حديث إيراني عن نظام عالمي جديد بعد انتهاء الاتفاق النووي
في خضم المتغيرات التي أعقبت انتهاء اتفاق النووي الإيراني، شكّل الاصطفاف الإيراني والروسي والصيني في التأكيد على انتهاء العمل بالقرار الأممي 2231 تحديا للجهود الغربية الرامية لإحياء "آلية الزناد".
ميدل ايست نيوز: في خضم المتغيرات التي أعقبت انتهاء اتفاق النووي الإيراني، شكّل الاصطفاف الإيراني والروسي والصيني في التأكيد على انتهاء العمل بالقرار الأممي 2231 تحديا للجهود الغربية الرامية لإحياء “آلية الزناد”، حتى عده مراقبون في طهران مؤشرا على تحول جيوسياسي ضمن إرهاصات نظام عالمي جديد.
وفي تطور بالغ الدلالة، أعلنت كل من طهران وموسكو وبكين رسالتين منفصلتين -وجهت الأولى إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش ومجلس الأمن الدولي، والثانية إلى رافائيل غروسي مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية– برفضها الاعتراف بشرعية أي عقوبات غربية على إيران وإبقاء ملفها النووي على جدول أعمال الوكالة.
لا يمثل الموقف الشرقي الذي حظي بدعم 120 دولة في حركة عدم الانحياز مجرد خلاف دبلوماسي عابر، بل يشير إلى تحول جيوسياسي أعمق قد يعيد رسم خريطة التحالفات والنفوذ على الساحة الدولية، وفق مراقبين، في مؤشر على تشكل حركة ضاغطة تتحدى هيمنة النظام الدولي الراهن وتشكك في مصداقيته.
تآكل الهيمنة
وانطلاقا من التنسيق بين طهران وموسكو وبكين، يرى رئيس البرلمان الإيراني محمد باقر قاليباف أن بلاده تمتلك المقومات اللازمة لتصبح محورا للتعاون الإقليمي والدولي، معتبرا أن هذا التوجه يشكل ركيزة لمواجهة الهياكل الأحادية المهيمنة على النظام العالمي.
وفي كلمة له خلال منتدى “اللقاء الإقليمي للدبلوماسية المحلية” الذي انعقد الأربعاء الماضي بمدينة مشهد شمال شرقي إيران، يعتبر قاليباف أن فشل واشنطن وحلفائها الأوروبيين في تفعيل ما تعرف بـ”آلية الزناد” والعجز عن تجاوز المعارضة الرسمية لعضوين دائمين في مجلس الأمن يعد إعلانا عمليا عن “ولادة عالم جديد” لم تعد فيه القرارات الدولية حكرا على عاصمة واحدة، وذلك لدى تطرقه إلى تآكل الهيمنة التقليدية للغرب على صناعة القرار الدولي.
من ناحيته، يرى السفير الإيراني الأسبق لدى ليبيا جعفر قناد باشي أن ملف بلاده النووي بلغ مرحلة مصيرية مع تجاوزه 18 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، وهو يوم النهاية في الاتفاق النووي، معتبرا أن التحدي الشرقي للإرادة الغربية يمهد لولادة واقع جديد على الصعيد العالمي.
وفي حديث للجزيرة نت، يرى قناد باشي أن انحياز 120 دولة من أعضاء حركة عدم الانحياز لصالح التوجه الشرقي دليل على إرادة جماعية من الحكومات الراغبة في مراجعة النظام الدولي لاستعادة المبادرة من قبضة القوى الغربية التقليدية، والدفاع عن هيبة مجلس الأمن في مواجهة خرق القانون الدولي، وتصعيد في المواجهة القانونية مع الغرب.
وبرأيه، فإن طهران أضحت تعيد رسم خريطة تحالفاتها وإستراتيجيتها الخارجية إثر “التجاوز الأميركي والأوروبي للأطر القانونية ومساعيها الدؤوبة لمصادرة إرادة الأوساط الدولية واستغلالها لتحقيق أهداف سياسية”، وذلك في سابقة تفتح الباب أمام تفكك المنظومة القانونية الدولية القائمة.
إعلان صريح
ويشكل الانحياز الروسي والصيني لإيران في مواجهتها مع القوى الغربية إعلانا صريحا بتعزيز تحالفاتهما الإستراتيجية مع طهران في مواجهة الضغوط الغربية، وتداعياته على موازين القوى الإقليمية والدولية، وفق قناد باشي الذي يعتقد أن التعاون المتعدد الأطراف الإقليمي والعالمي، لا سيما في إطار المنظمات التي أنشئت لمواجهة السياسات الغربية، ومن بينها منظمة شنغهاي للتعاون وتكتل بريكس، يعكس تحولا في البنية التحتية للنظام الدولي.
وأشار إلى أن انقسام القوى الشرقية والغربية حول القرار 2231 يخلق واقعا قانونيا مزدوجا بما يقوض سلطة مجلس الأمن التي تستمد من القبول الجماعي لقراراته، مضيفا أنه عندما ينهار الإجماع الدولي في الأمم المتحدة، تتحول القرارات إلى مجرد اقتراحات غير ملزمة، مما يفتح الباب أمام مزيد من الفوضى واللامركزية في الحكم العالمي.
وترى شريحة من الإيرانيين في الجدل الدائر حول انتهاء هذا القرار أكثر من مجرد نزاع على تفسير قانوني، إذ تراه مؤشرا على ولادة نظام دولي جديد متعدد الأقطاب بدلا من هيمنة القطب الواحد، والتحول إلى توزيع أكثر توازنا للنفوذ، لكن ذلك لن يخلو من مخاطر، وفق مراقبين.
من ناحيته، يشير الباحث السياسي مهدي شكيبائي إلى خطورة مواجهة القوى العالمية، موضحا أنه عندما ترى إحدى جبهات القوى العالمية أنها توشك على فقدان نفوذها المعهود فإنها قد تلجأ إلى إثارة حروب عالمية على غرار الحربين العالميتين الأولى والثانية لنسف مخططات الجهة المقابلة.
وفي حديث للجزيرة نت، يستدرك شكيبائي أن ما يشاهده العالم اليوم ليس سوى إرهاصات تشكيل نظام عالمي حديث خارج العباءة الأميركية والغربية، حيث تواصل إيران وحلفاؤها حفر مسارهم، متحدين العقوبات ومؤسسين لتحالفات إستراتيجية تهدف لإعادة تعريف هندسة القوى في الأمم المتحدة والعالم لسنوات قادمة.
ويضيف أن الحروب العالمية عادة تنشب في ظروف مشابهة للواقع العالمي الحالي، ولا يستبعد أن تقْدم الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون على مقامرة لتعطيل المسار الحالي الرامي لوضع حد للنظام العالمي الحالي من خلال تقويض الهيمنة الغربية على الأوساط الدولية والأممية.
تحدي الغرب
ولا تكتفي الأوساط الإيرانية في تناولها مرحلة ما بعد يوم النهاية في الاتفاق النووي لعام 2015 عند هذا الحد، إذ تشير بعض التحليلات المتخصصة إلى عزم الثلاثي الشرقي الصيني والروسي والإيراني على توسيع مواجهته مع الغرب، عبر نقل المعركة من دائرة مجلس الأمن إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في خطوة تستهدف تعطيل الآلية الأوروبية الرامية لاستصدار قرارات جديدة ضد البرنامج النووي الإيراني.
في السياق، يقول الباحث مهدي خراطيان مدير معهد “إحياء السياسة” إن الصين وروسيا -وهما دولتان دائمتا العضوية في مجلس الأمن- تستعدان لاستخدام أوراق ضغط متعددة تشمل الاعتراضات التنفيذية في جلسات مجلس المحافظين، وعرقلة اعتمادات الميزانية المرتبطة بآلية الرقابة على برنامج طهران النووي، وحتى حجب التقارير الفنية قبل وصولها إلى المجلس.
وفي تحليل نشره في قناة “راهبرد إيراني” على منصة تلغرام، يعتبر خراطيان هذا التصعيد انتصارا دبلوماسيا مهما لإيران التي نجحت دبلوماسيتها في قيادة هذا الملف إلى مرحلة متقدمة، موضحا أن الموقف الروسي الصيني المشترك يقوض محاولات الغرب من أجل الحفاظ على آلية للضغط على طهران عبر الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
لكن رغم ما يصفه بأنه إنجاز محقق، يؤكد خراطيان أن المعركة القانونية والدبلوماسية لا تزال في بداياتها، حيث ينتظر الطرفان مسارا طويلا ومليئا بالتحديات في مواجهة إستراتيجية الغرب الرامية للحفاظ على نقاط الضغط على الملف النووي الإيراني.



