خبير إيراني: تشابهار أداة رئيسية للهند للحفاظ على استقلالها الاقتصادي
قال خبير اقتصادي إن تشابهار هو الميناء الإيراني الوحيد المطل على المحيط الهندي، والذي يمكن أن يخلق توازناً جيوستراتيجياً جديداً في المنطقة.

ميدل ايست نيوز: قال خبير اقتصادي إن تشابهار هو الميناء الإيراني الوحيد المطل على المحيط الهندي، والذي يمكن أن يخلق توازناً جيوستراتيجياً جديداً في المنطقة ويعزز مكانة إيران كلاعب مركزي في اقتصاد المنطقة.
وفي مقابلة مع موقع المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية، أشار نويد فاضلي إلى أن «ميناء تشابهار يقع عند نقطة التقاء التنافس بين القوى الكبرى وتلبية الاحتياجات الحقيقية للاقتصاد الإقليمي». وأضاف: «تشابهار هو الميناء الإيراني الوحيد المتصل مباشرة بالمحيط الهندي، وعلى عكس ميناء بندر عباس، لا يقع في مضيق هرمز. هذا الموقع يتمتع بأهمية كبيرة من منظور الأمن البحري والخدمات اللوجستية؛ فمسار الشحن في تشابهار أقصر، وأقل تكلفة، وأقل ازدحاماً».
وتابع الخبير الاقتصادي: «القدرة التشغيلية لمحطة الشهيد بهشتي في المرحلة الأولى كانت حوالي 8 ملايين طن، وستزيد إلى 18 مليون طن في المرحلة الثانية. منذ عام 2018، رست أكثر من 450 سفينة في الميناء وتم نقل 8.7 ملايين طن من البضائع. وقد أظهر نمو النشاط الحاوي بنسبة 650٪ في السنة المالية 2023-2024 أن تشابهار تجاوز مرحلة الرمزية ووصل إلى مرحلة التشغيل الفعلي».
وأشار إلى أن «بينما يواجه ميناء بندر عباس ازدحاماً وتأخيراً في تفريغ البضائع، لا يواجه تشابهار مثل هذه القيود. موقعه في المنطقة الحرة الاقتصادية يوفر مزايا جمركية وضرائبية خاصة، وهذا يحول تشابهار من مجرد ميناء إلى منصة عبور للتجارة الإقليمية».
وأضاف: «رغم الضغوط الأمريكية، لم تتراجع الهند عن الاستثمار في تشابهار، لأن مصالحها طويلة الأمد تفوق مخاطر العقوبات. وإلغاء إعفاء تشابهار من قبل واشنطن ليس له تأثير استراتيجي كبير، لأن البنوك والشركات الأجنبية لم تكن تتعاون حتى مع الإعفاء بسبب عدم وجود ترخيص رسمي من مكتب مراقبة الأصول الأجنبية. الهند واصلت التعاون مع إيران بحذر ولكن باستمرار».
أهمية تشابهار في ربط إيران والهند وآسيا الوسطى
وأكد فاضلي أن «تشابهار ليس مجرد ميناء إيراني، بل هو طريق رئيسي يربط ثلاثة أقاليم حضارية: غرب آسيا، جنوب آسيا، وآسيا الوسطى. يمكن أن يكون نقطة التقاء لمشاريع مثل خط أنابيب TAPI، وممر الشمال-الجنوب، وحتى المشاريع الصينية في بدخشان».
وأضاف: «في هذا السياق، تلعب أفغانستان دوراً محورياً. فاستكمال الطرق والسكك الحديدية من تشابهار إلى زرنج وقندهار يتيح نقل البضائع الهندية إلى آسيا الوسطى عبر أقصر طريق، وهو ما يمنح دول آسيا الوسطى الحبيسة إمكانية الوصول المباشر إلى المياه الحرة».
وأوضح فاضلي أن «أوزبكستان وتركمانستان وكازاخستان تبحث عن مسارات بديلة لصادراتها. ومع عواقب الحرب في أوكرانيا والقيود على المسارات الشمالية، يمثل تشابهار خياراً حاسماً بالنسبة لها».
وأشار إلى أنه «في عام 2024، تم توقيع عقد عشر سنوات بين شركة India Ports Global Limited وهيئة الموانئ الإيرانية، خصصت الهند بموجبه 120 مليون دولار لمعدات الميناء و250 مليون دولار خط ائتمان. هذا الاتفاق يظهر أن نيودلهي تنظر إلى تشابهار كمشروع استراتيجي طويل الأمد، وليس مؤقتاً. الهدف الأساسي للهند هو ربط تشابهار مباشرة بشبكة السكك الحديدية الإيرانية وربطها بعد ذلك بالفرع الشرقي لممر الشمال-الجنوب».
وأوضح: «رغم أن روسيا تبدو داعمة لدمج تشابهار في ممر الشمال-الجنوب، إلا أن الميناء لم يُسجل رسمياً ضمن هذا الممر بعد. تركيز موسكو على مسار أستارا-رشت وبندر عباس، لكن مع زيادة قدرة تشابهار، ستصبح الشركات الروسية مهتمة باستخدامه لأنه يوفر مساراً أقصر لتصدير البضائع إلى جنوب آسيا وشرق إفريقيا».
وأكد فاضلي أن «استمرار الاستثمار الهندي في المراحل التالية سيجعل تشابهار مركزاً لتصدير البضائع من آسيا الوسطى إلى جنوب آسيا، ويرفع إيران من مجرد محور ترانزيت إلى محور قيمة مضافة، لتحويل البلاد إلى مركز لمعالجة وتوزيع البضائع إقليمياً».
تشابهار ودورها في الاستقلال الاقتصادي لإيران
وقال فاضلي: «تشابهار يمثل فرصة لإعادة تعريف استقلال إيران الاقتصادي أمام هيكل التجارة العالمية». وأضاف: «العقوبات الأمريكية أعزلت إيران إلى حد كبير عن النظام المالي ونقل البضائع العالمي، لكن تشابهار يمكن أن يوفر مساراً مستقلاً وإقليمياً».
وتابع: «حالياً، معظم طرق التجارة الإيرانية تعتمد على موانئ الخليج ومضيق هرمز؛ وأي انعدام أمن هناك يمكن أن يعطل التجارة. أما تشابهار، بموقعه المباشر على المحيط الهندي، يتيح إنشاء شبكة من المسارات البديلة التي ليست تحت سيطرة الغرب ولا عرضة للأزمات الإقليمية».
وأشار إلى أن «تشابهار يمكن أن يكون منصة للتعاون متعدد الأطراف بين إيران والهند وأفغانستان وآسيا الوسطى وحتى الصين، مع التركيز على المصالح الاقتصادية بعيداً عن الانتماءات السياسية. واستكمال السكك الحديدية الإيرانية حتى حدود أفغانستان وآسيا الوسطى سيحول إيران من طرفي ترانزيت إلى مركز في سلسلة التوريد الإقليمية».
وأضاف: «تطوير تشابهار له أهمية داخلية أيضاً، فهو سيجعل سواحل مكران مركزاً للتنمية المستدامة في جنوب شرق إيران، ويعزز الاستثمار في البنية التحتية، وخلق الوظائف، والاستقرار الاجتماعي».
وقال فاضلي: «تشابهار يبدو مشروعاً مينائياً، لكنه في الواقع أداة لتعزيز الاستقلال الاقتصادي وإعادة تعريف دور إيران في التجارة العالمية. ورغم العقوبات، أظهرت تجربة التعاون الإيراني-الهندي أن التجارة الإقليمية يمكن أن تنمو حتى في أوقات الضغط الشديد. تشابهار هو رمز المقاومة الذكية لإيران أمام القيود الخارجية».
التحديات الإقليمية والمسار المستقبلي
وحذر الخبير الإيراني في الشؤون الاقتصادية من أن «الصراعات الأخيرة بين باكستان وطالبان أفغانستان حول طالبان باكستان قد تهدد الاستقرار الإقليمي الهش وتؤثر على مشاريع الترانزيت مثل كوادر وتشابهار».
وأكد: «يجب عدم السماح لوسائل الإعلام بصناعة روايات عن منافسة وهمية بين تشابهار وجوادر. هذان الميناءان يمكن أن يكونا مكمّلين لبعضهما إذا تم التعاون بينهما، وهذا لا يقلل التوترات فحسب، بل يشجع الصين على المشاركة في مشاريع تشابهار».
وأشار إلى التطورات التجارية الأخيرة: «إجراءات حكومة ترامب بفرض رسوم جمركية 50٪ على البضائع الهندية دفعت نيودلهي إلى تبني سياسة التوازن. في هذه الظروف، أصبح تشابهار أداة رئيسية للهند لتنويع طرق التجارة والحفاظ على استقلالها الاقتصادي».
وختم فاضلي: «الفرصة متاحة الآن لإيران لإنشاء بيئة تشاركية في تشابهار وحتى في كوادر، وجذب مشاركة هندية وصينية وحتى باكستانية فعّالة ضمن مشاريع مشتركة. هذا المسار يمكن أن يحقق فوائد اقتصادية وجيوسياسية مستدامة للمنطقة».



