استقلال أفغانستان التجاري… خطة لتأمين أسواق بديلة عن باكستان

تسبب إغلاق الحدود بين أفغانستان وباكستان منذ الحادي عشر من أكتوبر/تشرين الأول الماضي في تعطل حركة الصادرات الزراعية، ما ألحق أضراراً جسيمة بالمزارعين والتجار الأفغان.

ميدل ايست نيوز: تسبب إغلاق الحدود بين أفغانستان وباكستان منذ الحادي عشر من أكتوبر/تشرين الأول الماضي في تعطل حركة الصادرات الزراعية، ما ألحق أضراراً جسيمة بالمزارعين والتجار الأفغان الذين يعتمدون على السوق الباكستانية لتصريف معظم منتجاتهم. ورداً على ذلك، أعلنت الحكومة الأفغانية بالتنسيق مع غرفة التجارة والصناعة عن خطة عاجلة لتوسيع نطاق الصادرات نحو أسواق بديلة تشمل روسيا ودول آسيا الوسطى، في خطوة وصفت بأنها بداية مسار جديد لتقليل الاعتماد على باكستان. ولم يقتصر الإغلاق على خسائر آنية في موسم الفواكه والخضار، بل أعاد إلى الواجهة نقاشاً أوسع حول هشاشة الاقتصاد الأفغاني وارتباطه المفرط بجار واحد يتحكم بمنافذه التجارية. فمع كل موسم حصاد، يجد المزارعون أنفسهم رهائن للقرار الباكستاني، الذي قد يغلق المعابر في لحظة سياسية متوترة. ومع تراكم هذه الأزمات، باتت كابول ترى في تنويع شركائها التجاريين وتفعيل خطوط التصدير إلى الشمال والشرق خياراً استراتيجياً لضمان استقرار أسواقها الزراعية وحماية دخل المزارعين من التقلبات الحدودية المتكررة.

أسواق بديلة

عن هذا التطور وارتداداته، يقول رئيس غرفة التجارة والصناعة الأفغانية خان جان الكوزاي لـ”العربي الجديد”، إن المشكلة الحقيقية مع باكستان أنها لا يمكن الاعتماد عليها، فالعلاقات التجارية معها خاضعة تماماً للعلاقات السياسية بين البلدين، ومن هنا، لو أغلقت هذه الحدود بالكامل تكون أضرارها ثقيلة، ولكن في نهاية المطاف نحن سوف نجد لأنفسنا بدائل، وهو ما نعمل عليه. نحن لنا تجارة مع كل الدول المجاورة مثل إيران ودول آسيا الوسطى والصين، وكل تلك الدول يمكننا أن نعتمد عليها، ولكن مع الأسف سياسات باكستان لم تكن نافعة، ومن هنا لا بد من العمل على البدائل. وبدأت أفغانستان فعلياً تصدير فواكهها من الولايات الجنوبية والمناطق الحدودية مع باكستان إلى الأسواق الروسية، في خطوة تعد تحولاً مهماً في مسار تجارتها الزراعية. وأعلنت وزارة الاقتصاد والصناعة أن شركة كوندا فروت الأفغانية باشرت تصدير التفاح إلى روسيا، إذ غادرت أول حمولة بوزن 50 طناً من قندهار باتجاه موسكو، على أن يصل إجمالي الكميات المصدّرة خلال الموسم الحالي إلى نحو ألف طن. ووصفت الوزارة العملية بأنها خطوة إيجابية نحو تنويع الصادرات، مؤكدة أن الشركة تخطط كذلك لتوسيع نشاطها ليشمل تصدير أنواع أخرى من الفواكه في المواسم المقبلة إلى روسيا ودول آسيوية أخرى، بما يعزز الحضور التجاري للمنتجات الأفغانية في الأسواق الخارجية.

وقال نائب رئيس شركة كوندا فروت، محب مجددي، في مؤتمر صحافي عقد الخميس الماضي، إن الشركة بدأت رسمياً تنفيذ خطة لتصدير نحو ألف طن من التفاح إلى روسيا خلال الموسم الحالي، في إطار برنامج حكومي لتوسيع الأسواق الزراعية الأفغانية. وأوضح مجددي أن الشركة تجهز أيضاً لتصدير أنواع أخرى من الفواكه إلى الهند وماليزيا، مشيراً إلى أن جميع الإجراءات اللوجستية والتنظيمية اللازمة قد استكملت. وأضاف أن الفواكه الأفغانية تلقى ترحيباً واسعاً في الأسواق الدولية لما تمتاز به من جودة ونكهة طبيعية، مؤكداً أن هدف الشركة هو إيصالها إلى أكبر عدد ممكن من الدول. كما أشار إلى أن الشركة بدأت منذ الأسبوع الماضي تصدير شحنات من الرمان إلى روسيا، وتعمل على زيادة الكميات وتنويع الأصناف خلال الأشهر المقبلة، مع التركيز في الوقت الحالي على محصولي الرمان والتفاح باعتبارهما من أبرز صادرات أفغانستان الزراعية.

جهود حكومية واتفاقات جديدة

من جانبه، قال الناطق باسم وزارة الزراعة والمياه، المولوي شير محمد حاتمي، في مؤتمر صحافي، الخميس الماضي، إن الحكومة الأفغانية، ووزارتي الاقتصاد والزراعة تحديداً، تعملان بشكل متواصل لإيجاد أسواق جديدة للمنتجات الزراعية الوطنية، وفي مقدمتها الفواكه، لتعويض توقف الصادرات إلى باكستان بعد إغلاق الحدود. و

أوضح حاتمي أن الجهود الحالية تتركز على تحويل مسار الصادرات نحو دول أخرى في المنطقة والعالم، بما يضمن استمرار تدفق المنتجات الزراعية ويخفف من خسائر المزارعين. وأشار إلى أن الفواكه الأفغانية تلقى رواجاً واسعاً في الأسواق الدولية بفضل نكهتها المميزة وخلوها من المبيدات والمواد الكيميائية المستخدمة في كثير من الدول الأخرى، لافتاً إلى أن شركات التصدير والتجار الأفغان باتوا أكثر اهتماماً بالأسواق البعيدة، بعدما كانت وجهتهم التقليدية تقتصر على إيران وباكستان.

واعتبر حاتمي أن هذه الخطوة تمثل بداية واعدة لمسار جديد في التجارة الزراعية، وإن كانت لا تزال تحتاج إلى مزيد من الدعم والتطوير لتحقيق النتائج المرجوة.

وأعلنت الحكومة المحلية في ولاية بلخ الشمالية أن حاكم الولاية المولوي محمد يوسف وفا زار، نهاية الشهر الماضي، أوزبكستان برفقة وفد من المسؤولين المحليين، إذ عقد سلسلة من الاجتماعات مع نظرائه هناك لبحث تعزيز التعاون التجاري والزراعي بين الجانبين.

وأوضحت الحكومة أن الجانبين توصلا إلى اتفاق مبدئي لتصدير الفواكه والخضار الأفغانية إلى السوق الأوزبكية، مشيرة إلى أن الحكومة في طشقند أبدت استعدادها للمساعدة في تسويق المنتجات الأفغانية داخل أوزبكستان وخارجها. وأضاف البيان أن عملية التصدير بدأت بالفعل، ولكن بكميات محدودة، مؤكداً سعي كابول إلى زيادة حجم الصادرات إلى دول آسيا الوسطى، وعلى رأسها أوزبكستان، خلال المواسم المقبلة.

وفي السياق ذاته، أصدر نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية، الملا عبد الغني برادر، بياناً الخميس الماضي، وجه فيه شركة أريانا للطيران إلى تسريع عمليات نقل الفواكه والمنتجات الزراعية الأفغانية جواً إلى مختلف دول العالم، خاصة الدول الإقليمية التي لا يمكن الوصول إليها عبر الطرق البرية.

كما دعا الشركة إلى توسيع أسطولها بشراء طائرات مخصصة للشحن الزراعي، وتبني خطة نقل جوي منتظمة تضمن وصول المنتجات الطازجة إلى الأسواق الخارجية في الوقت المناسب، دعماً لاستراتيجية الحكومة في تنويع صادرات البلاد الزراعية.

ترحيب كبير

ورحب المزارعون والتجار الأفغان بمبادرة الحكومة لتوسيع صادرات الفواكه والمنتجات الزراعية إلى أسواق جديدة، معتبرين أنها خطوة طال انتظارها لتقليل الاعتماد على باكستان. وفي هذا السياق، قال الحاج زرغون شاه، أحد المزارعين بولاية قندهار: “هذه خطوة ممتازة، ونحن نرحب بها وندعم جهود الحكومة بالكامل. لقد خسرنا كثيراً بسبب سياسات باكستان التي دأبت على إغلاق الحدود في كل موسم جني، ما اضطرنا مراراً إلى بيع محاصيلنا بأسعار بخسة داخل البلاد. هذه ليست المرة الأولى التي نصاب فيها بالإحباط بسبب تلك الإجراءات، لكنها ربما تكون الأخيرة التي نعتمد فيها على السوق الباكستانية”.

وأوضح زرغون شاه أن المزارعين يتطلعون اليوم إلى بناء شراكات تجارية مستقرة مع دول مثل روسيا والهند وماليزيا، إضافة إلى بلدان آسيا الوسطى، مشيراً إلى أن تلك الأسواق أكثر موثوقية واستقراراً من الناحية السياسية والاقتصادية، كما أنها تبدي اهتماماً متزايداً بالمنتجات الأفغانية المعروفة بجودتها العالية ونكهتها الفريدة. وختم بالقول: “قد نواجه بعض الصعوبات في البداية، لكننا واثقون أننا سنجد بدائل حقيقية نعتمد عليها، فالطلب على فواكهنا ومكسراتنا في تزايد، والأسواق الجديدة تفتح أبوابها أمامنا يوماً بعد يوم”.

وفي تعليقه على التطورات الأخيرة، قال الخبير الاقتصادي محمد مجتبى نعماني لـ”العربي الجديد” إن التجربة الحالية مثال واضح على قدرة الأزمات على خلق فرص جديدة للنهوض الاقتصادي، موضحاً أن الأسابيع الماضية شهدت خسائر فادحة للمزارعين والتجار بسبب تلف كميات كبيرة من الفواكه التي كانت متجهة إلى باكستان، وبيعها داخل البلاد بأسعار متدنية للغاية.

وأضاف نعماني أن هذه الخسائر المؤلمة كانت بمثابة جرس إنذار لأفغانستان، لمراجعة اعتمادها شبه الكامل على منفذ واحد للتجارة الخارجية، قائلاً: “من رحم المحن تولد الفرص، وما نراه اليوم من تحرك نحو تنويع الأسواق هو تطور إيجابي يجب البناء عليه. الجميع يدرك الآن أن التعويل على باكستان لم يعد مجدياً، وأن إيجاد البدائل لم يعد خياراً بل ضرورة اقتصادية ملحة”.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ثلاثة + 12 =

زر الذهاب إلى الأعلى