الصحافة الإيرانية: جهود أمريكا لإعادة ترسيخ الهيمنة في الشرق الأوسط تحت غطاء خطط السلام
قال خبير في الشؤون الإقليمية في غرب آسيا إن التطورات التي أعقبت حرب غزة تشير إلى أن الاستراتيجية الأمريكية لإعادة تعريف نظام غرب آسيا من خلال مسار تطبيع العلاقات مع إسرائيل قد وصلت إلى طريق مسدود.

ميدل ايست نيوز: قال خبير في الشؤون الإقليمية في غرب آسيا إن التطورات التي أعقبت حرب غزة تشير إلى أن الاستراتيجية الأمريكية لإعادة تعريف نظام غرب آسيا من خلال مسار تطبيع العلاقات مع إسرائيل قد وصلت إلى طريق مسدود، موضحاً أن هذه التحولات أعادت مجدداً استراتيجية الولايات المتحدة في «الهندسة الأمنية» للمنطقة إلى دائرة اهتمام المحللين.
وفي حديث لموقع المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية، قال جعفر قنادباشي إن الولايات المتحدة، عبر أدوات غير مباشرة واعتماداً على حلفائها العرب، تسعى إلى إعادة تعريف مكانة إسرائيل في النظام الإقليمي الجديد، إلا أن «الحقائق الميدانية» تعيق تحقيق هذا الهدف.
الدور الأمريكي في غرب آسيا
وأوضح الخبير الإيراني أن الولايات المتحدة خلال العقد الأخير غيّرت طبيعة دورها في المنطقة من مشاركة عسكرية مباشرة إلى إدارة غير مباشرة عبر شركاء إقليميين. وأضاف أن واشنطن تحاول تقليل كلفة وجودها العسكري المباشر من خلال تحميل حلفائها العرب العبء الأمني المتعلق بحماية إسرائيل.
وأكد أن استمرار الحروب والتوترات في المنطقة يمنع الولايات المتحدة من الاستفادة على المدى القصير والمتوسط من إمكانات الطاقة والتجارة في غرب آسيا.
وأشار قنادباشي إلى أن المنافسة المتصاعدة بين الولايات المتحدة وكلٍّ من الصين وروسيا في المجالات الجيو-اقتصادية دفعت واشنطن إلى تكثيف جهودها للحفاظ على نفوذها الإقليمي، موضحاً أن تراجع السيطرة الأمريكية على موارد الطاقة وخطوط إمدادها ستكون له آثار مباشرة على موقعها العالمي وقدرتها على إدارة الأزمات في مناطق مثل تايوان وأوكرانيا.
كما تطرّق إلى البعد الحضاري والأيديولوجي للمواجهة بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي في غرب آسيا، قائلاً إن مراكز الفكر الأمريكية منذ تسعينيات القرن الماضي تعتبر «نهوض الحضارة الإسلامية» تهديداً لشرعية الوجود الأمريكي في المنطقة.
من «صفقة القرن» إلى «اتفاقات أبراهام»
وأضاف الخبير في الشؤون الإقليمية في غرب آسيا أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سعت، بهدف ترسيخ مكانة إسرائيل، إلى إطلاق مبادرات مثل «صفقة القرن»، و«اتفاقات أبراهام»، و«خطة ترامب للسلام» التي كانت تُقدَّم على أنها لإنهاء «الحرب في غزة»، وذلك بغية دفع الدول العربية نحو تطبيع العلاقات مع تل أبيب وإعادة إسرائيل من الهامش إلى قلب التفاعلات السياسية الإقليمية.
وقال إن الولايات المتحدة حاولت إعادة بناء علاقات إسرائيل مع الدول العربية، إلا أن المجازر الواسعة التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي في غزة وردود الفعل الشعبية الغاضبة في العالم العربي جعلت تحقيق هذا الهدف مستحيلاً، مؤكداً أن «لا يوجد حكومة عربية اليوم مستعدة لاستقبال رئيس وزراء إسرائيل». وأضاف أن موجة الغضب هذه باتت راسخة في الذاكرة التاريخية للعالمين العربي والإسلامي وفي الرأي العام العالمي. وبيّن أن حتى قادة الدول المشاركة في القمم الإقليمية، مثل الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان والمصري عبد الفتاح السيسي، تجنبوا اللقاء المباشر مع المسؤولين الإسرائيليين.
النظام الإقليمي بعد غزة: استجابة لأزمة
وأوضح قنادباشي أن الاجتماعات التي عُقدت بعد حرب غزة، بما في ذلك قمة شرم الشيخ، لم تكن «منعطفاً سياسياً أو دبلوماسياً» ولا دليلاً على تشكل نظام جديد يخدم الولايات المتحدة أو إسرائيل، بل كانت «ردة فعل اضطرارية» لتفادي انهيار حكومة نتنياهو ومنع المزيد من الاضطراب داخل المعسكر الغربي. وأشار إلى أن الحضور المتعجل للقادة الغربيين في تلك الاجتماعات يعكس هذا القلق.
وأضاف أن التجارب التاريخية تثبت أن نهاية الحروب الفاشلة في غرب آسيا غالباً ما تكون بداية لأزمات سياسية جديدة في الدول المهاجمة، مشيراً إلى أن هزيمة إسرائيل في حرب لبنان عام 2006 أدت إلى تحولات سياسية داخل تل أبيب. وأكد أن إسرائيل اليوم عالقة في «مستنقع من فقدان الشرعية والفشل العسكري» ولا تملك القدرة أو الرغبة في خوض حرب جديدة.
موقع إيران في المعادلات الإقليمية الجديدة
وأكد قنادباشي أن إيران تشكّل «محور التوازن» في مواجهة السياسات الأمريكية في المنطقة، موضحاً أنه منذ انتصار الثورة الإسلامية لم تتمكن الولايات المتحدة من تحقيق أي انتصار مستدام في مواجهتها مع طهران، وهي اليوم تسعى إلى إعادة صياغة علاقتها بها عبر مزيج من الضغوط السياسية والاقتصادية ومشروعات تبدو سلمية في ظاهرها.
وأشار إلى أن إيران وسّعت من نطاق تعاونها الاستراتيجي مع روسيا والصين، ما أوجد فضاءً جديداً للشراكات الإقليمية والدولية.
وشدّد على أن الاستراتيجية الإيرانية تقوم على «الحفاظ على توازن القوى، وتعزيز محور المقاومة، والمشاركة الفاعلة في المعادلات الجيو-اقتصادية». واعتبر أن «الهندسة الأمنية» الجديدة التي تحاول واشنطن فرضها، رغم مساعيها لإحياء نظام إقليمي موالٍ لتل أبيب، تصطدم بالمقاومة الشعبية والحقائق الميدانية والتحالفات الإقليمية الناشئة، ما يجعل تحقيقها الكامل أمراً غير ممكن.
وختم قنادباشي بالقول إن «المشروع الأمريكي الجديد في المنطقة ليس مشروع سلام، بل محاولة لإعادة إنتاج الهيمنة». وأضاف أن التطورات الأخيرة «لم تؤد إلى تقوية إسرائيل كما أرادت واشنطن، بل على العكس، عززت موقع قوى المقاومة وأبرزت الدور الإيراني في المعادلات الأمنية لغرب آسيا».



