الصحافة الإيرانية: رد طهران السلبي على المفاوضات في خضم عاصفة الأزمات
في ظل غياب حل دبلوماسي حقيقي وعادل، سيدخل الشرق الأوسط في دورة من فترات هدوء قصيرة وانفجارات مفاجئة قد تتحول في أي لحظة إلى صراع أكبر، ما يهدد بأن يخلق سنوات طويلة من الصعوبات للمنطقة.
ميدل ايست نيوز: يواجه الشرق الأوسط مرة أخرى مرحلة من التحولات المصيرية. وسط صخب الدبلوماسية والتهديدات العسكرية، يتبع دونالد ترامب، رئيس الولايات المتحدة، نهجاً مزدوجاً يجمع بين التخطيط لنزع سلاح قوات المقاومة وتضييق الخناق على إيران من جهة، وعرض صورة دبلوماسية ودعوة إلى الحوار من جهة أخرى، مما يخلق لوحة معقدة من السياسات والاستراتيجيات. في المقابل، ترفض إيران الدخول في مفاوضات وفق شروط أمريكية مفروضة، مستندة إلى تقييماتها وتحفظاتها على النوايا الخفية وراء هذا النهج، وتستعد لمواجهة شاملة إذا لزم الأمر.
الخطة الكبرى لترامب: نزع سلاح المقاومة وكبح إيران
وقالت صحیفة توسعه إيراني، إن السياسة الخارجية لإدارة ترامب تجاه الشرق الأوسط، خصوصاً بعد التوسع الأخير للهجوم العسكري في المنطقة وإبرام وقف إطلاق نار مؤقت بين إسرائيل وحركة حماس، دخلت مرحلة جديدة. تقوم هذه المرحلة، التي يصفها ترامب بأنها شرق أوسط مختلف، على محور ضعف ونزع سلاح قوات المقاومة وكبح النفوذ الإقليمي لإيران.
وتتجلى مؤشرات هذه الاستراتيجية بوضوح في تصريحات المسؤولين الأمريكيين. فقد اتصل ماركو روبيو، وزير الخارجية الأمريكي، بمحمد شياع السوداني، رئيس وزراء العراق، مطالباً إياه بشكل صريح بنزع سلاح الحشد الشعبي. ووفقاً لرؤية روبيو، يشكل الحشد الشعبي تهديداً للحكومة العراقية وأمن الأمريكيين في البلاد. تمثل هذه المطالب محاولة واضحة لإضعاف أحد أذرع المقاومة القوية في المنطقة وتقليل عمق التأثير الاستراتيجي لإيران في العراق.
وفي لبنان، أعاد نواف سلام، رئيس وزراء لبنان، التأكيد على ضرورة احتكار الدولة للسلاح ودعا إلى تحويل حزب الله إلى حزب سياسي بحت بعد نزع سلاحه. هذه المواقف، التي تصاحبها دعم وضغوط أمريكية وحلفاءها، تشير إلى خطة شاملة لتفكيك هيكل قوات المقاومة في كامل المنطقة، والتي تعتبرها واشنطن مصدراً لعدم الاستقرار وتهديداً لمصالح إسرائيل والولايات المتحدة.
ويتحدث ترامب بفخر عن نتائج الهجوم العسكري الأخير، معتبراً أن إيران القوية والمتغطرسة قد تم احتواؤها وأن التهديد الإيراني لم يعد وشيكاً. ويعزو ترامب توقيع اتفاق لوقف الحرب في قطاع غزة إلى هذا الهجوم، زاعماً أن مثل هذا الاتفاق لم يكن ليحدث بدونه. في جوهر سياسته، يرى ترامب أن العمل العسكري أداة فعالة لإعادة تشكيل المعادلات الإقليمية وإجبار إيران على التراجع، فيما يمكن تفسير تهديداته المتكررة بشن هجوم جديد على إيران في حال استئناف برنامجها النووي في نفس الإطار.
الدعوة إلى الحوار مع ضغوط مصاحبة
مع ذلك، لا يقتصر نهج ترامب على الأدوات العسكرية والضغط فقط. إلى جانب هذه الإجراءات، تسعى واشنطن لتقديم صورة عن نفسها كقوة منطقية وملتزمة بالسلام من خلال الدعوة إلى الحوار. فقد دعا مايك والتز، الممثل الأمريكي لدى الأمم المتحدة، المجتمع الدولي إلى حث إيران على التخلي عن وهم الثورة وطموحاتها التوسعية تجاه جيرانها، والدخول في حوار مباشر وصادق مع الولايات المتحدة.
وفي حين تبدو هذه الدعوة للوهلة الأولى مؤشراً على رغبة في حل سلمي للأزمات، فإن سياق السياسات الأمريكية الراهنة يجعل من هذه «الدعوة للحوار» تعني أكثر من ذلك قبول طهران بشروط واشنطن ومطالبها. وأشار مركز تشاتام هاوس في تقرير له إلى غموض وتعدد أهداف سياسة ترامب تجاه إيران؛ ما إذا كان الهدف هو كبح البرنامج النووي، تغيير السلوك الإقليمي، أو حتى تغيير النظام السياسي. وهذا الالتباس، وفق التقرير، يرسل إشارات متناقضة ويواصل دورة عدم الاستقرار في المنطقة.
ووسط نجاح نسبي في وساطة التهدئة في غزة، يرى ترامب فرصة لمتابعة مشروع أكبر، هدفه الوصول إلى اتفاق إقليمي شامل تكون لإيران فيه دور محوري. وتعد تصريحاته الأخيرة في الكنيست الإسرائيلي حول ضرورة الحوار من أجل مستقبل بلا حروب إشارة واضحة لبدء مرحلة جديدة في سياسة واشنطن تجاه الشرق الأوسط.
المسارات المحتملة لأمريكا
يرسم المحللون مسارين رئيسيين أمام الولايات المتحدة. الأول، التوصل إلى اتفاق تفاوضي مع طهران يقلل من حدة التوتر ويتيح دمج إيران تدريجياً في النظام الاقتصادي الإقليمي، والثاني، الحفاظ على حالة غموض واستمرار آليات وقف إطلاق النار المؤقتة التي تنكسر كل عدة أشهر بصدامات جديدة.
في السيناريو الأول، تقدم الولايات المتحدة حوافز مثل رفع تدريجي للعقوبات وضمانات أمنية ضد أي هجوم إسرائيلي محتمل، مقابل التزامات من إيران مثل خفض مستوى التخصيب إلى 3.6٪، وقبول رقابة أوسع من الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتقييد برامجها الصاروخية وسياساتها الإقليمية. وحتى اقتراح إنشاء مركز مشترك للتخصيب في عمان، الذي سبق أن طرحته إيران، يُطرح كأحد الخيارات، لكن يبدو أن إيران لن تقبل كل هذه الشروط.
رد إيران: الاستعداد للمواجهة ورفض المفاوضات القسرية
في مواجهة هذا المخطط الأمريكي المعقد والمزدوج، ترفض إيران الانخراط في مفاوضات بشروط أمريكية وتستعد لأي مواجهة محتملة.
ويبدو أن إيران، خلافاً لمسارها السابق الذي كان يسعى للحفاظ على مساحة للحوار، تدرك طبيعة التصريحات الأمريكية والإسرائيلية بشكل مختلف. وتعتبر طهران هذا الخطاب ليس بداية فصل جديد من الحوار، بل تمهيداً لإعادة ترتيب نفس المعادلات السابقة قبل الحرب التي استمرت 12 يوماً، مستعدةً لكل السيناريوهات المحتملة.
الشرق الأوسط ولعبة جديدة
يشهد الشرق الأوسط حالياً حالة من الجمود الاستراتيجي. فمن جهة، يستخدم ترامب مزيجاً من الضغط العسكري والدبلوماسية القسرية ضمن مخططه الشامل لإعادة ترتيب المعادلات الإقليمية وكبح إيران. ومن جهة أخرى، تدرك إيران طبيعة هذه اللعبة جيداً، وتستعد لأي مواجهة محتملة، مؤكدةً رفضها القاطع لأي مفاوضات تحت شروط أمريكية مفروضة.
ويجعل هذا التوازن المعقد بين القوة والدبلوماسية مستقبل المنطقة غامضاً. ويرى المنتقدون أن الاتفاق الشامل والمتوازن هو الخيار الحقيقي الوحيد لتجنب أزمة جديدة، وهو اتفاق يحتاج لتحقيقه إلى تركيز كبير ومرونة دبلوماسية وتنازل عن المواقف القصوى من جميع الأطراف.
وفي غياب حل دبلوماسي حقيقي وعادل، سيدخل الشرق الأوسط في دورة من فترات هدوء قصيرة وانفجارات مفاجئة قد تتحول في أي لحظة إلى صراع أكبر، ما يهدد بأن يخلق سنوات طويلة من الصعوبات للمنطقة.



