الصحافة الإيرانية: أمريكا تعيد ترتيب أوراسيا وإيران في قلب منافسة القوى الكبرى

يُبرز اجتماع قادة آسيا الوسطى مع الرئيس الأمريكي وتجديد مبادرة «C5+1» أن أوراسيا أصبحت مرة أخرى ساحة حساسة لتنافس القوى الكبرى، حيث تقع إيران في مركز هذا الصراع كقوة متوسطة.

ميدل ايست نيوز: تشير خطوات ترامب الجديدة في تجديد مبادرة «C5+1» ومساعي واشنطن للعودة إلى قلب أوراسيا، إلى مرحلة جديدة في صراع القوى الكبرى حول إيران؛ صراع قد يفرض ضغوطاً جيوسياسية على طهران، لكنه في الوقت نفسه قد يشكل فرصة لإعادة تعريف سياستها الإقليمية وتثبيت دورها كقوة متوازنة في النظام الأوراسي الناشئ.

وشهدت العاصمة الأمريكية واشنطن، اجتماع قادة خمس جمهوريات من الاتحاد السوفيتي السابق في آسيا الوسطى (قزاقستان، قرغيزستان، أوزبكستان، طاجيكستان، تركمانستان) مع ترامب في البيت الأبيض، وهو لقاء جماعي رفيع المستوى لأول مرة، ويُعد مؤشراً على تركيز واشنطن المتجدد على منطقة ظلت لعقدين في مدار التأثير الروسي والصيني والإيراني.

وقالت وكالة إرنا الحكومية في تقرير، إن آسيا الوسطى تحمل تاريخياً وثقافياً وحضارياً أهمية كبيرة بالنسبة لإيران وترتبط بها بروابط عميقة، وحضور الولايات المتحدة النشط في هذه المنطقة قد يعيد تشكيل مسارات الترانزيت الشمال-الجنوب، وأسواق الطاقة، والتعاون الأمني مع دول الجوار، بما يفرض تحديات على الدور التقليدي لطهران.

تهدف واشنطن من خلال مبادرة «C5+1» إلى احتواء النفوذ الروسي والصيني، والحد من توسع التعاون الإيراني مع دول آسيا الوسطى في مجالات الطاقة والترانزيت والتكنولوجيا، لا سيما بعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان والفراغ الذي خلفه، في محاولة لإعادة صياغة النظام الأمني في الحدود الشمالية الشرقية لإيران.

تأسست المبادرة في عهد الرئيس باراك أوباما عام 2015 خلال زيارة وزير الخارجية آنذاك جون كيري إلى سمرقند، بناءً على فكرة نيشا ديساي بيزوال، مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون جنوب ووسط آسيا، لتصبح إطاراً سنوياً للاجتماعات وتنفيذ مشاريع في مكافحة الإرهاب، والأعمال، والنقل، والطاقة المتجددة، والتغير المناخي.

في عهد ترامب، اكتسبت المبادرة طابعاً جيوسياسياً واضحاً مع التركيز على المنافسة مع روسيا والصين، في ظل حساسيات متزايدة لموازين القوى في أوراسيا بسبب الحرب في أوكرانيا. ويُنظر إلى توسيع واشنطن حضورها السياسي والأمني في آسيا الوسطى من قبل موسكو وبكين وطهران كمرحلة لتشكيل محور نفوذ غربي جديد على حدود شمال إيران وجنوب روسيا، بما يطرح تحديات استراتيجية لهذه الدول الثلاث.

من منظور إيران، يشكل النشاط الأمريكي المتزايد في آسيا الوسطى تحديات متعددة: أولها تقليص الدور الجيو-اقتصادي الإيراني في مشاريع الترانزيت والطاقة، وثانيها زيادة الضغوط السياسية والأمنية على الحدود الشمالية الشرقية، خاصة مع احتمالية ميل بعض الفاعلين السياسيين في آسيا الوسطى نحو واشنطن، مما قد يحد من رغبتهم في التعاون الإقليمي مع طهران.

في الوقت نفسه، يُظهر النشاط الأمريكي الجديد إطار المنافسة الأوسع بين القوى الكبرى في محيط إيران، حيث تسعى روسيا للحفاظ على عمقها الاستراتيجي في آسيا الوسطى، وتعمل الصين على ترسيخ نفوذها الاقتصادي من خلال مبادرة «الحزام والطريق»، فيما تحاول واشنطن استغلال حدود الفرص المتاحة لإعادة الظهور في منطقة ابتعدت عنها لسنوات.

إيران، كقوة متوسطة في جنوب أوراسيا، تقع في مركز هذا الصراع، الذي لا يقتصر على الاقتصاد والأمن فحسب، بل يمتد لتشكيل تحالفات وتنافسات جيوسياسية جديدة في محيطها الإقليمي.

في هذا السياق، مثّل اختيار إيران كعضو مراقب في الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، والذي يضم روسيا وأرمينيا وروسيا البيضاء وقزاقستان وقرغيزستان، خطوة استراتيجية لتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري مع الدول الأعضاء، بما في ذلك إلغاء الرسوم الجمركية على العديد من السلع وتسهيل التبادلات التجارية.

كما يُعدّ اتفاق التجارة الحرة بين إيران والاتحاد الأوراسي من أبرز إنجازات الدبلوماسية الاقتصادية الإيرانية، إذ يهدف إلى توسيع التبادلات التجارية، وتقليل الرسوم الجمركية، وتعزيز مسارات الترانزيت، وتحويل إيران إلى جسر تجاري مستدام بين الخليج الفارسي وبحر قزوين.

في المجمل، يُبرز اجتماع قادة آسيا الوسطى مع الرئيس الأمريكي وتجديد مبادرة «C5+1» أن أوراسيا أصبحت مرة أخرى ساحة حساسة لتنافس القوى الكبرى، حيث تقع إيران في مركز هذا الصراع كقوة متوسطة، وسط تحديات جيوسياسية وجيو-اقتصادية قد تؤثر على دورها في الترانزيت والطاقة والعلاقات الإقليمية، لكنها في الوقت نفسه تمتلك فرصاً لتعزيز موقعها الاستراتيجي عبر الانخراط الفاعل في السياسة الإقليمية والتعاون متعدد الأطراف.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
ميدل ايست نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

14 + ثلاثة عشر =

زر الذهاب إلى الأعلى