تحليل: عودة العقوبات الأممية على إيران تكشف فشل الدبلوماسية الغربية
إعادة فرض العقوبات اليوم تمثل انهياراً للثقة بين إيران والغرب، وتعزز لدى طهران قناعة بأن الوعود الغربية غير موثوقة والدبلوماسية مجرد فخ سياسي.
ميدل ايست نيوز: في 28 سبتمبر 2025، أعاد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة فرض العقوبات التي كانت قد رُفعت سابقاً عن إيران، وذلك بعد أن فعّلت الدول الأوروبية الثلاث (فرنسا، ألمانيا، وبريطانيا) في 28 أغسطس 2025 آلية «سناب باك» (العودة التلقائية للعقوبات) المنصوص عليها في خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي – JCPOA).
وقد شكّل هذا القرار انهياراً لاتفاق دبلوماسي استمر عقداً من الزمن، كان يُفترض أن يقيّد برنامج إيران النووي مقابل رفع العقوبات عنها. إعادة فرض العقوبات الأممية من خلال آلية «سناب باك» لا تعبّر فقط عن عزلة إيران، بل تكشف أيضاً فشل الدبلوماسية الغربية، حيث تخلّت أوروبا عن مبدأ المعاملة بالمثل، ولجأت إلى أسلوب الإكراه، واصطفت إلى جانب استراتيجية «الضغط الأقصى» الأمريكية، ما أضعف الثقة وأظهر عجز أوروبا عن الحفاظ على اتفاقات موثوقة، لتتحول العقوبات إلى رمز للفشل الدبلوماسي لا للنجاح.
تعود جذور نظام العقوبات المفروضة على إيران إلى عام 2005، عندما أعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إيران لا تفي بالتزاماتها بموجب اتفاق الضمانات. وفي عام 2006، فرض مجلس الأمن الدولي بالإجماع عقوبات شملت تقييد المواد المستخدمة في تخصيب اليورانيوم، وتقنيات الصواريخ، والمعاملات المالية ذات الصلة. وتوالت قرارات أخرى في عامي 2007 و2008 لتشديد القيود، فيما توسعت العقوبات عام 2010 لتشمل عوائد النفط والقطاع المصرفي الإيراني.
وفي عام 2015، تم رفع هذه العقوبات بموجب الاتفاق النووي (JCPOA) بين إيران والقوى الكبرى. وقد تضمّن الاتفاق بنداً يتيح إعادة فرض العقوبات («سناب باك») في حال أخلّت إيران بالتزاماتها، بحيث يمكن لأي طرف من أطراف الاتفاق تفعيل الآلية قبل انتهاء صلاحية الاتفاق في 18 أكتوبر 2025.
وفي 28 أغسطس 2025، وبعد سلسلة من الاتهامات الأوروبية لإيران بعدم الامتثال، فعّلت دول E3 (فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة) آلية «سناب باك»، التي أدّت بعد مرور 30 يوماً إلى إعادة فرض العقوبات الأممية على إيران في 28 سبتمبر 2025.
وبذلك، استُعيدت العقوبات الأممية الأصلية المفروضة بين عامي 2006 و2010، والتي تشمل حظر توريد الأسلحة، ومنع نقل تقنيات الصواريخ الباليستية، وتقييد عائدات النفط والخدمات المالية بما فيها تعاملات البنك المركزي الإيراني. هذا القرار قرّب الموقف الأوروبي من الموقف الأمريكي رغم أن واشنطن انسحبت من الاتفاق النووي عام 2018. إلا أن هذه العقوبات غير ملزمة لكل من الصين وروسيا، اللتين أعلنتا رفضهما للخطوة الأوروبية واستمرتا في دعم إيران.
ووصف الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان العقوبات بأنها «ظالمة وغير قانونية». واستدعت طهران سفراءها من بريطانيا وفرنسا وألمانيا للتشاور، لكنها أوضحت أنها لا تعتزم الانسحاب من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية (NPT)، مشيرة إلى أن أي رد إضافي سيتقرر عبر البرلمان الإيراني.
كان الاتفاق النووي قائماً على مبدأ الثقة والمعاملة بالمثل، لكن بعد انسحاب الولايات المتحدة، فشلت أوروبا في تنفيذ التزاماتها الاقتصادية، فيما واجهت إيران اتهامات متصاعدة وعمليات تخريب.
وخلال يونيو 2025، شنّت الولايات المتحدة وإسرائيل هجمات منسقة على المنشآت النووية الإيرانية أثناء المفاوضات، ما قوّض ما تبقى من الثقة الإيرانية في النوايا الغربية. واليوم، يرى المسؤولون الإيرانيون أن الدبلوماسية الغربية لم تعد وسيلة للحل بل أداة للضغط والخداع.
وفي المقابل، حذّرت روسيا والصين من أن الخطوة الأوروبية ستؤدي إلى زيادة التوتر وعدم الاستقرار في المنطقة، فيما تمسكت الدول الأوروبية الثلاث بموقفها معتبرة أن الأنشطة النووية الإيرانية تجاوزت الخطوط الحمراء. وأكدت استعدادها لتأجيل تنفيذ العقوبات لمدة ستة أشهر في حال سمحت إيران بعودة المفتشين الدوليين ووافقت على مفاوضات جديدة مع الولايات المتحدة.
ويرى مراقبون أن إعادة تفعيل العقوبات تعكس فشل أوروبا في تحقيق مكاسب دبلوماسية بعد الحرب التي استمرت 12 يوماً مطلع العام. إذ افترضت القوى الغربية أن الضغوط الداخلية والأزمات الاقتصادية والعسكرية ستجبر إيران على تقديم تنازلات، لكن طهران رفضت شروط “التخصيب الصفري” وقدّمت مقترحات جزئية في الأمم المتحدة، قوبلت بالرفض. ويشير محللون إلى أن موقف أوروبا بات أقرب إلى نهج “الضغط الأقصى” الذي اتبعه ترامب، مما يزيد احتمالات التصعيد لا الحل.
ومع ذلك، فإن العبء الأكبر لهذه العقوبات سيتحمله المواطن الإيراني العادي، مع تفاقم انخفاض قيمة العملة، وارتفاع البطالة، وجمود الاقتصاد إلى جانب آثار الاحتجاجات والحرب. كما سيواجه القطاع المصرفي الإيراني مزيداً من العزلة، رغم أن طهران قد تكيفت مع العقوبات الأمريكية منذ عام 2018 عبر الانفتاح شرقاً وتعزيز العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية مع الصين وروسيا.
وسيُصاب قطاع الطاقة الإيراني مجدداً بالضرر، ويتوقف حجم التأثير على مدى صرامة تطبيق العقوبات الثانوية الأمريكية، خاصة ضد الصين، أكبر مشترٍ للنفط الإيراني. فإذا استمرت صادرات النفط عبر قنوات بديلة، فستتمكن إيران من الصمود مالياً وإن كان بشكل محدود. لذلك، يُرجح أن تُضعف العقوبات إيران داخلياً دون أن تغيّر سياساتها الخارجية بشكل كبير.
أما النتيجة الأخطر لإعادة فرض العقوبات فقد تكون استئناف إسرائيل هجماتها ضد المنشآت النووية الإيرانية، إذ سبق أن قصفت إسرائيل مواقع نووية في يونيو 2025 استناداً إلى تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، مما أشعل نزاعاً استمر 12 يوماً وكبّد الجانبين خسائر فادحة. وقد تكرر تل أبيب الهجوم تحت ذريعة إعادة فرض عقوبات مجلس الأمن.
أدت تلك الهجمات إلى تأخير البرنامج النووي الإيراني بنحو عامين، لكنها دفعت الولايات المتحدة إلى مواجهة إقليمية أوسع دون مكاسب استراتيجية تُذكر. بينما كان الاتفاق النووي (JCPOA) قد حقق قيوداً فعّالة على برنامج إيران النووي دون حرب، وفتح الباب أمام فوائد اقتصادية وتفاهمات سياسية. وأثبتت التجربة أن الدبلوماسية أكثر فعالية وأقل كلفة من المواجهة العسكرية.
غير أن إعادة فرض العقوبات اليوم تمثل انهياراً للثقة بين إيران والغرب، وتعزز لدى طهران قناعة بأن الوعود الغربية غير موثوقة والدبلوماسية مجرد فخ سياسي.
أما بالنسبة لأوروبا، فيُظهر هذا القرار تراجع نفوذها وتبعية سياساتها لواشنطن، بدلاً من اتباع نهج مستقل قائم على الحلول الدبلوماسية. وفي النهاية، ستعاقب العقوبات الشعب الإيراني أكثر مما ستغيّر من سياسات طهران، بينما ستواصل الصين وروسيا التعاون مع إيران خارج نطاق العقوبات.
لقد أثبت الاتفاق النووي أن الدبلوماسية قادرة على كبح الطموحات النووية دون حرب، فيما تُظهر آلية «سناب باك» مدى هشاشة هذا التقدم وسهولة تدميره. ومع تصاعد التوترات، يجد المجتمع الدولي نفسه أمام خيارين: الاستمرار في سياسة الإكراه، أو العودة إلى مسار الدبلوماسية.
والدرس الأوضح من العقد الماضي هو أن الضغط العسكري والاقتصادي قد يؤخر البرنامج النووي الإيراني، لكن الدبلوماسية وحدها يمكن أن توقفه فعلياً.



