الصحافة الإيرانية: ما العوامل التي قادت زهران ممداني إلى الفوز في انتخابات بلدية نيويورك؟
تشير الدراسات إلى أن الدعم الحزبي الموحد لأي مرشح يعزز موقفه في السباق الانتخابي، وبالتالي فإن ممداني جمع بين حملة إيجابية فعّالة ومنافسين ضعفاء اجتماعياً.

ميدل ايست نيوز: یمکن تحلیل أسباب فوز زهران ممداني في انتخابات بلدية نيويورك من ثلاث زوايا. أولاً، امتلك ممداني حملة انتخابية ناجحة من حيث إيجابيتها، وتقديمه رسالة واضحة ومباشرة للناخبين، وإصراره على تكرار تلك الرسالة، والأهم من ذلك استخدامه أساليب مبتكرة في حملته الانتخابية، مستلهماً إلى حد ما تجربة حملة باراك أوباما عام 2008 بوصفه مرشحاً من خارج منظومة القوى التقليدية.
وقال رحمن قهرمان بور، باحث كبير في الشؤون الدولية، في مقال نشرته صحيفة دنياي اقتصاد، إن نجاح حملة ممداني يعود أيضاً إلى الانقسامات داخل الحزب الجمهوري بشأن دعم منافسيه. فآندرو كومو، الذي كان سابقاً حاكماً ديمقراطياً لولاية نيويورك، لم تكن له سمعة طيبة بين الناس، وواجه اتهامات بالفساد، وهو ما جعل الحملة السلبية لممداني ضد منافسيه أكثر إقناعاً، إذ كان يتنافس مع أشخاص يمثلون الفساد وعدم المساواة السائدين في النظام السياسي الأمريكي.
كذلك فإن الخلاف بين الجمهوريين حول دعم منافسيه وعدم توحدهم شكّل عاملاً إضافياً لصالح ممداني. وتشير الدراسات إلى أن الدعم الحزبي الموحد لأي مرشح يعزز موقفه في السباق الانتخابي، وبالتالي فإن ممداني جمع بين حملة إيجابية فعّالة ومنافسين ضعفاء اجتماعياً، ما جعل تصريحاته وحملته السلبية ضدهم أكثر مصداقية وأسهم في فوزه.
أما من الناحية السياسية، فيمكن تلخيص أسباب نجاح ممداني في عدة نقاط، أبرزها تراجع هيمنة دونالد ترامب داخل الحزب الجمهوري. فقد فاز معظم مرشحي الحزب الديمقراطي في الانتخابات الأخيرة، حتى أن الدعم القوي الذي قدّمه السيناتور جي. دي. فانس لأخيه غير الشقيق في إحدى المدن لم يمنع خسارته. كما أن ترامب نفسه دعم آندرو كومو، منافس ممداني، لكن ذلك لم يغير نتيجة الانتخابات.
ويبدو أن الزخم السياسي لترامب، بعد عام واحد فقط من فوزه في انتخابات 2024، بدأ بالتراجع، مع ظهور بوادر عدم انسجام داخل الحزب الجمهوري معه. والسبب الثاني في فوز ممداني يعود إلى سياسات ترامب القائمة على الهوية وسلوكه تجاه الأقليات في الولايات المتحدة. فنهجه العدواني تجاه المهاجرين والأقليات العرقية مثل الأمريكيين من أصل إفريقي واللاتينيين ترك انطباعاً سلبياً لدى هذه الفئات، وجعل فوز ممداني بمثابة ردٍّ سلبي من سكان نيويورك على سياسات ترامب في ملف الهجرة.
ومع ذلك، لا ينبغي أن نغفل أن نيويورك لطالما كانت ولاية ديمقراطية تميل إلى دعم الحزب الأزرق في معظم الانتخابات، ولذلك لا يمكن المبالغة في تفسير فوز ممداني كدليل قاطع على هزيمة الجمهوريين في انتخابات منتصف المدة المقبلة. ومع هذا، فإن فوز ممداني وغيره من المرشحين الديمقراطيين في الانتخابات الأخيرة يشير إلى دق ناقوس الخطر داخل الحزب الجمهوري، إذ قد تشكل سياسات ترامب القائمة على الهوية نقطة ضعف كبيرة للحزب في الانتخابات المقبلة، خصوصاً في انتخابات مجلسي الشيوخ والنواب، حيث تبرز قضايا العرق والهوية بشكل أوضح.
في النهاية، يمكن القول إن فوز الديمقراطيين في هذه الانتخابات الأخيرة قد يعزز ثقتهم بأنفسهم ويخفف من الانقسامات الداخلية التي تفاقمت منذ ترشيح كامالا هاريس المفاجئ ودعمها من قيادة الحزب الديمقراطي. توحيد الصفوف داخل الحزب يمكن أن يمنحه دفعة قوية، خاصة وأن الجناح التقدمي أظهر قدرات انتخابية واضحة، وإذا عمل بشكل منسجم في الانتخابات المقبلة فقد يتمكن من تكرار هذا النجاح.
اقتصادياً، يمكن اعتبار فوز زهران ممداني انعكاساً لاتساع فجوة عدم المساواة في المجتمع الأمريكي خلال العقود الأربعة الماضية، نتيجة العولمة وتراجع الصناعة التقليدية. هذه الفوارق تبدو أكثر وضوحاً في المدن العالمية مثل نيويورك. فإغلاق المصانع الصناعية وتدويل رؤوس الأموال ساهما في تعميق التفاوت الطبقي، وهو ما تؤكده الإحصاءات. بينما تبقى مستويات عدم المساواة في أوروبا أقل مما هي عليه في الولايات المتحدة. يبدو أن قضية التفاوت الاقتصادي في أمريكا لا تزال هامشية في الحملات الانتخابية مقارنة بقضايا الهوية والسياسة والضرائب.
تعتمد حملة ممداني وبرنامجه على سياسات اجتماعية مثل مجانية النقل بالحافلات، ودعم كبار السن، وتغطية نفقات رياض الأطفال لبعض الأسر، ما يعكس أن قضية عدم المساواة أصبحت عاملاً محورياً في السياسة الأمريكية، وهو ما قد يصب في مصلحة الجناح التقدمي داخل الحزب الديمقراطي.
ويبقى السؤال المطروح: هل سيتمكن الديمقراطيون من تكرار هذا النجاح في انتخابات منتصف المدة المقبلة، أم أن الجمهوريين سيأخذون هذه الهزيمة على محمل الجد ويسعون لإعادة بناء صفوفهم؟
اقرأ المزيد



