الصحافة الإيرانية: فصل جديد في سياسة باكو المناهضة لإيران في إطار التعاون مع حلف شمال الأطلسي
لم يعد القوقاز منطقة هامشية، بل تحول إلى ساحة مواجهة مباشرة بين القوى الكبرى. وأي تأخير في تحرك إيران قد يتيح لخصومها فرصة لترسيخ ما يُعرف بـ"ممر الناتو" وتقليص نفوذها الاستراتيجي في المنطقة.

ميدل ايست نيوز: التحركات الأخيرة في باكو ولقاء الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف، يوم الخميس، مع ممثلين عن 15 دولة من أعضاء حلف شمال الأطلسي (الناتو)، لا يمكن اعتبارها مجرد لقاء دبلوماسي عابر. فالاجتماع يأتي ضمن سلسلة تعاون عسكري وتدريبي ممتدة بين أذربيجان والناتو منذ عام 1994، لكنه هذه المرة يحمل أبعاداً سياسية وأمنية أوضح وأكثر حساسية.
ووفقاً للبيان الرسمي الصادر عن الرئاسة الأذربيجانية، شملت المباحثات بين باكو والناتو قضايا التنمية الإقليمية وأمن الطاقة وتحديث الجيش الأذربيجاني. في الواقع، تسعى أذربيجان إلى تحديث هيكلها الدفاعي وفق معايير الناتو، وترسيخ مكانتها كفاعل نشط في معادلات الأمن في الخليج والقوقاز الجنوبي.
وقالت صحيفة شرق، إن حضور ممثلين من الدول الأوروبية والولايات المتحدة في هذا الاجتماع يعكس إصرار الغرب على تعميق التعاون العسكري والاستخباراتي في المناطق الشمالية المحاذية لإيران. وقد سعى الناتو خلال السنوات الأخيرة إلى توسيع نطاق نفوذه من البحر الأسود إلى بحر قزوين، ويبدو أنه يرى في أذربيجان حلقة أساسية ضمن منظومته الأمنية. هذا التوجه من شأنه أن يغيّر بشكل جذري موازين القوى في المنطقة ويعيد صياغة العلاقات الجيوسياسية فيها.
من “ممر ترامب” إلى “ممر الناتو”.. تحول خطير في القوقاز الجنوبي
تشير التطورات الأخيرة في القوقاز الجنوبي إلى أن الهدف الرئيسي لأذربيجان وحلفائها الغربيين هو ترسيخ ما يُعرف بـ“ممر زنغزور” أو “ممر ترامب”، وهو المشروع الذي تم توقيعه في أغسطس خلال اجتماع في واشنطن بين إلهام علييف ورئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان بحضور الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. هذا الممر الذي يربط إقليم ناخيتشيفان الأذربيجاني بأراضي أذربيجان عبر الأراضي الأرمينية يُقدَّم ظاهرياً كمشروع اقتصادي وترانزيت، لكنه في جوهره يحمل أهدافاً استراتيجية أوسع.
ومع لقاء علييف الأخير مع ممثلي الناتو، تجاوز المشروع طابعه التجاري وأصبح أقرب إلى التحقق بوصفه “ممر الناتو”، أي طريقاً يمكن أن يربط بين تركيا وجمهورية أذربيجان عبر الأراضي الأرمينية، ما يتيح ممراً برياً فعلياً لحلف الناتو يصل حتى حدود إيران والقوقاز الروسي.
هذا التحول يحمل دلالات واضحة بالنسبة لإيران وروسيا، إذ يعني تقليص عمقهما الاستراتيجي في الشمال الغربي وفقدان إيران آخر ممر بري مباشر نحو أرمينيا. وفي حال تنفيذ هذا الممر، ستُحرم طهران من الوصول البري إلى شمال القوقاز وحتى إلى أسواق الاتحاد الأوراسي. كما أن أذربيجان، بدعم من تركيا وبتأييد أمريكي، يمكنها من خلال التعاون العسكري مع الناتو أن تؤثر على أمن الطاقة في بحر قزوين ومسارات نقل النفط والغاز، ما يشكل تهديداً مباشراً للتوازن الجيو–اقتصادي في المنطقة.
إهمال ملف القوقاز.. ثغرة خطيرة في الاستراتيجية الخارجية
في ظل تركيز السياسة الخارجية الإيرانية على ملفات كبرى مثل المفاوضات النووية، والتوتر مع الولايات المتحدة وأوروبا، واحتمال التصعيد مع إسرائيل، والتطورات في الشرق الأوسط، يبدو أن ملف القوقاز الجنوبي أصبح في الهامش. غير أن مسار الأحداث في شمال غرب إيران يتغير بسرعة، وأي إهمال قد يترتب عليه ثمن استراتيجي باهظ للأمن القومي الإيراني.
في الواقع، تستغل أذربيجان انشغال إيران وروسيا عن تطورات القوقاز لدفع مشروع يعيد رسم التوازن الجيوسياسي في المنطقة لصالح الغرب. فالتعاون العسكري مع الناتو، والمناورات المشتركة، ووجود الخبراء العسكريين الغربيين في باكو، كلها تعكس توجهاً واضحاً نحو تحويل القوقاز الجنوبي إلى منطقة ذات طابع عسكري تحت النفوذ الغربي.
في هذا السياق، تبدو الحاجة ملحة لأن تعيد إيران تعريف سياستها تجاه القوقاز بالتركيز على ثلاثة محاور رئيسية: أولاً، تعزيز الحضور السياسي والأمني في أرمينيا وتوسيع التعاون الاقتصادي معها بوصفها الممر البري الوحيد نحو الشمال؛ ثانياً، تفعيل الدبلوماسية المتعددة الأطراف مع روسيا والصين ودول آسيا الوسطى بهدف كبح تمدد نفوذ الناتو في المنطقة؛ وثالثاً، تبني موقف ردعي حازم تجاه أي تغيير جيوسياسي يمكن أن يهدد المصالح الإيرانية.
القوقاز لم يعد منطقة هامشية، بل تحول إلى ساحة مواجهة مباشرة بين القوى الكبرى. وأي تأخير في تحرك إيران قد يتيح لخصومها فرصة لترسيخ ما يُعرف بـ”ممر الناتو” وتقليص نفوذها الاستراتيجي في المنطقة.



