الصحافة الإيرانية: ملامح التنافس الأمريكي – الصيني في جولة ترامب الآسيوية
يكتسب تأكيد واشنطن على التزامها بحماية حلفائها، ولا سيما اليابان، أهمية كبيرة، إذ يُنظر إلى التحالف العسكري بين الولايات المتحدة واليابان باعتباره الركيزة الأمنية للنظام الليبرالي في آسيا.

ميدل ايست نيوز: لطالما خشيت دول مثل اليابان وأستراليا وكوريا الجنوبية، وخصوصاً اليوم في ضوء تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، من أن تكون الولايات المتحدة بصدد تقليص دعمها لهذه الدول في مواجهة الصين. ومع تصاعد التوتر بين بكين وعدد من دول المنطقة، وخاصة حلفاء واشنطن في بحر الصين الجنوبي والشرقي، باتت هذه الدول تتوقع من الولايات المتحدة تعزيز دعمها الأمني والعسكري لها. ويكتسب تأكيد واشنطن على التزامها بحماية حلفائها، ولا سيما اليابان، أهمية كبيرة، إذ يُنظر إلى التحالف العسكري بين الولايات المتحدة واليابان باعتباره الركيزة الأمنية للنظام الليبرالي في آسيا.
وقال رحمن قهرمان بور، باحث كبير في الشؤون الدولية، في مقال نشرته صحيفة دنياي اقتصاد، إنه من جهة أخرى، خالف ترامب مواقفه السابقة، إذ لم يطالب كوريا الجنوبية بدفع مبالغ مالية مقابل استمرار وجود القوات الأمريكية على أراضيها. بل ذهب أبعد من ذلك، ووافق على أن تقوم كوريا الجنوبية ببناء غواصة نووية داخل الأراضي الأمريكية. ونظراً لأن تكنولوجيا الغواصات النووية تُعد من أكثر التقنيات تطوراً وسرعة في العالم، فإن هذه الموافقة تُعد ذات أهمية بالغة.
وكانت الولايات المتحدة قد وافقت سابقاً، في إطار اتفاقية “أوكوس”، على نقل تكنولوجيا تصنيع الغواصات النووية إلى أستراليا. ولذلك، ورغم الأجواء الإيجابية التي سادت لقاء ترامب والرئيس الصيني شي جين بينغ، فإن موافقة واشنطن على بناء غواصة نووية في كوريا الجنوبية تُظهر أن الولايات المتحدة لا تزال تسعى إلى احتواء الصين في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
جانب آخر مهم تمثل في اللقاء بين ترامب وشي جين بينغ، إذ أظهرت تصريحات الرئيس الصيني خلال هذا الاجتماع أن الطرفين يحاولان إدارة التنافس بينهما رغم تصاعده. تصريحات شي، التي وُصفت بغير المتوقعة إلى حد ما، والتي تضمنت إشادة بترامب، دلّت على أن بكين لا ترى أن اتباع نهج هجومي يخدم مصالحها في هذه المرحلة. وفي المقابل، فإن تأكيد ترامب على استمرار التحالف العسكري مع اليابان، وتقديم الدعم العسكري لكل من كوريا الجنوبية وأستراليا، يشير إلى أن الصين قد تتكبد خسائر إذا سعت إلى تصعيد التوترات العسكرية مع الولايات المتحدة.
كما أن امتناع ترامب عن لقاء زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون، يمكن اعتباره مكسباً لكوريا الجنوبية ورئيسها الجديد لي جاي ميونغ، الذي يُعرف بتوجهاته التقدمية أو اليسارية، وهو على عكس سلفه المقال يون سوك يول، لا يُعد من الداعين إلى التقارب المفرط مع واشنطن، بل يسعى إلى اتباع سياسة متوازنة في التنافس بين الولايات المتحدة والصين.
في الشق الاقتصادي والتجاري، برزت عدة نقاط مهمة خلال هذه الجولة. الأولى تمثلت في مسعى الولايات المتحدة إلى طمأنة دول رابطة آسيان بأنها لا تسعى إلى دفعها للاختيار بين واشنطن وبكين. وهذه الرسالة تكتسب أهمية خاصة بالنسبة لأكبر تكتل اقتصادي في جنوب شرق آسيا، حيث تخشى العديد من دوله أن يؤدي تصاعد التنافس بين القوتين العظميين إلى تقليص هامش المناورة الاقتصادية والسياسية للمنطقة.
وقد بذلت ماليزيا، بصفتها الرئيس الدوري لآسيان، جهوداً كبيرة لتأكيد أن دول الرابطة قادرة على الحفاظ على علاقات اقتصادية وسياسية متوازنة مع كل من الولايات المتحدة والصين في الوقت نفسه. ومع ذلك، يبقى تحقيق هذا التوازن مهمة صعبة للغاية، خاصة أن ماليزيا وإندونيسيا، وهما من أبرز أعضاء التكتل، ترتبطان بعلاقات تجارية وسياسية وثيقة مع الصين. ومؤخراً، حاولت إندونيسيا التغاضي عن خلافاتها البحرية مع بكين، وهو ما اعتُبر مكسباً مهماً للرئيس الصيني شي جين بينغ. ومع ذلك، تُظهر نتائج هذه الجولة أن دول آسيان ما زال لديها مجال للمناورة في علاقاتها بين القوتين.
أما النقطة الثانية في الجانب التجاري فكانت استمرار الولايات المتحدة في انتهاج سياسة “الحمائية الاقتصادية”، ما يعكس سعيها إلى ترسيخ نظام تجاري جديد على المدى الطويل. وفي المقابل، وافقت واشنطن على خفض بعض الرسوم الجمركية المفروضة على السلع الصينية، فيما تعهدت بكين باستيراد فول الصويا من الولايات المتحدة، إلى جانب وقف مؤقت، لمدة عام واحد، للنزاع حول المعادن النادرة.
تجدر الإشارة إلى أن ترامب كان قد وقّع قبل لقائه شي جين بينغ اتفاقات مع أستراليا واليابان بشأن التعاون في مجال المعادن النادرة، ومن المقرر بحسب تقارير أن يوقّع اتفاقاً مماثلاً مع كازاخستان في نوفمبر الجاري لاستكشاف واستخراج هذه المواد الحيوية. وتُظهر السيطرة الصينية على نحو 70 في المئة من عمليات معالجة المعادن النادرة أن جوهر التنافس بين واشنطن وبكين في السنوات القادمة سيتجه نحو ميدان التكنولوجيا، ولا سيما سباق التفوق في الذكاء الاصطناعي.
في المحصلة، أوجدت هذه الجولة بصيص أمل في إمكانية توصل الولايات المتحدة والصين إلى صيغة لإدارة التوترات المتزايدة بينهما، وهو ما يُعد نجاحاً نسبياً لهذه الزيارة. غير أن اللقاء أظهر في الوقت ذاته أن البلدين، رغم تبادلهما الابتسامات أمام الكاميرات، ما زالا متمسكين بقناعتهما بأن كل طرف يجب أن يكون القوة العظمى الأولى في العالم، وهو ما يجعل استمرار المنافسة الاقتصادية والسياسية والتجارية بينهما أمراً حتمياً.



