الصحافة الإيرانية: الحلم الأميركي في أفغانستان… معادلات جديدة بين الغرب والشرق
إن العودة المحتملة للولايات المتحدة إلى باغرام ليست مجرد قضية أفغانية داخلية، بل تمثل حلقة ضمن مخطط أوسع لواشنطن لإعادة صياغة موازين القوى في المنطقة.

ميدل ايست نيوز: بينما لم تُمحَ بعد من ذاكرة الشعب الأفغاني تبعات الوجود الأميركي الذي استمر لعشرين عاماً في بلادهم، أعاد دونالد ترامب، بتصريحاته الأخيرة حول استعادة قاعدة باغرام، أفغانستان مجدداً إلى بؤرة التنافس بين القوى العالمية.
قبل أسابيع قليلة، نشر ترامب رسالة تهديدية موجهة إلى حركة طالبان قال فيها إنه إذا لم تُعد قاعدة باغرام إلى الولايات المتحدة، فإن «أمورا سيئة قد تحدث».
تأتي هذه التصريحات في الوقت الذي قام فيه زلماي خليل زاد، المهندس الرئيسي للسياسة الأميركية في أفغانستان، بزيارة غير متوقعة إلى كابل، أجرى خلالها سلسلة لقاءات غير معلنة مع قادة طالبان وعدد من الشخصيات السياسية في البلاد.
وفي الوقت نفسه، اندلعت اشتباكات قصيرة لكن عنيفة بين باكستان وطالبان أفغانستان، مما أجّج من جديد حالة عدم الاستقرار على الحدود الشرقية لإيران.
وقالت صحيفة شرق الإيرانية، إن هذه الأحداث الثلاثة تبدو منفصلة في ظاهرها، لكنها في الواقع أجزاء مترابطة من مشهد أمني واحد، يحمل تداعيات مباشرة على طهران وأمن المنطقة.
وتقع قاعدة باغرام على بُعد 60 كيلومتراً شمال كابل، وتتمتع بموقع جغرافي واستراتيجي فريد يجعلها مشرفة على الطرق المؤدية إلى آسيا الوسطى والصين وإيران، وهو ما جعلها دائماً محور اهتمام القوى الكبرى.
ووصفها ترامب بأنها «قاعدة تبعد ساعة واحدة فقط عن المنشآت النووية الصينية»، معتبراً أن استعادتها ستكون رمزاً لاستعادة واشنطن نفوذها في جنوب آسيا.
ورغم الطابع الدعائي لتصريحاته، فإن الأهمية الجيوسياسية لقاعدة باغرام في هيكل التنافس الجديد بين الولايات المتحدة وكلٍّ من الصين وروسيا لا يمكن إنكارها.
ومن وجهة نظر طهران، فإن العودة المحتملة للولايات المتحدة إلى باغرام ليست مجرد قضية أفغانية داخلية، بل تمثل حلقة ضمن مخطط أوسع لواشنطن لإعادة صياغة موازين القوى في المنطقة.
وقال إسماعيل بقائي، المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، تعليقاً على هذه المزاعم، إن الوجود الأميركي في أفغانستان طوال عقدين لم يخلّف سوى «انعدام الأمن، والإرهاب، وانتشار المخدرات»، مؤكداً أن دول المنطقة مجتمعة متفقة على ضرورة احترام سيادة أفغانستان ووحدة أراضيها، ورفض أي عودة للقوات الأجنبية.
خليل زاد ومشروع واشنطن الجديد تجاه طالبان
زلماي خليل زاد، الدبلوماسي الأفغاني المخضرم ومهندس مؤتمر بون الدولي واتفاق الدوحة، عاد مجدداً إلى كابل بمهمة جديدة.
ورغم أن وسائل الإعلام الغربية وصفت زيارته بأنها «شخصية»، إلا أن سجله في صياغة البنية السياسية لأفغانستان يُظهر أن هذه الزيارة لا يمكن أن تكون رمزية فقط.
فخليل زاد في الواقع يحمل خطة جديدة تهدف إلى ترسيخ سلطة طالبان في الحكم، وهي خطة تبدو في ظاهرها قائمة على «الإصلاح السياسي والاعتدال السلوكي»، لكنها في جوهرها محاولة لإضفاء الشرعية على نظام لا تزال واشنطن تديره من وراء الستار.
في هذا المشروع، يُفترض أن تُخرِج واشنطن طالبان من عزلتها الدولية، مع إدخال بعض الشخصيات الرمزية من القوميات الشمالية في هيكل السلطة، لعرض صورة أكثر اعتدالاً للحكومة أمام المجتمع الدولي.
الهدف النهائي هو فتح الطريق أمام طالبان للوصول إلى مصادر التمويل الأجنبية وضمان استمرار بقائها السياسي. أما ظاهرياً، تُقدَّم هذه المبادرة كمسعى لدعم استقرار أفغانستان، لكنها في حقيقتها تهدف إلى تمكين واشنطن من الحفاظ على نفوذها السياسي والاستخباراتي من دون الحاجة إلى وجود عسكري مباشر.
ويعتقد محللون أن مهمة خليل زاد الجديدة تقوم على ثلاثة محاور أساسية: إحياء دور قاعدة باغرام كمركز للرقابة الاستخباراتية الأميركية في آسيا الوسطى، والحفاظ على شبكة حقاني باعتبارها الذراع الاستخباراتي لباكستان وأداة واشنطن لاحتواء إيران وروسيا، وإشراك بعض الشخصيات غير البشتونية لإظهار شكل حكومة شاملة. هذه الصيغة المتوازنة ظاهرياً ليست سوى غطاء لاستمرار النفوذ الأميركي في كابل.
ومن زاوية أمنية، فإن هذا السيناريو يحمل تداعيات مباشرة على إيران. فتعزيز الشبكات المرتبطة بباكستان داخل طالبان يعني توسع نشاط المجموعات ذات التوجه المعادي لإيران. ومن جهة أخرى، فإن استمرار اعتماد طالبان على التمويل الغربي يزيد من احتمال عودة النفوذ الأميركي الاستخباراتي والتقني تدريجياً إلى المناطق الشرقية من إيران.
وقد أكدت إيران مراراً خلال العقدين الماضيين أن استقرار أفغانستان جزء لا يتجزأ من أمنها القومي، لكن أي عودة للولايات المتحدة – ولو في إطار تعاون استخباراتي أو أمني مع طالبان – من شأنها أن تهدد هذا الترابط الأمني.
وفي هذا السياق، حذّر إسماعيل بقائي، المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، قائلاً إن تجربة وجود الناتو السابقة في أفغانستان يجب أن تكون درساً مشتركاً لدول المنطقة، وإن أي عودة للقوات الأجنبية، مهما تغيّرت شعاراتها أو راياتها، لن تعني سوى تكرار دورة جديدة من عدم الاستقرار.
اقرأ المزيد



