الصحافة الإيرانية: تحرك إيران الفوري لمعالجة الأزمة بين طالبان وباكستان بات ضرورة استراتيجية
يعد تحرك إيران الفوري لمعالجة الأزمة بين طالبان وباكستان ضرورة استراتيجية لحماية أمنها القومي ومصالحها الحيوية. فطبيعة الأزمة المتقلبة تفرض على طهران عدم التأخر في المبادرة.

ميدل ايست نيوز: أجرى وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي اتصالات هاتفية مع نظيريه الباكستاني والأفغاني لبحث التوتر القائم بين البلدين. جاءت هذه المحادثات في وقت استأنفت فيه أفغانستان وباكستان يوم الخميس الماضي في تركيا الجولة الثانية من مفاوضات السلام بينهما، بهدف منع تصاعد الاشتباكات الأخيرة التي أودت بحياة عشرات الأشخاص في أكتوبر الماضي. ومع ذلك، أعلن كل من عطاء الله ترار، وزير الإعلام، وخواجه آصف، وزير الدفاع الباكستاني، فشل الجولة الجديدة من المفاوضات، مؤكدين أن إسلام آباد ما زالت متمسكة بموقفها تجاه مقاتلي حركة طالبان الباكستانية. وقال وزير الإعلام الباكستاني في بيان إن حكومة طالبان في أفغانستان لم تلتزم بتعهداتها، وسمحت لمقاتلي طالبان الباكستانيين باستخدام الأراضي الأفغانية ضد باكستان، مشيرًا إلى أن قادة هذه الجماعات موجودون داخل أفغانستان دون أن تُتخذ أي إجراءات ضدهم.
من جانبه، أرجع وزير الدفاع الباكستاني خواجه آصف فشل المحادثات إلى “عدم مرونة” وفد طالبان، مضيفًا أن استمرار الحوار دون تغيير موقف الجانب الأفغاني لا جدوى منه.
دخول سريع وفاعل من طهران
وقالت صحیفة شرق في تقرير لها، إنه في ظل فشل مفاوضات إسطنبول بين أفغانستان وباكستان، برزت الحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى دور إيراني نشط في الأزمة الحدودية شرق البلاد. ومع استمرار الخلافات بين الجارتين الشرقيتين واحتمال تجدد الاشتباكات، تتزايد التهديدات المباشرة لأمن الحدود الشرقية لإيران، خصوصًا في محافظة سيستان وبلوشستان، بما يحمله ذلك من تبعات إنسانية واقتصادية وأمنية لا يمكن تجاهلها. فالمناطق الحدودية الأفغانية، خاصة ولايات قندهار وننجرهار وخوست، لطالما كانت بؤرًا لنشاط الجماعات المسلحة والمتطرفة، وأي فراغ أمني هناك قد يتيح لهذه المجموعات استعادة قوتها، مع زيادة عمليات التهريب غير المشروعة للأسلحة والمخدرات. من هذا المنطلق، فإن استمرار فشل الحوار بين أفغانستان وباكستان يشكل تهديدًا مباشرًا للأمن القومي الإيراني وقد يؤدي إلى تسرب موجات من عدم الاستقرار إلى داخل البلاد.
تتمتع إيران، بحكم موقعها الجيوسياسي وعلاقاتها المتوازنة مع الطرفين، بقدرة خاصة على لعب دور الوسيط. فقد تمكنت طهران خلال السنوات الأخيرة من بناء علاقات إيجابية نسبيًا مع إسلام آباد في مجالات التجارة الحدودية والتعاون الأمني، وفي الوقت نفسه احتفظت بقنوات اتصال مباشرة وفعالة مع حكومة طالبان في كابل. هذا الوضع يمنح إيران فرصة أداء دور وساطة واقعي وفعّال، لا من منطلق سياسي فقط، بل بهدف حماية أمنها واستقرار حدودها الشرقية. ويمكن لهذه الوساطة أن تساهم على المدى القصير في منع اندلاع مواجهة جديدة بين البلدين، وعلى المدى البعيد في تعزيز مكانة طهران الدبلوماسية ضمن التوازنات الإقليمية في جنوب آسيا.
يعد تحرك إيران الفوري لمعالجة الأزمة بين طالبان وباكستان ضرورة استراتيجية لحماية أمنها القومي ومصالحها الحيوية. فطبيعة الأزمة المتقلبة تفرض على طهران عدم التأخر في المبادرة، لأن أي تأخير قد يؤدي إلى تفاقم التوترات وتصاعد أنشطة المسلحين وزيادة الاضطراب في المناطق الحدودية. ويتعين أن تشمل الخطوات الإيرانية اقتراح استضافة جولة جديدة من المفاوضات بين كابل وإسلام آباد، وتسهيل الحوار، وإنشاء آليات فعالة لمتابعة تنفيذ الاتفاقات المحتملة. هذه التحركات ينبغي أن تتم بسرعة وجدية لتجنب وقوع أزمة إنسانية وأمنية جديدة على الحدود.
كما يمكن للوساطة الإيرانية أن تسهم في الحد من التداعيات الاقتصادية والإنسانية للأزمة. فالتجارب السابقة أظهرت أن تصاعد النزاعات بين كابل وإسلام آباد يؤدي إلى موجات نزوح واسعة وتزايد في تهريب المخدرات، ما يشكل تهديدًا مباشرًا لاستقرار المحافظات الشرقية الإيرانية. ومن خلال انخراط نشط ومدروس، تستطيع إيران إدارة هذه التهديدات قبل أن تتحول إلى أزمة أعمق.
ختاماً، يعتمد نجاح إيران في دور الوساطة على تنسيقها الكامل بين الأجهزة الأمنية والدبلوماسية والإقليمية. هذا النهج لا يضمن فقط خفض التهديدات الحدودية بشكل فوري، بل يرسخ أيضًا صورة إيران كطرف مسؤول وفاعل في معادلات المنطقة. ومع احتمال كبير لتجدد الاشتباكات بين أفغانستان وباكستان، تجد طهران نفسها أمام ضرورة التحرك العاجل لحماية أمنها القومي وحدودها ومصالحها الحيوية، في خطوة لم يعد بالإمكان تأجيلها وينبغي أن توضع على رأس أولويات السياسة الخارجية الإيرانية.



