الصحافة الإيرانية: موقع تشابهار الاستراتيجي في ظل التوترات المتصاعدة بين الهند والولايات المتحدة
قال محلل في شؤون شبه القارة الهندية إن ميناء تشابهار تحول إلى محور يتقاطع فيه التنافس والتعاون بين الهند والولايات المتحدة؛ حيث تتشابك فيه الدبلوماسية والاقتصاد والجيوسياسة.

ميدل ايست نيوز: قال محلل في شؤون شبه القارة الهندية إن ميناء تشابهار تحول إلى محور يتقاطع فيه التنافس والتعاون بين الهند والولايات المتحدة؛ حيث تتشابك فيه الدبلوماسية والاقتصاد والجيوسياسة.
وفي مقابلة مع موقع المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية، صرّح نوذر شفيعي: «في الوقت الذي كانت فيه العلاقات بين الهند والولايات المتحدة خلال العقد الماضي إحدى ركائز سياسة واشنطن في منطقة آسيا – المحيط الهادئ، فإن الشروخ المتزايدة ألقت بظلالها على علاقات البلدين في الولاية الثانية لدونالد ترامب، لا سيما منذ أن ألغى ناريندرا مودي رئيس وزراء الهند، زيارته إلى ماليزيا وامتنع عن لقاء ترامب، موجهاً رسالة واضحة إلى البيت الأبيض». وأضاف: «السلوك الأخير لنيودلهي ليس مجرد رد فعل دبلوماسي، بل مؤشر على تحول تدريجي في الرؤية الاستراتيجية للهند تجاه موقع الولايات المتحدة في المعادلات الدولية. استئناف شراء النفط من روسيا، وزيادة التفاعل العسكري الإقليمي مع الصين، وتراجع رغبة مودي في الحوار المباشر مع ترامب، كلها مؤشرات على برود غير مسبوق في العلاقات بين الجانبين».
ويرى هذا الخبير في شؤون جنوب آسيا أن «سبب التوتر بين البلدين ليس اقتصادياً فقط، بل يعود إلى اختلاف في الرؤى السياسية. ترامب، بفرضه تعرفات جمركية عالية على السلع الهندية، وتقييد تصدير التكنولوجيا الحساسة، والضغط لوقف استيراد الطاقة من روسيا، دفع أحد أهم شركاء أمريكا الاقتصاديين نحو موسكو وبكين».
وذكّر شفيعي بأن «إلغاء لقاء مودي مع ترامب وإحالة الحوار إلى وزير الخارجية الهندي يعكسان حالة من انعدام الثقة البنيوية». وأكد أن «نيودلهي لا تريد أن تُوضع في موقف تشعر فيه بالإهانة أو الضعف أمام تصريحات الرئيس الأمريكي غير المتوقعة، خصوصاً في ظل استمرار التنافس مع الصين وحساسية الموقف تجاه باكستان التي ما تزال تؤثر على الرأي العام الهندي».
وأشار أيضاً إلى أن «هذه الفجوة قد تتسع، لأن الصين وروسيا وفرتا للهند، من خلال تعاون “بريكس” ومنظمة شنغهاي، مجالاً جديداً للوجود الفاعل إلى جانبهما». ومن وجهة نظره، فإن «توجه نيودلهي التدريجي نحو الشرق هو رد طبيعي على سياسات ترامب غير المتوقعة التي جعلت حتى أقرب شركاء واشنطن يشكون في استمرارية التعاون معها».
موازنة ذكية واستقلال استراتيجي رغم الارتباطات البنيوية
وأضاف الخبير الإيراني أن «الروابط الاستراتيجية بين نيودلهي وواشنطن عميقة إلى درجة لا تسمح لأي طرف بقطعها كلياً». وبحسب رأيه، فإن «الهند اتبعت خلال السنوات الأخيرة نموذجاً من الاستقلال الاستراتيجي رغم الارتباط البنيوي؛ بمعنى أنها، رغم تعاملها مع الولايات المتحدة، لم تكن مستعدة للتخلي عن استقلالها الكامل في السياسة الخارجية».
وأوضح أن «الهند، في المعادلات الدولية، خصوصاً بعد حرب أوكرانيا، تسعى إلى لعب دور يوازن بين واشنطن وموسكو وبكين. ومن هذا المنظور، لا تنضم الهند إلى المعسكر الغربي، ولا تندمج بشكل كامل في محور الشرق». وقال الأستاذ الجامعي في العلاقات الدولية إن «سياسة الهند النشطة متعددة الأطراف سمحت لها بالمشاركة في الحوار الرباعي “كواد” مع الولايات المتحدة واليابان وأستراليا، وفي الوقت نفسه التعاون مع الصين وروسيا ضمن آليات مثل بريكس ومنظمة شنغهاي».
وأضاف: «نيودلهي تدرك جيداً أن المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة ليست في صالح موقعها الجيوسياسي ولا اقتصادها الوطني؛ لذلك تعاملت مع سياسة الرسوم الجمركية التي اتبعها ترامب أو التهديد بالعقوبات الثانوية بنوع من الدبلوماسية الصبورة والمتوازنة». وتابع: «الهند تعلم جيداً أن الولايات المتحدة، في سياق تنافسها مع الصين، تحتاج إلى شراكة مستقرة في جنوب آسيا، وهذا ما تستثمره نيودلهي كأداة نفوذ».
تشابهار؛ نقطة التقاء السياسة والمصالح الاستراتيجية
وفي جزء آخر من الحوار، قال شفيعي: «رغم كل المشكلات القائمة في العلاقات بين البلدين، يُعدّ ميناء تشابهار واحداً من المجالات القليلة التي توصلت فيها واشنطن ونيودلهي إلى تفاهم. فقد قامت الولايات المتحدة، في خطوة غير مسبوقة، بتمديد الإعفاء من العقوبات المتعلقة بتشابهار». وشرح قائلاً: «بالنسبة للولايات المتحدة، تشابهار ليس مجرد مشروع بنية تحتية، بل أداة للحفاظ على النفوذ في معادلات النقل والترانزيت الإقليمي، خصوصاً في مواجهة مشروعات الصين في ميناء جوادر ومبادرة الحزام والطريق».
وبحسب هذا الخبير، فإن «الولايات المتحدة، بمنحها هذا الإعفاء، أتاحت للهند توسيع حضورها الاقتصادي في محور إيران – أفغانستان – آسيا الوسطى دون الخوف من العقوبات؛ حضور يعزز الروابط الإقليمية ويسهم في تحقيق التوازن أمام النفوذ المتزايد للصين».
ويرى شفيعي أن «ميناء تشابهار لا يحتل أهمية اقتصادية فقط، بل هو ذو أهمية جيوسياسية جوهرية للهند. فهو المسار الحيوي لنيودلهي نحو آسيا الوسطى وأوراسيا، كما أنه جسر يربط بين السياسة الخارجية للهند واستراتيجية إيران». وذكّر بأن «إدارة ترامب أدركت جيداً أن تشابهار يمكن أن يحقق مصالح ثلاثية للولايات المتحدة ونيودلهي وحتى كابل، ولذلك امتنعت عن إلغاء إعفائه من العقوبات».
وختم أستاذ العلاقات الدولية بالقول إن «مستقبل العلاقات بين الهند والولايات المتحدة يعتمد على قدرة البلدين على التكيف مع التحولات في النظام العالمي». وبرأيه، «إذا تمكنت واشنطن من تجاوز السياسات الشخصية والمثيرة للجدل لترامب، يمكن ترميم الثقة مع نيودلهي؛ وإلا فإن الفجوة الحالية قد تتحول إلى قطيعة طويلة المدى».
وأكد نوذر شفيعي في الختام أن «الهند اليوم بلغت مرحلة من النضج السياسي تمكنها من تحقيق التوازن بين القوى الكبرى، وفي الوقت نفسه الحفاظ على مصالحها الوطنية. ومن هذا المنظور، لم تعد العلاقة بين نيودلهي وواشنطن أحادية الاتجاه، بل جزءاً من معادلة متعددة الأبعاد، حيث أصبح ميناء تشابهار رمزاً للتعاون وأيضاً للتنافس في عالم سريع التحول».
اقرأ المزيد
الصحافة الإيرانية: بعد أكثر من عقدين… لماذا لم تحقق الهند تنمية ملموسة في تشابهار؟



