الصحافة الإيرانية: حقيقة الوساطة في السياسة الخارجية وأسطورة “الثقة”
تثبت التجارب الأخيرة أن اختيار أي دولة كوسيط — سواء كانت مصر أو عُمان أو قطر — لا يعدو كونه أداة في لعبة النفوذ الخارجي، وليس ضماناً للنجاح الدبلوماسي الإيراني.
ميدل ايست نيوز: تظهر التجربة الأخيرة أن اختيار إيران أي دولة كوسيط، سواء كانت مصر أو عُمان أو قطر، هو في الغالب أداة في لعبة النفوذ الخارجي أكثر من كونه ضمانة لنجاح دبلوماسي لإيران. فالجهاز الدبلوماسي الإيراني يحتاج إلى مراجعة جادة تتيح له الاعتماد على قدراته الذاتية وفهم واقعي لدوافع الأطراف الخارجية، من أجل حماية نفسه من تأثير اللاعبين الإقليميين والدوليين وتجنّب الأخطاء التكتيكية التي قد تُضعف موقع إيران.
وقالت صحيفة شرق، إنه في الآونة الأخيرة، وجّهت وسائل الإعلام الإيرانية انتقادات لتحوّل مسار الوساطة في الملف النووي الإيراني من عُمان وقطر إلى مصر، واعتبر بعض المحللين هذه الخطوة خطأً تكتيكياً. والحقيقة أن أي طرف إقليمي أو دولي لا يدخل في ملفات حساسة كهذه بدافع النوايا الحسنة فقط، بل سعياً وراء مصالحه الخاصة. فمسقط والدوحة، والآن القاهرة، جميعها تتابع أهدافاً وطنية وإقليمية محددة، وأي دور تؤديه في الملف النووي الإيراني يرتبط بمصالحها السياسية والدبلوماسية أكثر مما يخدم طهران فعلياً. وحتى في حال عودة عُمان وقطر إلى لعب دور الوساطة، لا توجد أي ضمانات بأنهما ستكونان موثوقتين، إذ إن كل دولة تسعى إلى تعزيز مكانتها ونفوذها في المنطقة والمشاركة في منافسات القوى الكبرى.
مصر ولعبة النفوذ في الملف النووي
أعلن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي أن بنيامين نتنياهو التقى رئيس جهاز المخابرات المصري في القدس، وجاء هذا اللقاء عقب اتصالات وزير الخارجية المصري مع إيران، ومشاوراته مع المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي، والمبعوث الأمريكي ويتكوف. والهدف واضح: تسعى القاهرة لتثبيت موقعها في الملف النووي الإيراني واستعادة وزنها الإقليمي.
إن أداء مصر في حرب غزة، ودعواتها المشتركة لنزع سلاح حركة حماس، واستضافتها لنتنياهو في قمة شرم الشيخ، كلها مؤشرات على أن هذا البلد لا يمكن الوثوق به لا أخلاقياً ولا دبلوماسياً. وإصرار بعض دوائر السياسة الخارجية الإيرانية على تبنّي وساطة مصر، رغم سجلها المعروف، يعكس دوافع سياسية داخلية أكثر منها استراتيجية. مثل هذه المقاربات التحليلية جعلت من الدور المصري في الملف النووي موضع تساؤل واسع.
أدوات الضغط وحقيقة انعدام الثقة
ومع ذلك، تبقى القضية أوسع من مصر وحدها. فحتى لو عادت إيران للاعتماد على عُمان أو قطر، فإن الوضع لن يختلف كثيراً. فهاتان الدولتان، شأنهما شأن القاهرة، تضعان أولوياتهما الوطنية والإقليمية في المقام الأول، وأي تعاون مع طهران لن يكون إلا حين يتوافق مع مصالحهما المباشرة.
في الملف النووي الإيراني، لا يمكن لأي وسيط خارجي أن يكون موضع ثقة مطلقة، إذ إن هؤلاء الوسطاء يمتلكون أدوات ضغط ومقايضة وتأثير يستخدمونها لتعزيز نفوذهم، ويستفيدون من ثغرات وحاجات إيران لتقوية مواقعهم الإقليمية. والحقيقة أن الاعتماد على هؤلاء الوسطاء، حتى لو عاد الدور التقليدي لعُمان أو قطر، لا يمكن أن يضمن تحقيق المصالح الوطنية الإيرانية.
وعليه، فإن أي تحليل أو قرار يستند إلى الثقة بالوسطاء الأجانب يحمل مخاطر عالية واحتمالاً كبيراً للاستغلال، ولن يكون أمام طهران من سبيل فعال سوى إدراك دقيق لأهداف وحدود الأطراف الإقليمية والدولية والحفاظ على استقلالية قرارها في أي مفاوضات.
وفي الختام، تثبت التجربة الأخيرة أن اختيار أي دولة كوسيط — سواء كانت مصر أو عُمان أو قطر — لا يعدو كونه أداة في لعبة النفوذ الخارجي، وليس ضماناً للنجاح الدبلوماسي الإيراني. فالدبلوماسية الإيرانية مطالَبة بإعادة نظر شاملة، تقوم على تعزيز القدرات الداخلية، وفهم عميق لدوافع الأطراف الأخرى، وحماية البلاد من اختراق القوى الإقليمية والدولية، وتجنب الأخطاء التكتيكية التي قد تُضعف موقع إيران على الساحة الدولية.
اقرأ المزيد
صحيفة إيرانية تؤشر “خطأ تكتيكيا” للخارجية الإيرانية في تغيير مسار الوساطة مع الولايات المتحدة



