الصحافة الإيرانية: مسقط من جديد… الوسيط الذي لا يغيب عن أزمات إيران

كرست مسقط مجدداً مكانتها التقليدية كنقطة التقاء للحوار بدل المواجهة، وكمكان تضيء فيه العقلانية مسار الخروج من المأزق الدبلوماسي، في رحلة بدأت بصمت صحفي لكنها بلا شك ستترك أثراً أعمق في مستقبل العلاقات الإيرانية.

ميدل ايست نيوز: في الوقت الذي شهدت فيه السياسة الخارجية الإيرانية نوعاً من الجمود والركود، كان مساعد وزير الخارجية للشؤون السياسية، مجيد تخت روانتشي، في العاصمة العمانية مسقط، يجري محادثات قد يكون لها أثر ملموس على مستقبل المنطقة. ويُعرف عن تخت روانتشي، الدبلوماسي الهادئ والمحنك، أنه يبرع في إدارة الملفات الحساسة خلف الأبواب المغلقة، بعيداً عن الضوضاء الإعلامية، ليؤكد أن صناعة السياسة الخارجية الحقيقية لا تكون في المنابر الإعلامية، بل في الحوار البنّاء والمؤثر.

وقالت صحيفة شرق، إن زيارة تخت روانتشي إلى مسقط لم تكن مجرد رحلة إدارية؛ بل حملت رسالة واضحة تؤكد على أهمية الحوار والتفاعل البناء في قلب السياسة الخارجية الإيرانية. وبينما يسود القلق والتنافس وعدم الثقة في المشهد الإقليمي، حافظت عمان على دورها التقليدي كوسيط صادق وميسر للحوار وجسر لحل الأزمات المزمنة. تجربة السنوات الماضية أظهرت أن كل مرة تواجه فيها إيران تحديات في علاقاتها مع العالم العربي أو الغرب، كانت مسقط تتخذ الصمت، لكنها تفتح مسارات جديدة لحل الأزمات. وهذه الزيارة تأتي في سياق هذا الدور التاريخي المستمر.

وأظهرت المحادثات الاستراتيجية بين طهران ومسقط أن البلدين يسعيان إلى ترسيخ علاقاتهما ضمن إطار شراكة إقليمية مستدامة. فإلى جانب كون عمان شريكاً اقتصادياً لإيران، فهي تمثل شريكاً استراتيجياً يتيح لإيران إبقاء قنوات التواصل مع العالم العربي مفتوحة. شارك في هذه اللقاءات مسؤولون رفيعو المستوى، بينهم محمد علي بك، مساعد وزير الخارجية ومدير عام شؤون الخليج، وموسي فرهنك، سفير إيران في عمان، ما يعكس الجدية والتخطيط الدقيق على المستوى الفني. ويشكل هذا الأسلوب نموذجاً للدبلوماسية الترابطية التي تدمج بين الحوار السياسي والتنمية الاقتصادية والأمن الإقليمي.

مسار السلام في اليمن ومحور طهران – مسقط

خلال زيارته، التقى تخت روانتشي بمحمد عبدالسلام، المتحدث الرسمي ورئيس وفد المفاوضات للحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، في مسقط بتنسيق دبلوماسي عماني. وأكد الاجتماع مكانة عمان كمركز محوري لمحادثات السلام في اليمن، حيث قدم عبدالسلام تقريراً حول الوضع الميداني والسياسي، مشيداً بتماسك الشعب اليمني ومثمناً الدعم السياسي والمعنوي لإيران. من جانبه، أشاد تخت روانتشي بصمود اليمنيين واعتبر دعمهم للفلسطينيين نموذجاً لتضامن المقاومة.

اللقاء بين تخت روانتشي وعبدالسلام جاء بمثابة تأكيد على دور طهران ومسقط في دفع مسار السلام في اليمن، الذي يهدف إلى إنهاء الحرب من الداخل الإقليمي، بعيداً عن التدخلات الخارجية، وهو ما يعكس استمرار فعالية الدبلوماسية الإيرانية، حتى وإن كانت تعمل بهدوء ودون ضجيج.

في المرحلة الأخيرة من زيارته، التقى تخت روانتشي بهانس غروندبرغ، المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن، لمناقشة آخر التطورات السياسية والإنسانية، والهجمات الجوية على الأراضي اليمنية، ومسار اتفاق السلام. وعلى الرغم من أن هذا اللقاء قد يبدو استمراراً للاجتماعات الدبلوماسية التقليدية، إلا أنه يظهر بشكل واضح التقارب بين المبادرة الإقليمية الإيرانية والإطار الدولي للأمم المتحدة. تؤكد إيران باستمرار أن السلام في اليمن يجب أن ينبثق من حوار محلي وإقليمي، وهو توجه يقترب اليوم من سياسات الأمم المتحدة، مع تأكيد الدور الفاعل لعمان كمحور وصل بين وجهات النظر الإيرانية والمجتمع الدولي.

عمان: توازن دائم في السياسة الخارجية الإيرانية

زيارة تخت روانتشي أكدت مرة أخرى أن عمان ليست مجرد شريك عادي لإيران، بل دولة تتمتع بسياسة خارجية مستقلة ومتوازنة حافظت عبر العقود على مسارات دبلوماسية مفتوحة أمام إيران في أصعب الأوقات. استقلالية عمان عن النزاعات الإقليمية أو صراعات القوى الكبرى جعلتها شريكاً موثوقاً لجميع الأطراف، ويمثل استمرار هذه العلاقة لإيران فرصة للحوار مع العالم العربي ودرعاً ضد العزلة الاستراتيجية.

وفي العام الجاري الذي يشهد تحركات دبلوماسية محدودة على أعلى مستوى، أبرزت زيارة تخت روانتشي إلى مسقط أن الحضور العقلاني والحوار البناء قادر على إبقاء إيران في قلب الأحداث الإقليمية، دون التخلي عن مبادئ سياستها الخارجية المستقلة. وتعد هذه الزيارة نموذجاً للدبلوماسية الهادئة والفعالة والمستقبلية للجمهورية الإسلامية الإيرانية، حيث يظهر أن القوة الحقيقية تكمن في استمرار الحوار، وليس في التصريحات الاستعراضية.

من لقاءات مع بدر البوسعيدي، مروراً بالمشاورات مع عبدالسلام وغروندبرغ، وحتى اجتماعات لجنة الاستشارات الاستراتيجية والبيانات المشتركة، تجسدت جميعها في هدف واحد: إعادة بناء دور إيران في صوغ السلام والاستقرار الإقليمي، بالاعتماد على الوساطة العمانية الموثوقة.

وفي النهاية، كرست مسقط مجدداً مكانتها التقليدية كنقطة التقاء للحوار بدل المواجهة، وكمكان تضيء فيه العقلانية مسار الخروج من المأزق الدبلوماسي، في رحلة بدأت بصمت صحفي لكنها بلا شك ستترك أثراً أعمق في مستقبل العلاقات الإيرانية الإقليمية والدولية.

اقرأ المزيد

الصحافة الإيرانية: حقيقة الوساطة في السياسة الخارجية وأسطورة “الثقة”

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
ميدل ايست نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ثلاثة عشر − ثلاثة عشر =

زر الذهاب إلى الأعلى