الصحافة الإيرانية: أفريقيا في السياسة الخارجية الإيرانية الجديدة

لم تعد السوق الأفريقية بالنسبة لإيران التي انتهجت خلال العقد الأخير سياسة التحرك نحو تعزيز التعاون بين دول الجنوب تمثل فقط سوقاً اقتصادياً واعداً، بل ساحة لإعادة تعريف موقعها الجيوسياسي والثقافي ضمن النظام العالمي الجديد.

ميدل ايست نيوز: تظهر التحولات في النظام الدولي خلال السنوات الأخيرة أن النظام الأحادي الغربي يتراجع تدريجياً لصالح نظام متعدد المراكز وأكثر مرونة؛ نظام تلعب فيه القوى الإقليمية والاقتصادات الصاعدة دوراً متزايداً في صياغة القواعد الجديدة للعلاقات العالمية. وفي هذا السياق، أصبحت قارة أفريقيا، بما تمتلكه من موارد معدنية ضخمة وإمكانات فريدة في مجالي الطاقة والزراعة، من أبرز بؤر اهتمام القوى العالمية.

وقال إسماعيل رزاقي، الخبير في الشؤون الأفريقية، في مقال نشره موقع دبلوماسي إيراني، إنه بالنسبة لإيران، التي انتهجت خلال العقد الأخير سياسة تنويع علاقاتها الخارجية والتحرك نحو تعزيز التعاون بين دول الجنوب، لا تمثل أفريقيا لها فقط سوقاً اقتصادياً واعداً، بل ساحة لإعادة تعريف موقعها الجيوسياسي والثقافي ضمن النظام العالمي الجديد.

القدرات وفرص التعاون بين إيران وأفريقيا

تشير دراسة القدرات المشتركة إلى أن التعاون بين إيران والدول الأفريقية يمكن أن يُبنى على أربعة محاور رئيسية:

  1. الاقتصاد والطاقة والبنى التحتية
    تملك إيران خبرة واسعة في بناء محطات توليد الكهرباء وخطوط نقل الطاقة والصناعات الصغيرة للبتروكيماويات والمصافي المتوسطة الحجم، ما يجعلها شريكاً موثوقاً للدول الساعية إلى الحصول على تقنيات محلية منخفضة التكلفة.
  2. الأمن الغذائي والزراعة
    يمكن لإيران أن تشارك في مشروعات زراعية مشتركة تشمل نقل تقنيات الري وإنتاج الأسمدة والحبوب، مثل مشروع «الأمن الغذائي بين إيران وأفريقيا» الذي تشارك فيه روسيا وإيران لتوفير الأسمدة والبذور والحبوب المحلية، وهو نموذج ثلاثي يضمن الأمن الغذائي ويحقق مكاسب لجميع الأطراف.
  3. الدواء والصحة والتقنيات المحلية
    تحظى الصناعات الدوائية الإيرانية بميزة تنافسية مرتفعة، كما تتزايد صادرات الأدوية الإيرانية إلى الدول الأفريقية. ويمكن تطوير هذا التعاون عبر إنشاء «مراكز إقليمية لإنتاج الأدوية» في شرق وغرب القارة، ما يشكل نموذجاً لما يسمى «دبلوماسية الصحة» التي تسهم أيضاً في تعزيز الصورة الإيجابية لإيران.
  4. التعليم العالي والعلم والتكنولوجيا
    يدرس أكثر من ثلاثة آلاف طالب أفريقي في الجامعات الإيرانية. وتوسيع هذا التوجه من خلال إنشاء مراكز بحثية مشتركة وبرامج تبادل علمي يمكن أن يؤدي إلى تشكيل شبكة من النخب الأفريقية المرتبطة بإيران، وهو عامل من شأنه أن يعمق العلاقات الثقافية والسياسية على المدى البعيد.

التحديات القائمة

رغم هذه الفرص، تواجه السياسة الأفريقية لإيران عقبات هيكلية واضحة:

غياب استراتيجية وطنية متماسكة: إذ تتوزع السياسة الأفريقية بين وزارات ومؤسسات متعددة مثل الخارجية والصناعة والتجارة والصحة وغيرها من الجهات دون تنسيق كافٍ.

ضعف البنية التحتية المالية والمصرفية: فغياب نظام مصرفي وتأميني مشترك يجعل التعاملات التجارية مع الدول الأفريقية محدودة وغير رسمية.

نقص خطوط النقل المباشر: فعدم وجود مسارات بحرية وجوية منتظمة بين الموانئ الإيرانية والأفريقية يرفع تكاليف التجارة بشكل كبير.

المنافسة مع القوى الفاعلة: حيث تحتل تركيا والإمارات والصين مواقع قوية في الأسواق الأفريقية، ما يقلص هامش التحرك الإيراني.

الرؤية التقليدية في مؤسسات صنع القرار: ما زالت النظرة السائدة في معظم المؤسسات الإيرانية تميل إلى الغرب، وتضع القارة الأفريقية في مرتبة متأخرة من الأولويات.

الاستراتيجية المقترحة للسياسة الأفريقية الإيرانية

لتجاوز هذه التحديات والاستفادة من إمكانات القارة، تحتاج إيران إلى تعزيز هياكلها القائمة وإعادة تنظيم سياستها الأفريقية بشكل عملي، ويمكن في هذا الإطار التأكيد على المحاور التالية:

تعزيز دور «الهيئة الأفريقية» كجهاز تنسيقي مركزي
يُعد منح هذه الهيئة صلاحيات خاصة لتنسيق الجهود بين وزارات الخارجية والصناعة والتجارة والصحة وسائر الجهات المعنية، إضافة إلى غرف التجارة والتعاون، أمراً ضرورياً.

التركيز على الدول المحورية والتكامل الإقليمي
ينبغي توجيه الجهود نحو دول أساسية مثل إثيوبيا (مقر الاتحاد الأفريقي)، نيجيريا، جنوب أفريقيا، تنزانيا، كينيا، السنغال وغانا، إذ تمثل كل منها بوابة لمنطقة استراتيجية داخل القارة ويمكن أن تكون نقاط ارتكاز لشبكة التعاون الإيراني–الأفريقي.

الاستفادة من منتديات إيران وأفريقيا
إن عقد ثلاثة منتديات مشتركة خلال الأعوام الماضية أتاح فرصاً مهمة للتواصل بين الحكومات والقطاعين العام والخاص في الجانبين. واستمرار هذه المنتديات إلى جانب الاجتماعات المتخصصة يمكن أن يؤدي إلى ترسيخ شبكة من النخب ورواد الأعمال وصناع القرار.

تطوير الدبلوماسية الثلاثية والمشروعات المشتركة
يمكن للتعاون الثلاثي بين إيران وشركائها الشرقيين مثل الصين وروسيا مع الدول الأفريقية أن يسهم في تمويل المشاريع ويشكل نموذجاً لشراكة متوازنة بعيدة عن المنافسة.

تعزيز الدبلوماسية العامة والإعلامية
يمكن لإيران تحسين صورتها من خلال الانفتاح الثقافي على أفريقيا، واستخدام المنصات الإعلامية الأفريقية والمبادرات الثقافية المشتركة، إضافة إلى إرسال الفنانين والمفكرين الإيرانيين لتمثيل ثقافة البلاد وحضارتها.

خلاصة

لم تعد أفريقيا اليوم مجرد قارة غنية بالموارد، بل ساحة رئيسية لإعادة صياغة النظام العالمي الجديد. فإذا تمكنت إيران من تنشيط «الهيئة الأفريقية» والبناء على خبرة المنتديات الثلاثة السابقة لتقوية شبكاتها المؤسسية مع دول القارة، فستتمكن من ترسيخ موقع أكثر استقراراً وتأثيراً في هذا النظام الآخذ في التشكل.

في هذا الإطار، يمكن للسياسة الأفريقية الإيرانية أن تنتقل من مستوى الخطاب الدبلوماسي إلى مستوى التفاعل الاستراتيجي والتنمية المستدامة، بما يسهم في تنويع علاقات إيران الخارجية وإحياء دورها التاريخي والحضاري في قارة تنهض لتصبح أحد أقطاب المستقبل.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
ميدل ايست نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

12 + 1 =

زر الذهاب إلى الأعلى