الصحافة الإيرانية: إعادة تعريف سياسة الطاقة الإيرانية على أعتاب النظام العالمي الجديد
إذا نجحت إيران في تطوير سلسلة إنتاج كاملة للألواح الشمسية — من استخراج السيليكا إلى إنتاج الوايفر والخلايا الفوتوفولتية — فإنها ستوفر فرص عمل واسعة وتصبح لاعباً رئيسياً في السوق العالمية للطاقة النظيفة.

ميدل ايست نيوز: في وقت تواجه فيه إيران أزمات كبيرة في قطاع الطاقة، وخصوصاً الكهرباء، حيث تعمل بعض الصناعات المحلية في الصيف بأقل من نصف طاقتها الإنتاجية، يبدو أن مستقبل الطاقة في البلاد بحاجة إلى إعادة نظر جذرية. بينما يعتقد بعض صانعي القرار السياسي أنه يمكن الحفاظ على مكانة إيران في منظومة الطاقة العالمية بالاعتماد على نموذج تصدير النفط الخام التقليدي، تشير الحقائق الاقتصادية والبيئية الجديدة إلى مسار مختلف. فالدول الغنية بالموارد الأحفورية، من السعودية والإمارات إلى الجزائر، أصبحت تدرك التأثيرات المناخية، وارتفاع درجات الحرارة، وتراجع الطلب العالمي على الوقود الأحفوري، وتستثمر بكثافة في الطاقة المتجددة.
وقال ميلاد غلام رضا زاده، ماجستير في تدريس اللغة الصينية الدولية في جامعة شنغهاي للدراسات الدولية، في مقال نشره موقع دبلوماسي إيراني، إن منطفتنا تعتبر واحدة من أكبر مراكز الطاقة الأحفورية في العالم، ومع ارتفاع معدلات الإشعاع الشمسي، تتجه نحو أن تصبح مزوداً للطاقة النظيفة في المستقبل القريب. وإيران، بامتلاكها مساحات صحراوية شاسعة، وإشعاع شمسي مستمر، ومصادر غنية من السيليكا — المادة الأساسية في تصنيع الألواح الشمسية — تملك إمكانات كبيرة لإنتاج هذه الألواح واستخدامها. وفقاً لتقارير الوكالة الدولية للطاقة والبنك الدولي، تحتل إيران مراتب متقدمة بين أفضل خمس دول من حيث الإمكانات الفنية لإنتاج الطاقة الشمسية، حيث يبلغ متوسط الإشعاع الشمسي في المناطق الوسطى والجنوبية أكثر من 2800 ساعة سنوياً. ومع ذلك، لا تتجاوز مساهمة الطاقة الشمسية في توليد الكهرباء أقل من 1% حتى اليوم.
في السنوات الأخيرة، أصبحت الصين أكبر منتج ومستهلك للطاقة الشمسية عالمياً، وتمتلك تجربة فريدة في تطوير سلسلة القيمة للطاقة المتجددة. في الوقت نفسه، لا تزال بعض التيارات داخل إيران تراهن على وعود الاستثمار الغربي وحلم الدولارات الأميركية، معتقدين أن الطريق الوحيد للتنمية يمر عبر الاعتماد على الغرب. لكن الواقع الاقتصادي العالمي يشير إلى أن الصين، كقطب اقتصادي جديد، يمكن أن تكون شريكاً أكثر استقراراً وفعالية لإيران. فإذا أدرك صانع السياسة الإيراني أهداف الصين الاقتصادية في المنطقة، التي ترتبط بالاستقرار الإقليمي، يمكنه الاستفادة من استثمارات الصين في إطار مشروع “الحزام والطريق” لمصلحة إيران، وهو مشروع يتطلب بالأساس إنشاء بنية تحتية متطورة للطاقة. ويمكن لإيران، بدلاً من تشجيع استيراد المنتجات النهائية، أن تحدد مشاريع محددة وتؤسس قاعدة لتطوير سلسلة إنتاج كاملة للألواح الشمسية محلياً.
غياب الانتباه لهذه التوجهات وعدم وجود سياسات تطويرية منظمة أدى إلى تصدير موارد السيليكا الثمينة، التي باتت تُعرف في العالم باسم “الذهب الأبيض للطاقة”، على شكل خام. هذا النهج يشبه إلى حد كبير خام النفط، إذ يبقي البلاد في موقع مورّد المواد الأولية ويمنعها من الاستفادة من القيمة المضافة الكبيرة الناتجة عن التصنيع الصناعي.
ويعد تطوير الطاقة الشمسية مشروعاً ليس بيئياً فقط، بل أيضاً منصة للابتكار التكنولوجي وخلق فرص عمل مستدامة. فبناء مصانع لإنتاج الخلايا الفوتوفولتية، وإطلاق شركات تكنولوجية متخصصة في الطاقة الحديثة، وتوسيع الصناعات المساندة المرتبطة بتخزين وإدارة الطاقة الذكية، يمكن أن يخلق آلاف فرص العمل.
يمكن لمزيج الموارد الطبيعية والموقع الجيوسياسي والتكنولوجيا الصناعية أن يمنح إيران ميزة استراتيجية. إذ يمكن أن تتحول إلى منتج ومصدر لتكنولوجيا الطاقة النظيفة، وهو مسار حيوي لاقتصاد البلاد ويضعها في إطار الاقتصاد العالمي المستقبلي. إذا نجحت إيران في تطوير سلسلة إنتاج كاملة للألواح الشمسية — من استخراج السيليكا إلى إنتاج الوايفر والخلايا الفوتوفولتية — فإنها ستوفر فرص عمل واسعة وتصبح لاعباً رئيسياً في السوق العالمية للطاقة النظيفة. يتطلب هذا النجاح ثلاثة أعمدة: التكنولوجيا، رأس المال، والاستقرار السياسي.
يمكن تحقيق العمودين الأولين، التكنولوجيا ورأس المال، من خلال التعاون المستهدف مع الصين، أما العمود الثالث، الاستقرار السياسي واتخاذ القرار طويل الأمد، فهو ممكن فقط عبر الإرادة السياسية والانسجام الداخلي. فإذا تم توقيع اتفاق شامل بين طهران وبكين للاستثمار المشترك في إنتاج الألواح والخلايا والتقنيات المرتبطة بها محلياً، فسيشكل نقطة تحول في العلاقات الاقتصادية بين البلدين وبداية فصل جديد من التعاون التكنولوجي.
بهذا الشكل، يمثل تطوير الطاقة الشمسية في إيران أداة ليس فقط للحد من أزمات الطاقة، بل أيضاً لتعزيز الاستقرار الإقليمي. كما أن المشاركة في المشاريع المشتركة مع الدول المجاورة، من العراق إلى باكستان وتركيا، قد تؤسس هيكلية جديدة للتعاون الاقتصادي والأمني في الشرق الأوسط.
في النهاية، ما سيحدد مستقبل إيران في النظام العالمي الجديد هو كيفية تعاملها مع “الانتقال الطاقي”. إذا استمرت في إطار تصدير النفط والغاز التقليدي، فستفقد السوق العالمية وتضيع فرصة تاريخية لإعادة تعريف دورها في اقتصاد المستقبل. أما إذا تحركت بفهم عميق للتحولات العالمية نحو إنتاج الطاقة النظيفة، وبأتمتة التكنولوجيا محلياً والتعاون مع القوى الصاعدة مثل الصين، فيمكن لإيران أن تتحول من مستورد للتكنولوجيا إلى شريك استراتيجي في سلسلة الطاقة العالمية. هذا التحول سيحولها من مجرد مصدّر خام إلى لاعب رئيسي في مجال الطاقة المستدامة.


