الصحافة الإيرانية: إصلاح أسعار الطاقة يقود جورجيا للنجاح.. لماذا لا يحدث ذلك في إيران؟

يرى خبراء أن اعتماد إيران المفرط على سياسات تسعير الطاقة دون إصلاح أسعار السلع الأساسية الأخرى – مثل الوقود والسيارات والمواد الغذائية – جعل سياساتها الطاقوية غير متناسقة.

ميدل ايست نيوز: تمكنت جورجيا، التي كانت في الماضي لا تحصل إلا على الكهرباء ثلاث ساعات يومياً، اليوم من مضاعفة إنتاجها من الكهرباء ليبلغ ضعف استهلاكها المحلي، بعد أن أجرت إصلاحات في نظام تسعير الكهرباء، لتتحول إلى واحدة من أبرز الدول المصدّرة للطاقة إلى تركيا. في المقابل، لا تزال إيران – رغم امتلاكها ثاني أكبر احتياطي من الغاز والرابع من النفط في العالم – تعاني من عجز واسع في الطاقة، إذ لا تستطيع تلبية أكثر من ربع أو خمس احتياجات سوقها المحلي من الكهرباء.

في عام 2017، استوردت جورجيا نحو 1.5 مليار كيلوواط/ساعة من الكهرباء من روسيا لسدّ عجز بلغ 10 في المئة من احتياجاتها. غير أن الوضع تغيّر جذرياً بعد خمس سنوات فقط، إذ وصل استهلاك الكهرباء في عام 2022 إلى 14.8 مليار كيلوواط/ساعة، في حين بلغ الإنتاج المحلي 14.2 مليار كيلوواط/ساعة، ما جعلها قادرة على تغطية حاجتها الداخلية واستيراد نحو 1.5 مليار كيلوواط/ساعة إضافية أعادت تصدير جزء منها. وفي عام 2023، ارتفع إنتاج الكهرباء إلى ما يقارب ضعف حاجة السوق المحلية، أي نحو 16.5 مليار كيلوواط/ساعة. وتصدر جورجيا حالياً 89 في المئة من فائضها الكهربائي إلى تركيا و11 في المئة إلى أرمينيا.

ويُظهر التركيز الكبير على السوق التركية أن جورجيا تتبع استراتيجية تصدير مدروسة. وقد أصبحت اليوم مثالاً لبلد تمكن عبر إصلاحات هيكلية من التحول من الانقطاعات اليومية المتكررة للكهرباء إلى مصدر تصدير إقليمي. فقد ساهمت سياسة التسعير الواقعية ومكافحة الفساد في خلق نموذج استهلاك رشيد، أتاح للمستثمرين العمل في بيئة تنافسية.

وقد ركزت الحكومة الجورجية على تحسين كفاءة محطات توليد الطاقة وتطوير البنية التحتية للطاقة الكهرومائية عبر تسعير واقعي للكهرباء، وهو ما ساعدها على الانتقال من أزمة الانقطاعات إلى مرحلة تصدير الكهرباء إلى دول مثل تركيا. أما إيران، فعلى الرغم من قدراتها الكبيرة في مجال الطاقة وإنتاج الكهرباء، لا تزال تعاني من عجز مستمر في التوازن بين الإنتاج والاستهلاك.

ويرى خبراء أن اعتماد إيران المفرط على سياسات تسعير الطاقة دون إصلاح أسعار السلع الأساسية الأخرى – مثل الوقود والسيارات والمواد الغذائية – جعل سياساتها الطاقوية غير متناسقة. وعلى عكس جورجيا التي أدت فيها سياسة التسعير الواقعي إلى تحسين الكفاءة، لم تتمكن إيران بعد من معالجة هذا الخلل المزمن.

وفي هذا السياق، قال هاشم أورعي، رئيس جمعية الطاقة المتجددة في إيران وأستاذ في جامعة شريف، لصحيفة “شرق“، إن الجزء الأكبر من كهرباء جورجيا يُولَّد من محطات كهرومائية. وأضاف أن مناخ البلاد الغزير بالأمطار ومواردها المائية الوفيرة يتيحان توليد الكهرباء من السدود، مشيراً إلى أن دولاً مثل تركيا وأذربيجان تعتمد أيضاً بشكل كبير على الطاقة الكهرومائية نظراً لظروفها الجغرافية.

غير أن أورعي أوضح أن هذا النموذج لا يمكن تطبيقه في جميع البلدان، فإيران مثلاً تخصص نحو 14 في المئة من قدرتها التوليدية للطاقة الكهرومائية، لكن بسبب نقص المياه خلف السدود في صيف العام الماضي، لم تسهم هذه المحطات سوى بنسبة 4 في المئة من توليد الكهرباء الوطنية، ما يعني أن البنية التحتية التي أنفقت عليها أموال طائلة لم تحقق سوى جزء محدود من الاحتياجات. وأكد أن كل دولة يجب أن تحدد مزيج الطاقة الأنسب لها بناءً على ظروفها المناخية، سواء من مصادر الرياح أو الشمس أو المياه.

وأشار أورعي إلى الفارق الجوهري بين إيران وجورجيا في نهج إدارة الاقتصاد الطاقوي، قائلاً إن إيران، رغم كونها ثالث أكبر منتج للغاز الطبيعي وضمن أكبر 12 دولة منتجة للكهرباء عالمياً، لم تستطع تحقيق استدامة في التصدير، بل إن جزءاً كبيراً من مواردها يُهدر داخلياً. وأضاف أن كثافة استهلاك الطاقة في إيران تُعد من الأعلى في العالم، وهي في ازدياد مستمر، موضحاً أن هذا يعني ببساطة أن إيران تستهلك أضعاف المتوسط العالمي من الطاقة لإنتاج كل دولار من الناتج المحلي الإجمالي، والسبب الرئيس لذلك هو التسعير الخاطئ للطاقة.

وضرب رئيس جمعية الطاقة المتجددة في إيران مثالاً بسياسات الدعم الحكومي للطاقة قائلاً إن الدعم يُمنح بلا استهداف لجميع فئات المجتمع، ما يؤدي إلى نتيجة عكسية، إذ يستفيد المستهلكون الأكثر استهلاكاً من دعم أكبر، خلافاً للهدف الأساسي الذي يُفترض أن يساعد الفئات الفقيرة. وأشار إلى أن هذا النظام المشوّه شجّع على الاستهلاك المفرط وفتح الباب أمام تهريب الوقود، حيث تُقدَّر كميات الوقود المهرّب يومياً بما بين 20 و30 مليون لتر، أي ما يعادل أرباحاً تتجاوز مليار تومان في الدقيقة وفق سعر صرف يبلغ 60 ألف تومان للدولار، وهو ما يجعل نظام الدعم الحالي يصبّ في مصلحة المهرّبين والمستفيدين غير الشرعيين.

وأكد أورعي أن إبقاء أسعار الطاقة منخفضة بشكل مصطنع ألغى أي حافز لترشيد الاستهلاك، ما أدى إلى تفاقم الخلل في مختلف أنواع الطاقة. وذكر أن الحكومة اضطرت هذا العام إلى تخصيص نحو 8 مليارات دولار لاستيراد الوقود ضمن الموازنة، رغم أن إيران من كبار المنتجين العالميين.

وختم قائلاً إن الحل يكمن في الإصلاح التدريجي للأسعار، موضحاً أن نجاح جورجيا في إعادة هيكلة قطاع الطاقة وتحديث محطاتها وتطبيق سياسة تسعير واقعية، اعتمد على استثمار مواردها الكهرومائية وضبط الاستهلاك المحلي. وأضاف أنه إذا تم تطبيق سوق حقيقية للطاقة في إيران، فإن المنافسة ستقضي على الاحتكار القائم، وفي نهاية المطاف يمكن عندها مطالبة المواطنين بدفع السعر الحقيقي للكهرباء والغاز ضمن نظام عادل ومستدام.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
ميدل ايست نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

18 + ثمانية عشر =

زر الذهاب إلى الأعلى