الصحافة الإيرانية: موقع إيران المستقبلي في سلسلة المعادن الأرضية النادرة العالمية

إذا نجحت طهران في الربط المنهجي بين التكنولوجيا الجيولوجية والسياسة الصناعية والدبلوماسية الدولية، فإن المعادن قد تؤدي الدور نفسه لإيران في القرن الحادي والعشرين الذي أداه النفط في القرن العشرين.

ميدل ايست نيوز: قال خبير في الدراسات الجيولوجية إن المنافسة العالمية على المعادن النادرة تشتد بسرعة، مبيناً أن إيران يمكنها من خلال التعاون الإقليمي الممتد من ميناء تشابهار إلى آسيا الوسطى أن تكتسب موقعاً استراتيجياً في سلسلة الإمداد العالمية لهذه المعادن.

الاحتياطات المعدنية في إيران: كنز استراتيجي دفين

وصرح بابك حاجي عباسي في مقابلة مع موقع المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية أن “إيران تقع في موقع استثنائي بين ثلاثة أحزمة معدنية كبرى في العالم، هي: الهيمالايا، والألب – الهيمالايا، والحزام العربي – النوبي، ولهذا السبب تأتي ضمن الدول الخمس عشرة الأولى في العالم من حيث تنوع العناصر المعدنية”. وأشار إلى أن “القيمة التقديرية للاحتياطات المكتشفة في إيران تبلغ نحو 27 تريليون دولار”.

وأضاف الخبير أن “المنافسة العالمية خلال العقد المقبل ستنتقل من النفط والغاز إلى المعادن النادرة، التي تُعد الأساس للتقنيات الاستراتيجية الحديثة، من بطاريات الليثيوم أيون والرقائق الإلكترونية الدقيقة إلى أنظمة التوجيه الدقيقة والصناعات الدفاعية المتقدمة”. وأوضح أن “العناصر النادرة مثل الليثيوم والكوبالت والنيكل والمغنيسيوم والتيتانيوم والعناصر الأرضية النادرة (REEs) ليست ضرورية فقط للطاقة النظيفة والسيارات الكهربائية، بل لا يمكن الاستغناء عنها أيضاً في الصناعات العسكرية والمعدات الفضائية الحديثة”.

وأشار إلى أن “إيران حدّدت حتى الآن عدداً من المناطق الغنية بالليثيوم، منها سمنان وقم وسيستان وخراسان الجنوبية، كما تم تأكيد وجود احتياطات من الكوبالت المصاحب للنحاس والنيكل في مناطق زنجان وكرمان”. لكنه حذر قائلاً إن “غياب الاستثمارات التقنية الحديثة وعدم إدخال المعدات المتطورة قد يجعل هذه الموارد تبقى في باطن الأرض، كما حدث مع العديد من الثروات الطبيعية الأخرى في البلاد”.

وبحسب الخبير في الدراسات الجيولوجية، فإن “التحدي الرئيسي لإيران ليس في نقص الموارد، بل في غياب سلسلة القيمة والتكنولوجيا المعالجة، ففي حين تنجح دول مثل أستراليا وتشيلي في إنشاء سلاسل إنتاج وتصدير عالية القيمة تحقق عوائد بمليارات الدولارات، ما زالت إيران في مرحلة تصدير المواد الخام أو شبه المصنعة”. وشدد على أن “دمج التكنولوجيا الجيولوجية مع السياسة الصناعية وأمن الطاقة يجب أن يكون أولوية للجهات المعنية، حتى تتحول إيران من مُصدّر للمواد الخام إلى لاعب تقني في السلسلة العالمية”.

التعاون الإقليمي مع آسيا الوسطى في مجال المعادن النادرة

وأكد حاجي عباسي أن “مستقبل الموارد المعدنية في المنطقة سيتحدد من خلال التعاون الإقليمي الموجه”. وأوضح أن “إيران وأفغانستان وطاجيكستان وكازاخستان تقع جميعها على حزام معدني واحد يمتد من جبال بامير إلى أذربيجان، ويحتوي على احتياطات ضخمة من النحاس والليثيوم والرصاص والعناصر النادرة”.

وقال الخبير الإيراني إن “تأسيس اتحادات مشتركة مع دول آسيا الوسطى يمكن أن يحقق ثلاثة أهداف رئيسية: أولاً، تبادل التكنولوجيا وتقليل تكاليف الاستكشاف والاستخراج؛ ثانياً، إنشاء مسارات تصدير آمنة عبر ممر الشمال – الجنوب وميناء تشابهار؛ وثالثاً، تقليص الاعتماد على الأسواق الوسيطة”.

وأضاف أن “الصين تهيمن حالياً على الجزء الأكبر من معادن آسيا الوسطى النادرة، لكن إيران يمكنها أن تصبح ثاني أكبر لاعب في هذا السوق من خلال الاستفادة من روابطها التاريخية والثقافية والجغرافية”. وتابع قائلاً: “وفقاً لتقديرات أمريكية، تمتلك أفغانستان أكثر من تريليون دولار من الموارد المعدنية غير المستغلة، وبوسع إيران عبر تطوير البنى التحتية الحدودية والاستثمار المشترك في مناجم شمال أفغانستان أن تؤمن المواد الأولية لصناعاتها، وتساهم في إعادة إعمار اقتصاد المنطقة في الوقت نفسه”.

وأشار إلى أن “تعزيز التعاون مع كازاخستان وأوزبكستان في تبادل البيانات الجيولوجية وتدريب الكوادر يشكل فرصة استراتيجية لإيران، فهذه الدول نجحت في جذب الاستثمارات الأجنبية، ويمكن لإيران أن تستفيد من نماذجها القانونية لتطوير قطاع التعدين لديها”. لكنه حذر من أن “أي تعاون إقليمي لن يحقق نتائجه من دون دبلوماسية اقتصادية نشطة”، مشدداً على أن “الدبلوماسية التعدينية يجب أن تصبح جزءاً رسمياً من السياسة الخارجية الإيرانية”. وأوضح أن “وزارة الخارجية ينبغي أن تؤسس إدارة متخصصة لشؤون الموارد الطبيعية، كما هو الحال في مجال الطاقة، لتفعيل التعاون عبر منظمات مثل منظمة التعاون الاقتصادي (إيكو) ومنظمة شنغهاي للتعاون والاتحاد الاقتصادي الأوراسي”.

التعاون مع الصين في سوق المعادن النادرة واستراتيجية الجنوب – الجنوب

وقال الخبير في الجيو-اقتصاد والموارد المعدنية إن “سوق المعادن النادرة العالمي يشهد تحولاً سريعاً، فالصين التي تسيطر اليوم على أكثر من 75% من عمليات معالجة هذه العناصر، تسعى لتحويل هذا التفوق إلى أداة نفوذ جيوسياسي”. وأوضح أن “العالم المتعدد الأقطاب المقبل سيشهد نشوء تحالفات استراتيجية ليس فقط حول مصادر الطاقة، بل أيضاً حول المعادن، إذ أصبحت المنافسة بين الولايات المتحدة والصين والاتحاد الأوروبي على سلسلة توريد الليثيوم أشبه بمنافسة القرن العشرين على النفط”.

وأشار إلى أن “إيران يمكنها، مستفيدة من موقعها الجيوسياسي، أن تؤدي دوراً محورياً ضمن محور الجنوب – الجنوب، الذي يركز على التعاون بين الدول النامية في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، لتشكيل سلاسل إنتاج مستقلة وتجاوز تأثير العقوبات”.

وأضاف أن “إيران يمكنها عبر التعاون مع الصين أن تصبح شريكاً مكملاً في السلسلة العالمية، فبينما تتصدر الصين مجال تكنولوجيا استخراج الليثيوم ومعالجته، تستطيع إيران المساهمة في تزويدها بالمواد الخام وتحويلها إلى بطاريات صناعية أو منتجات نصف مصنعة بالتعاون مع دول الجنوب”. واقترح أن “تؤسس إيران تحالفاً مع دول مثل بوليفيا وزيمبابوي وإندونيسيا، التي تمتلك احتياطات ضخمة من الليثيوم والكوبالت والنيكل، لتوحيد مواقفها والدفاع عن مصالحها والمشاركة في تحديد أسعار هذه المعادن عالمياً”.

ويرى حاجي عباسي أن “النموذج الصيني في السيطرة على سلسلة القيمة التعدينية يقدم دروساً مهمة، لكن يجب التعامل معه بحذر، إذ تعتمد بكين على الاستثمار والتمويل والتكنولوجيا لبناء شبكة من الاعتمادية المتبادلة مع الدول المستهدفة. ويمكن لإيران أن تستفيد من هذه التجربة عبر إقامة تعاون متوازن يقوم على الاحترام المتبادل داخل إطار الجنوب العالمي”.

وختم الخبير بالقول إن “الموارد المعدنية ليست مجرد فرصة اقتصادية، بل أداة استراتيجية لتفعيل الدور الجيوسياسي لإيران في النظام العالمي المتغير. وإذا نجحت طهران في الربط المنهجي بين التكنولوجيا الجيولوجية والسياسة الصناعية والدبلوماسية الدولية، فإن المعادن قد تؤدي الدور نفسه لإيران في القرن الحادي والعشرين الذي أداه النفط في القرن العشرين”.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
ميدل ايست نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إحدى عشر − 2 =

زر الذهاب إلى الأعلى