«جوع وخوف ورائحة موت».. عراقي يروي كيف اقتيد قسرا إلى الحرب الروسية

هزّت شهادة مفصلة لشاب عراقي أسير لدى الجيش الأوكراني، يدعى كمال نبيل خلف (25 عاماً) تداولتها مواقع التواصل الاجتماعي، الرأي العام في العراق.

ميدل ايست نيوز: هزّت شهادة مفصلة لشاب عراقي أسير لدى الجيش الأوكراني، يدعى كمال نبيل خلف (25 عاماً) تداولتها مواقع التواصل الاجتماعي، الرأي العام في العراق، حيث كشف عن تعرضه للاعتقال والتهديد والتجنيد القسري في صفوف الجيش الروسي للمشاركة في العمليات القتالية، وذلك بعد أشهر من دخوله البلاد بتأشيرة سياحية.

ووفقاً لتسجيل مصور، يظهر فيه خلف معترفاً بتجنيده من قبل الروس، وراوياً بالتفصيل قصته التي بدأت بعد أن تم توقيفه من قبل الشرطة الروسية بسبب عمله بعد انتهاء تأشيرته السياحية، وبدلاً من ترحيله أو اتخاذ الإجراءات القانونية المعتادة، نُقل خلف إلى مركز حيث فُرض عليه خيار قاسٍ: التوقيع على عقد الخدمة العسكرية أو مواجهة “السجن لمدة 20 عاماً” .

يقول خلف في شهادته التي يبدو أنها مسجلة في أوكرانيا، أثناء وقوعه في الأسر: “كنت خائفاً و لا أريد الذهاب إلى الجيش، حيث أجبروني على توقيع العقد وهددوني بالحكم عليّ 20 عاماً إن لم أوقع”.

تحت وطأة هذا التهديد، وقّع الشاب العقد، لتبدأ رحلة من المعاناة الإنسانية، ووفقاً لخلف فقد أمضى فترة وجيزة في مراكز احتجاز أولية قبل نقله إلى معسكر تدريب استمر 19 يوماً، وخلال هذه الفترة أكد خلف أن المعاملة كانت “قاسية ومهينة”، حيث تم معاملته هو وزملاؤه الأجانب “كالحيوان” على حد وصفه.

ويذكر خلف، أن سوء المعاملة لم يقتصر عليه، بل شمل أجانب آخرين من جنسيات إفريقية، تحديداً من كينيا وأوغندا، الذين كانوا يتعرضون للضرب والصراخ في وجوههم، في ظل حرمانهم من أبسط الاحتياجات مثل الطعام.

بعد فترة التدريب، تم دفع خلف إلى الخطوط الأمامية، ويصف صاحب الـ 25 عاماً ، الظروف القاسية التي مر بها وهو في طريقه إلى المنطقة القتالية قائلاً: “عبروني النهر، ومن ثم نمت في خندق الخطوط الأمامية، بين الجثث حيث تملأ رائحة الموت كل المكان الذي كان مبتلاً ورطباً جداً”.

ويتابع خلف سرده لتجربته الاجبارية: قائلاً: “وضعي الصحي قد تدهور بشدة بسبب زجي في هذه المناطق، حيث ضعفت عيني، كما أصبح لدي ضعف في السمع، نتيجة الظروف التي عشتها”، متهماً الروس بأنهم “دمروا حياته”.

انتهت رحلة خلف المأساوية بعد أن تعرضت وحدته لضربة من طائرة مُسيّرة (درون) أدت إلى ضياعه في الغابة، وحين عثر على القوات الأوكرانية قرر تسليم نفسه إليهم على الفور.

كمال خلف وهو واحد من عشرات الشبان العراقيين الذين غرر بهم أو استهوتهم الأموال أو من ضاقت بهم السبل في البلدان البعيدة عن وطنهم انتهى بهم الأمر بصفوف الجيش الروسي في الخط الأمامي للجبهة.

الشبان العراقيون بعضهم يذهب بنفسه هروباً من واقع مرير يعيشه داخل البلد، وبعضهم يجد نفسه في صفقة تتبادلها عصابات الاتجار بالبشر.

في هذا الشأن، يقول النائب عامر الفايز، عضو لجنة العلاقات الخارجية النيابية، إنّ “انخراط بعض الشباب العراقي في الحرب الروسية الأوكرانية جاء نتيجة إغراءات مالية، وتم بمحض إرادتهم وليس نتيجة ضغوط من أي جهة”.

ويضيف، أنّ “من يرغب منهم بالعودة يمكنه التقديم بطلب رسمي إلى السفارة العراقية في موسكو، التي ستتولى متابعة ملفاتهم وتقديم المساعدة اللازمة وفق السياقات القانونية”.

ويؤكد الفايز، أن “أعداد العراقيين المشاركين محدودة جداً، بخلاف ما يُتداول في وسائل الإعلام التي تبالغ بالأرقام”، لكنه يعترف باحتمالية “وجود أذرع غير معلنة داخل العراق قد تسهم في تشجيع بعض الشباب على الانخراط في الحرب الروسية – الأوكرانية، وربما تكون مرتبطة بجهات خارجية، إلا أن ذلك يبقى غير مثبت رسمياً”.

من جانبه، هاجم المرصد العراقي لحقوق الإنسان، تصريحات السفير الروسي لدى بغداد، التي اعتبرها ترويجاً لتجنيد العراقيين في الحرب الروسية الأوكرانية.

وقال المرصد العراقي لحقوق الإنسان في بيان (27 تشرين الأول أكتوبر 2025) إن تصريحات السفير الروسي في العراق، ألبروس كوتراشيف، التي أدلى بها في مقابلة صحفية سابقة، “تمثل تسويقاً علنياً ومقلقاً لفكرة تجنيد مواطنين عراقيين للمشاركة في الحرب الروسية ضد أوكرانيا، في انتهاك واضح لسيادة العراق وللقانون الدولي”

وأكد المرصد أن حديث السفير، حين قال إن “آلاف العراقيين مستعدون للانضمام إلى الجيش الروسي إذا فُتح الباب أمامهم”، لا يمكن النظر إليه كتصريح عابر، بل “كمؤشر خطير على محاولات استغلال الفقر والبطالة بين الشباب العراقي لتحويلهم إلى وقود في حرب خارج حدود وطنهم”.

وقال رئيس المرصد مصطفى سعدون، إن “استغلال الأوضاع المعيشية الصعبة، حيث تتجاوز معدلات الفقر 27% وتصل إلى أكثر من 40% في بعض المحافظات الجنوبية، يعكس محاولة غير أخلاقية لتحويل الحاجة الاقتصادية إلى وسيلة لتجنيد العراقيين في صراعات أجنبية”.

وأضاف، أن “تقديم الحرب كخيار لتحسين الدخل يشكّل شكلاً من أشكال الاتجار بالبشر”، وفقاً للمعايير الدولية التي تعتبر الإكراه الاقتصادي نوعاً من الاستغلال.

وأشار المرصد إلى أن “أي محاولات لتجنيد العراقيين أو تسهيل مشاركتهم في النزاع الأوكراني، سواء عبر وسطاء أو عقود وهمية، تتناقض مع الدستور العراقي الذي يمنع تكوين تشكيلات مسلحة خارج سلطة الدولة، وتمس مبدأ السيادة الوطنية”، مؤكداً أن “تصريحات السفير الروسي تمثل خرقاً لاتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961، التي تلزم البعثات باحترام قوانين الدولة المضيفة والامتناع عن أي نشاط يؤثر على استقرارها”.

ودعا المرصد، الحكومة العراقية ووزارة الخارجية إلى “استدعاء السفير الروسي وتوضيح موقف رسمي واضح يرفض هذه التصريحات، مع فتح تحقيق برلماني ودبلوماسي عاجل حول وجود وسطاء أو شبكات محلية محتملة تعمل على تجنيد الشباب لصالح أطراف أجنبية”.

وختم المرصد بالقول: إن ما صدر عن السفير الروسي “لا يمكن اعتباره مجرد تصريح إعلامي، بل تحرك سياسي خطير يرمي إلى اختبار موقف العراق من زجّ مواطنيه في حروب الآخرين، وهو ما يستوجب موقفاً رسمياً حازماً يحمي السيادة الوطنية وكرامة العراقيين”.

وكان السفير الروسي قال في حوار صحفي لوكالة “شفق نيوز”، (17 تشرين الأول أكتوبر 2025) إنه “تم تسجيل حالات محدودة لعراقيين قاتلوا ضمن صفوف الجيش الروسي”، مشيراً إلى أن “أحدهم زار الملحق العسكري السابق في السفارة أثناء عودته إلى العراق لتسوية بعض الأمور الشخصية، قبل أن يؤكد نيته العودة إلى الجبهة”.

كما أضاف أن السفارة منحت تأشيرات دخول لذوي اثنين من العراقيين الذين لقوا حتفهم في الحرب، وهي الحالات الوحيدة التي تم التعامل معها رسمياً.

وفي (29 أيلول سبتمبر 2025) أصدرت محكمة جنايات النجف حكماً بالسجن المؤبد بحق مدان عن جريمة الاتجار بالبشر.

ووفقاً لبيان القضاء العراقي، أن “المدان وبالاشتراك مع متهمين آخرين أقدموا على تكوين جماعات وإرسالهم للقتال في دول أجنبية لقاء مبالغ مالية”، مشيراً إلى أن “الحكم صدر بحق المدان استناداً لأحكام المادة 6 / ثالثاً وسابعاً من قانون مكافحة الاتجار بالبشر رقم 28 لسنة 2012”.

وكانت السفارة العراقية في روسيا حذرت في (5 أيلول سبتمبر 2025) من محاولات “استدراج أو توريط” بعض العراقيين المقيمين في روسيا أو خارجها تحت ذرائع مختلفة للمشاركة في الحرب في أوكرانيا”، داعية أبناء الجالية إلى “توخّي الحيطة والحذر وعدم الانجرار وراء هذه الأساليب المضللة”.

بيان السفارة جاء عقب تصريح لشخص يدعى حيدر الشمري، عرف كمسؤول عن الجالية العراقية في روسيا، عن وجود نحو 5 آلاف عراقي يقاتلون في الحرب، بينهم 2000 مع الجانب الروسي و3000 مع الجانب الأوكراني، مشيراً إلى عمليات احتيال يتعرض لها المتطوعون على يد ما وصفها بـ”مافيات التهريب”، وأن الجانب الروسي يشترط أن يكون المتعاقد من المقيمين في روسيا ويجيد اللغة الروسية.

وينص القانون الروسي على أنه يحق لأي مواطن أجنبي مقيم في روسيا ويجيد اللغة الروسية التعاقد مع الجيش الروسي وفق عقد رسمي براتب محدد يتراوح 2500 – 3000 آلاف دولار، وهو ما يشجع الشبان في البلدان الفقيرة بالالتحاق بالجيش الروسي.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
العالم الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

واحد × واحد =

زر الذهاب إلى الأعلى