الصحافة الإيرانية: هل تغيرت سياسة الزعماء العرب تجاه طهران وتل أبيب؟

تتطلب خطط دول الخليج، بما في ذلك رؤية 2030 السعودية، الوصول إلى مستوى صفر من التوتر مع الجيران لضمان نجاحها.

ميدل ايست نيوز: بعد التصريحات العمانية الأخيرة لمحاولة جر إيران والغرب لطاولة المفاوضات النووية، عاد دور الزعماء العرب في مجلس التعاون في حل النزاعات الإقليمية لواجهة المشهد مجدداً وتصدر التحليلات والتكهنات الإعلامية. وفي هذا السياق، ذكرت مجلة “فارن بوليسي” في تقرير لها أن دول الخليج تمكنت من الوصول إلى موقع مستقر لإعادة تعريف العلاقات في الشرق الأوسط.

حاجة ماسة إلى أكثر مستويات ضبط النفس

وأشار تقرير “فارن بوليسي” إلى أنه عندما تم الإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس في 9 أكتوبر، احتضن نيتسان ألون، قائد ملف الأسرى والمفقودين في الجيش الإسرائيلي، محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، رئيس وزراء قطر. هذا التصرف ناقض تماماً أحداث شهر سبتمبر، عندما شنت إسرائيل هجومًا غير مسبوق على مقر قيادة حماس في الدوحة. وقد أثار هذا الهجوم ردود فعل حادة من دول الخليج، التي اعتبرته تهديدًا لنفوذها وهيمنتها الإقليمية.

وبعد هذا الهجوم، حذر بعض المراقبين من احتمال تغير موقف دول الخليج تجاه الولايات المتحدة وإسرائيل، وهو ما لم يحدث في النهاية، وبقي أعضاء مجلس التعاون الخليجي تحت مظلة الدعم الأمريكي.

وأضافت “فارن بوليسي” أنه خلال العامين الماضيين، قامت إسرائيل بعدة خطوات ضد إيران وحلفائها، مما خلق فرصة لتغيير المشهد السياسي الإقليمي. ومع ذلك، فإن الإجراءات التصعيدية الإسرائيلية وزيادة مستوى الاشتباكات خلقت فراغًا استغلت دول الخليج الفرصة لملئه دون تردد.

وأشار التقرير إلى أن الافتراض بأن دول الخليج، بما في ذلك السعودية والإمارات، تسعى لاستبدال إيران في المنطقة هو تبسيط مفرط. ومن المؤكد أن هناك منافسة بين هذه الدول وإيران، ولكن من المهم أيضًا أن نتذكر أن الرياض وطهران نجحتا في عام 2023، بوساطة صينية، في إعادة علاقاتهما إلى مسار التطبيع.

في الوقت نفسه، ركز محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، خلال السنوات الأخيرة على رؤية 2030 وتحسين الوضع الداخلي للمملكة، مبتعدًا عن المغامرات الجيوسياسية. وتبنت دول الخليج الأخرى نهجًا مشابهًا إلى حد كبير، حيث تسعى جميعها إلى تقليل الاعتماد الطويل على النفط، وهو ما يتطلب استقرارًا وهدوءًا وعدم الانجرار إلى أزمات، ومن هنا تبنت السعودية وحلفاؤها في مجلس التعاون سياسة عدم الاحتكاك مع إيران.

التأكيد على مبدأ خفض التوتر

تابع تقرير “فارن بوليسي” قائلاً إن الحرب في قطاع غزة كانت مؤشرًا آخر على نهج دول الخليج تجاه مبدأ التهدئة. فمع اندلاع المجازر في غزة، ركزت هذه الدول كل جهودها على إنهاء النزاع، ورأينا أن هجمات أنصار الله في اليمن تجاه إسرائيل لم تستهدف السعودية أو الإمارات، بل اقتصرت على إسرائيل فقط. خلال الاشتباكات التي استمرت 12 يومًا بين إيران وإسرائيل، حاولت دول الخليج الحفاظ على هذا النهج والابتعاد عن مسار التصعيد، رغم أن الهجمات الإيرانية على قاعدة العدید الجوية في قطر والغارات الإسرائيلية على الدوحة أضرت جزئيًا بهذا التصور.

وأضاف التقرير أن دول الخليج أدركت أن سياسات بنيامين نتنياهو،  لم تؤد إلا إلى الدمار والخراب. فالخطوات التي اتخذتها إسرائيل خلال العامين الماضيين لم تسفر عن نتائج سياسية ملموسة، بل أدت إلى تعقيد الأوضاع وإشعال دائرة التوتر في المنطقة. ورغم إعلان وقف إطلاق النار في غزة، لا تزال الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان وسوريا مستمرة.

وفي المقابل، استفادت دول الخليج بشكل صحيح من الفراغات التي خلقتها السياسات الإسرائيلية. فقد استثمرت 14 مليار دولار لإعادة إعمار سوريا في عام 2025، والتزمت بأكثر من 150 مليون دولار للبنان في عام 2024. ولم يقتصر الأمر على الاستثمار المالي، بل استغلت دول مجلس التعاون نفوذها الاقتصادي لإبعاد سوريا ولبنان عن المدار الجيوسياسي الإيراني. ومن هنا نجحت جماعات الضغط الخليجية في إقناع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب برفع العقوبات الأمريكية المشلّة على سوريا. وقد أظهرت دول مجلس التعاون من خلال هذه التحركات مستوى نادرًا من الوحدة في مصالحها المشتركة في سوريا ولبنان.

مواجهة التهديد الإسرائيلي

تتطلب خطط دول الخليج، بما في ذلك رؤية 2030 السعودية، الوصول إلى مستوى صفر من التوتر مع الجيران لضمان نجاحها. كما أن مساعي هذه الدول لإبعاد سوريا ولبنان عن النفوذ الإيراني تعتمد أساسًا على التهدئة الإقليمية، وهو ما يتحقق فقط من خلال خفض الأزمات المتفجرة.

ومن جهة أخرى، يبدو أن دول الخليج، بعد الهجوم الإسرائيلي على الدوحة، استنتجت أن تهديد إسرائيل أشد جدية من التنافس مع طهران. وأشار تقرير “فارن بوليسي” إلى أن كل هذه العوامل تعني أن السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط يجب أن تركز على دعم الوحدة بين دول الخليج بدلاً من محاولة دفع اتفاقيات مثل اتفاق أبراهام.

ويبدو أن دول الخليج، في ظل الفراغ الناتج عن السياسات التصعيدية الإسرائيلية، أصبحت تولي اهتمامًا أكبر للهدوء وتقليل التوتر مع إيران، وهو نهج يمكن أن ينجح في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية، ويتيح إعادة تعريف العلاقات في المنطقة، بما يسهم بدوره في إعادة بناء الشرق الأوسط في ضوء التطورات الأخيرة.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
ميدل ايست نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

15 + عشرة =

زر الذهاب إلى الأعلى