطرابات في سوق الصرف، ساهمت في إفقار شريحة من الطبقة المتوسطة.
الفقر يتسع رغم تحسن مؤشرات العدالة
على الرغم من أن بيانات معامل جيني أظهرت تحسناً طفيفاً في أوضاع الفئتين الأفقر، إلا أن هذا التحسن لم يُخرج الأسر من دائرة الفقر. بل تدهورت أوضاع باقي الفئات، ما أدى إلى ارتفاع معدل الفقر رغم انخفاض التفاوت الطبقي.
ويؤكد الخبراء أن استمرار هذا الاتجاه أدى إلى ظهور ظاهرة “العمال الفقراء”، حيث لم يعد امتلاك رب أسرةٍ لوظيفةٍ دليلاً على تحسّن الوضع المعيشي للأسرة.
تضخم الإيجارات وتراجع استهلاك الغذاء
التضخم المرتفع، خصوصاً في قطاع الإيجارات الذي تجاوز 40%، انعكس بشكل مباشر على القدرة الشرائية للأسر، فأثّر على الإنفاق الغذائي وأدى إلى تقلّص “سفرات الطعام” في معظم المنازل. ويحذر الاقتصاديون من أن استمرار هذه الأوضاع قد يؤدي إلى تفاقم مشكلة سوء التغذية في البلاد.
تشير البيانات إلى أن التضخم في أسعار الأغذية والمشروبات بلغ 57.9% حتى أيلول 2025، أي أعلى بكثير من معدل التضخم العام. كما أظهرت دراسات مركز أبحاث البرلمان أن أكثر من نصف السكان في عام 1401 (2022) كانوا يستهلكون أقل من 2100 سعرة حرارية يومياً، وهو المعدل الأدنى اللازم للحفاظ على صحة الإنسان. ومع زيادة الفقر في 1403، يُرجَّح أن النسبة قد ارتفعت بشكل أكبر.
الأسباب العميقة للأزمة
تُرجع الدراسات الاقتصادية تفاقم الفقر إلى مجموعة من العوامل أبرزها:
-
التضخم المزمن الذي بقي فوق 30% طوال أكثر من ست سنوات.
-
ضعف النمو الاقتصادي الناتج عن انخفاض الإنتاج وتراجع الاستثمارات.
-
العقوبات الاقتصادية والاضطرابات السياسية التي سببت هروب رؤوس الأموال.
-
فشل السياسات الحكومية الداعمة بسبب غياب التركيز على الفئات الأشد حاجة، واعتماد برامج عامة غير فعالة.
وتشير التقارير إلى أن العجز المالي المتزايد، واللجوء إلى التمويل التضخمي عبر الاستدانة من البنك المركزي، إضافة إلى الصدمات المتكررة في سوق الصرف والاضطرابات الإقليمية والسياسية، جميعها زادت من عمق الأزمة المعيشية.
المستقبل القريب: توقعات قاتمة
ويرجح خبراء الاقتصاد أن معدل الفقر سيواصل الارتفاع في عام 1404 (2025 – 2026) إذا لم تُتخذ إجراءات عاجلة لاحتواء التضخم وتحقيق الاستقرار المالي.
ويؤكد المختصون أن خفض المخاطر السياسية، وتحقيق استقرار الاقتصاد الكلي، وتنفيذ إصلاحات مالية ونقدية شاملة تمثل الحلول الوحيدة الممكنة لمنع اتساع رقعة الفقر في البلاد، مشيرين إلى أن استمرار الأوضاع الحالية قد يجعل “الفقر” ظاهرة بنيوية يصعب معالجتها مستقبلاً.