الصحافة الإيرانية: هل تستطيع إيران لعب دور الوسيط الواقعي بين كابول وإسلام أباد؟
مع تزايد حالة عدم الثقة بين إسلام أباد وكابول، يمكن لإيران أن تلعب دور «الوسيط الواقعي»؛ دور لا ينبع من تدخل مباشر، بل من منظور المسؤولية الأمنية والإقليمية.

ميدل ايست نيوز: مع تزايد حالة عدم الثقة بين إسلام أباد وكابول، يمكن لإيران أن تلعب دور «الوسيط الواقعي»؛ دور لا ينبع من تدخل مباشر، بل من منظور المسؤولية الأمنية والإقليمية. فمستقبل السلام والاستقرار في شرق إيران يعتمد على نجاح مثل هذه المبادرات، التي إذا ما صاحبتها الحكمة والتنسيق بين المؤسسات الإقليمية، قد تمنع اندلاع حرب جديدة تتجاوز تبعاتها الحدود بسرعة.
وأفادت وسائل الإعلام الحكومية في أفغانستان ومصادر أمنية باكستانية يوم الثلاثاء أن المفاوضات التي جرت في إسطنبول بين ممثلي إسلام أباد وكابول انتهت بلا نتائج، وكانت تهدف إلى التوصل لاتفاق هدنة طويل الأمد وتثبيت آلية أمنية على الحدود بين البلدين.
وقال موقع دبلوماسي إيراني، إنه وفقاً لمصادر إقليمية، جرت هذه المحادثات في إسطنبول بوساطة تركية، واستكملت الاجتماع السابق بين الطرفين في الدوحة، والذي جاء بعد أسبوع من الاشتباكات الحدودية بين قوات باكستان وطالبان أفغانستان وأسفر عن هدنة فورية. ومع ذلك، حالت حالة عدم الثقة العميقة بين البلدين دون استمرار العملية التفاوضية في مسار ثابت.
وأشار مصدر حكومي أفغاني إلى أنه تم التوصل إلى اتفاقيات حول تمديد الهدنة وإعادة فتح المعابر الحدودية وتبادل الأسرى، إلا أنه عند انتهاء اجتماع إسطنبول لم يُصدر أي بيان مشترك. وأكدت مصادر باكستانية أن الخلاف حول آلية مراقبة الحدود وطرق السيطرة على هجمات الجماعات المسلحة كان السبب الرئيسي لتعطيل المفاوضات.
بدأت التوترات الأخيرة بين البلدين في 12 أكتوبر الجاري، عندما استهدفت باكستان مواقع جماعة “طالبان أفغانستان” بالقصف المدفعي والطائرات المسيرة رداً على ما وصفته بـ«تحركات حدودية لمسلحي طالبان الباكستانية». وردت قوات طالبان الأفغانية بمهاجمة عدة نقاط حدودية باكستانية. وأسفرت الاشتباكات عن سقوط عشرات القتلى من كلا الطرفين، وارتفع مستوى التوتر بشكل غير مسبوق.
على الرغم من إعلان هدنة مؤقتة، يظل الغموض وانعدام الثقة يخيّمان على العلاقات بين كابول وإسلام أباد. وكانت محادثات إسطنبول تهدف إلى وضع آلية رسمية لإدارة الأزمات الحدودية ومنع تكرار العنف، لكن فشل المفاوضات زاد من احتمالية تجدد الصراع.
عودة الحرب وانعدام الأمن في المناطق الحدودية
قد يكون فشل محادثات إسطنبول مقدمة لعودة الاشتباكات في المناطق الحدودية بين أفغانستان وباكستان، وهو صراع عادة ما يمتد سريعاً إلى الدول المجاورة، بما فيها إيران. وفي حال تجدد الحرب، ستصبح زيادة تحركات الجماعات المسلحة والتهريب والنزوح القسري وانعدام الأمن الحدودي أمراً لا مفر منه.
تظل المناطق الحدودية في أفغانستان، خصوصاً في قندهار وننكرهار وخوست، مناطق نشاط للجماعات المتطرفة والمتمردة، وأي فراغ أمني قد يمكّن هذه الجماعات من إعادة قوتها.
من منظور السياسة الخارجية، تؤكد هذه الحالة المبدأ القائل بأن «أي نزاع أو صراع في المنطقة لا يبقى دون تأثير على الجيران». ومع اقتراب باكستان وطالبان أفغانستان من مواجهة عسكرية جديدة، لن تتمكن إيران من الحماية من التداعيات الأمنية والإنسانية والاقتصادية لهذه النزاعات.
وخاصة الحدود الشرقية لإيران في سيستان وبلوشستان، التي تواجه منذ سنوات تحديات أمنية وتحركات جماعات مسلحة، معرضة لارتفاع مستويات انعدام الأمن. أظهرت التجارب السابقة أنه في كل مرة تتصاعد فيها التوترات بين كابول وإسلام أباد، يتدفق عدم الاستقرار وتهريب الأسلحة والمخدرات نحو الحدود الإيرانية. ومن هذا المنطلق، فإن استمرار فشل المفاوضات وتكرار الاشتباكات الحدودية لا يمثل تهديداً للاستقرار الإقليمي فحسب، بل يشكل خطراً مباشراً على الأمن القومي الإيراني.
دور طهران: من الوساطة إلى حماية الحدود
على الرغم من فشل محادثات إسطنبول، يجب على طهران أن تتدخل بشكل جدي في هذه الأزمة. السبب واضح؛ القضية ليست مجرد خلاف بين دولتين مجاورتين، بل تتعلق بأمن الحدود الشرقية لإيران واستقرار البيئة المحيطة بها.
العلاقات المتوازنة لطهران مع كل من باكستان وطالبان تمنح إيران دوراً مميزاً في إدارة الأزمة. فمن جهة، حافظت إيران في السنوات الأخيرة على علاقات نسبية حسنة مع إسلام أباد، وأجرت حوارات فعالة في مجالات التجارة الحدودية والتعاون الأمني. ومن جهة أخرى، يوفر التواصل المباشر مع حكومة طالبان في كابول، رغم الاعتبارات الدولية، قناة اتصال مستمرة مع هذه الجماعة.
لهذا السبب، يمكن لإيران أن تكون وسيطاً نشطاً، بل وحتى تستضيف جولة جديدة من محادثات السلام بين الطرفين. هذه الوساطة، التي تتماشى مع سياسة الجوار الإيرانية، قد تساهم في تخفيف التوترات الإقليمية وضمان أمن الحدود الشرقية. بالإضافة إلى ذلك، يشكل التدخل النشط لإيران في أزمة أفغانستان وباكستان فرصة لإعادة تعزيز مكانتها الدبلوماسية في معادلات جنوب آسيا، ويعزز صورتها الدولية كلاعب مسؤول ويحد من انتشار التهديدات الحدودية والإنسانية في نطاق أراضيها.



