الصحافة الإيرانية: مهمة “خليل زاد” الجديدة في ظل حكم طالبان

تمثل زيارة خليل‌ زاد إعلاناً غير رسمي لعودة واشنطن إلى ساحة النفوذ الأفغاني. فظهور وجوه غير تابعة لطالبان يعني تقليص نفوذ طهران وموسكو بين الطاجيك والأوزبك، وإحياء قاعدة باغرام يعني إعادة بناء مرصد أمريكي على ممرات الصين.

ميدل ايست نيوز: أجرى زلماي خليل‌ زاد زيارة للعاصمة الأفغانية كابول. الرجل الذي يُنظر إليه على نطاق واسع بوصفه مهندس المسار السياسي لأفغانستان خلال العقدين الماضيين، وعين الولايات المتحدة في المنطقة، والمنفّذ المباشر لأهدافها الجيوسياسية على خطوط التصدع الاستراتيجية في جنوب ووسط آسيا. ورغم أن الزيارة وُصفت بأنها ذات طابع شخصي، فإن التجربة التاريخية للشعب الأفغاني ومعرفتهم الدقيقة بخليل‌ زاد وخططه الممتدة منذ عشرين عاماً تشير إلى أنه جاء بمهمة رسمية موفدة من واشنطن.

واعتبر عبد الناصر نورزاد، أستاذ سابق بجامعة كابول، في تحليل نشره موقع دبلوماسي إيراني، أن خليل‌ زاد هو من قاد مؤتمر بون الدولي 2001 وفقاً للأهداف الأمريكية، وجلب حامد كرزاي ثم أشرف غني إلى السلطة، وأقصى بقايا المجاهدين الذين كانوا لا يزالون يمتلكون فرصة للعودة إلى المشهد السياسي، عبر إغراقهم في ملفات شخصية واتهامات بالفساد السياسي. كما سلّم الجمهورية الأفغانية إلى حركة طالبان، وحوّلها إلى الحاكم المطلق للبلاد. أما الآن، فمهمته الجديدة تتمثل في منع سقوط طالبان مجدداً، سواء في ذهنية واشنطن أو في الحسابات الإقليمية. يسعى خليل‌ زاد إلى تقديم المشورة لطالبان، وإدخال إصلاحات شكلية، وإجراء محادثات مباشرة مع قادتها لإقناعهم بالسير على المسار المطلوب أمريكياً.

يبدو أن مهمة الولايات المتحدة في أفغانستان والمنطقة تُدار عبر ذراعين: أحدهما رسمي، يضم فريق خليل‌ زاد ومساعديه، والآخر غير مباشر، تمثله باكستان التي تؤدي دوراً مكملاً وحيوياً في تنفيذ هذا المخطط. وعلى الرغم من وحدة الأهداف، فإن مساري العمل الأمريكي والباكستاني يشهدان أحياناً تنافساً خفياً وحسداً متبادلاً في بعض المراحل.

في الحقيقة، لم تكن زيارة خليل‌ زاد إلى كابول مجرد مهمة دبلوماسية، بل كانت عودة هادئة ومدروسة لواشنطن إلى قلب لعبة السلطة في أفغانستان — بوجه دبلوماسي مبتسم، لكن بخطة عميقة ومتعددة المستويات. تقف وراء هذه الزيارة مجموعة من المخططات الأمنية والجيوسياسية الخفية، تهدف أساساً إلى ترسيخ طالبان في الحكم بواجهة شرعية لكن خاضعة بالكامل للسيطرة الأمريكية. يحاول خليل‌ زاد إخراج طالبان من عزلتها الدولية ومن سياسة التفاعل التكتيكي إلى محور الشرعية والفاعلية السياسية والأمنية والاقتصادية.

هذه الخطوة حيوية لطالبان، لأنها تمنع انهيار الحركة في حال تغيّر السياسات الأمريكية أو تبدلت موازين القوى الإقليمية. تتطلب هذه المهمة أدوات ناعمة المظهر ودبلوماسية في الأسلوب، لكنها في جوهرها تسعى لتحقيق أهداف استراتيجية بحتة.

تدرك واشنطن اليوم أن خليل‌ زاد يمثل عنصراً لا بديل له في تنفيذ مهامها بالمنطقة. فقد حوّلته نجاحاته “التخريبية” المدروسة خلال العقدين الماضيين من دبلوماسي هادئ وصبور إلى عنصر استخباراتي متعدد المهام، يحمل رسائل واشنطن الحاسمة إلى كابول.

ومن خلال إعادة بناء الغطاء السياسي لطالبان على أساس الرمزية القومية، يسعى خليل‌ زاد إلى شراء الشرعية لإنقاذ الحركة من مستنقع انعدامها. وهو يدرك أن لدى الولايات المتحدة أدوات داخل هيكل طالبان يمكن تفعيلها في اللحظات الحرجة لإحياء خيار “الإدارة عن بُعد”. في هذا السياق، يعدّ الحفاظ على شبكة حقاني — الذراع الاستخباراتي لباكستان والركيزة التنفيذية لاستراتيجية واشنطن المعادية لإيران وروسيا — أولوية أساسية في مهمته. جاء خليل‌ زاد ليؤكد أن أي تعديل في التشكيلة الحكومية يجب ألا يضعف جماعة حقاني، بل ينبغي إبقاء الشبكة فاعلة في ظل وجوه جديدة من الشمال، لتواصل عملها بعيداً عن الأنظار.

أما ملف الإفراج عن بعض السجناء الأمريكيين — الذي تحوّل إلى قضية أمنية حساسة بالنسبة لواشنطن — فيُظهر مدى قدرة الولايات المتحدة على إدارة الانقسامات داخل طالبان. فهذه الانقسامات تمثل أدوات تحكم تتيح لواشنطن منع سيطرة القوى الإقليمية على الحركة، وتسهل في الوقت ذاته إدارتها عن بُعد.

وبزيارته من قندهار إلى كابول، أعاد خليل‌ زاد إحياء أسلوبه القديم من حقبة “الجمهورية”، من خلال لقاء زعماء السلطة، والتواصل مع شخصيات المعارضة، وإدارة المشهد المزدوج. فهو يعلم أن إدخال بعض الشخصيات الرمزية من الطاجيك إلى بنية طالبان لن يغيّر طبيعة النظام أو معادلة القوة، لكنه كافٍ لتوفير مظهر من الشرعية. هذه الشخصيات ليست فاعلة في القرار، بل أدوات تجميلية لتليين صورة طالبان أمام الرأي العام الإقليمي والدولي.

يهدف خليل‌ زاد إلى إظهار أن طالبان تسير نحو “تعديل سلوكها” ويجب منحها فرصة لذلك. ومن خلال خلق هذا الانطباع، يسعى إلى إعادة تدفق الموارد المالية نحو طالبان، وفتح شريان التمويل الغربي لها مجدداً. في الظاهر، تبدو هذه خطوة إنسانية تهدف إلى دعم الاستقرار في أفغانستان، لكنها في جوهرها وسيلة لتمويل استمرار حكم طالبان وضمان المصالح الأمريكية في قلب آسيا.

تعتمد مهمة واشنطن الراهنة على ثلاثة محاور أساسية. أولاً، إعادة تشغيل قاعدة باغرام كمحطة مكملة لحصار قلب آسيا الشرقي ومركزاً للرقابة الاستخباراتية الأمريكية. ثانياً، الإبقاء على دور شبكة حقاني للحفاظ على التوازن الداخلي وتنفيذ السياسات المناهضة للشرق. وثالثاً، إدخال بعض الشخصيات الشمالية إلى هيكل الحكم لتوفير غطاء شرعي وصورة مصطنعة من “الوحدة الوطنية”.

بهذا التشكيل، تصوغ واشنطن صورة مزيفة لـ“حكومة شاملة”، لكنها في الحقيقة تحتفظ بسيطرتها الكاملة على أفغانستان من وراء الستار.

وهكذا، تمثل زيارة خليل‌ زاد إعلاناً غير رسمي لعودة واشنطن إلى ساحة النفوذ الأفغاني. فظهور وجوه غير تابعة لطالبان يعني تقليص نفوذ طهران وموسكو بين الطاجيك والأوزبك، وإحياء قاعدة باغرام يعني إعادة بناء مرصد أمريكي على ممرات الصين في واخان وبدخشان، فيما يعني تعزيز دور حقاني استمرار الإدارة الاستخباراتية الأمريكية “عن بُعد” في أفغانستان.

اقرأ المزيد

معارضة مشتركة لروسيا والصين وإيران ضد خطط ترامب لاستعادة قاعدة باغرام في أفغانستان

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
ميدل ايست نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إحدى عشر − 5 =

زر الذهاب إلى الأعلى