الصحافة الإيرانية: العراق ينتخب بهدوء نادر.. انتخابات قد تغيّر خريطة النفوذ والمصالح

الانتخابات البرلمانية في العراق، التي تُعدّ أهم حدث سياسي في البلاد، أُجريت أمس الثلاثاء 11 تشرين الثاني/نوفمبر.

اقرأ في هذا المقال
  • يُتوقّع أن يكون مفاجأة هذه الانتخابات محمد شياع السوداني، الذي لم يكن حتى قبل أربع سنوات شخصيةً معروفة بين القادة السياسيين العراقيين
  • يمكن القول إن أكبر الخاسرين في هذه الانتخابات قد يكون مقتدى الصدر، الذي أصرّ على مقاطعة الانتخابات، وواصل تصريحاته الحادة ضد العملية الانتخابية حتى قبل يومٍ واحد من إجرائها
  • يُتوقّع أن يبرز أسعد العيداني، محافظ البصرة المحبوب، كوجهٍ لافت في هذه الانتخابات. فهو يعتبر نفسه منافسًا جديًا للسوداني على رئاسة الوزراء
  • في المعسكر السني، يبرز محمد الحلبوسي، رئيس البرلمان السابق، بوصفه الطامح الأكبر
  • في الساحة الكردية، فتبدو المنافسة محتدمة أيضًا. فحزب الاتحاد الوطني الكردستاني بقيادة بافل طالباني عازم على استعادة احتكار منصب رئاسة الجمهورية

ميدل ايست نيوز: الانتخابات البرلمانية في العراق، التي تُعدّ أهم حدث سياسي في البلاد، أُجريت أمس الثلاثاء 11 تشرين الثاني/نوفمبر. وتُعتبر هذه الانتخابات واحدة من أهدأ الانتخابات خلال العقدين الماضيين في العراق، إذ لم تتأثر بأي حدث أو توتر أمني أو سياسي خاص، باستثناء حادثة أو اثنتين مشبوهتين ذواتي طابعٍ إرهابي، تحركت الحكومة العراقية فورًا للتحقيق في أبعادهما واعتقال الجناة.

وكتب المحلل السياسي ورئيس تحرير موقع “دبلوماسي إيراني” علي موسوي خلخالي في مقال، أنه كأي انتخابات حرة في العالم، فإن لهذه الانتخابات صعودًا وهبوطًا، ومفاجآت يمكن، إلى حدٍّ ما، التنبؤ مسبقًا ببعضها.

ومن الطبيعي أن يُتوقّع أن يكون مفاجأة هذه الانتخابات محمد شياع السوداني، الذي لم يكن حتى قبل أربع سنوات شخصيةً معروفة بين القادة السياسيين العراقيين، وقد وصل إلى السلطة بدعم من نوري المالكي، رئيس الوزراء الأسبق للعراق. وقد استطاع السوداني أن يكتسب شعبية واسعة بفضل أدائه الجيد في مجال التنمية وإعادة إعمار البلاد وتحسين الرفاه العام للمواطنين، فضلًا عن نجاحه في تجنيب العراق التورط في الحروب الإقليمية. وتشير استطلاعات الرأي والتقارير إلى أنه الشخصية السياسية الأكثر شعبية في العراق حاليًا.

يمكن القول إن أكبر الخاسرين في هذه الانتخابات قد يكون مقتدى الصدر، الذي أصرّ على مقاطعة الانتخابات

إلا أنه، وعلى خلاف الوعد الذي قطعه لقادة القوى الشيعية العراقية يوم اختياره رئيسًا للوزراء، شكّل تحالفًا سياسيًا ودخل به غمار الانتخابات، ما جعله في مواجهة عداء داعمه الأول نوري المالكي، الذي أصبح خصمًا سياسيًا شرسًا له، ولا يخفي أن هدفه الأساسي هو إزاحة محمد شياع السوداني من رئاسة الحكومة.

ومع ذلك، يُتوقّع أن يتمكن السوداني، بفضل التحالف الواسع الذي شكّله، من حصد نسبة كبيرة من أصوات المحافظات العراقية المختلفة، حتى في المناطق السنية التي قلّما اهتم القادة السياسيون العراقيون بالاستثمار السياسي فيها، وأن يحقق أكبر عدد من المقاعد في البرلمان.

وفي المقابل، يمكن القول إن أكبر الخاسرين في هذه الانتخابات قد يكون مقتدى الصدر، الذي أصرّ على مقاطعة الانتخابات، وواصل تصريحاته الحادة ضد العملية الانتخابية حتى قبل يومٍ واحد من إجرائها، ما جعله يبدو حاليًا أقل حضورًا وتأثيرًا في المشهد السياسي العراقي، خصوصًا أن جزءًا من قاعدته الانتخابية انتقل لدعم منافسيه، وعلى رأسهم السوداني. ومع ذلك، لا يمكن تجاهل قرارات الصدر المفاجئة والمؤثرة، رغم أنه، في ظل الوضع الراهن، يبدو من غير المرجح أن يخطط لأي تحرك تخريبي كبير.

وقالت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق، مساء الثلاثاء، إن نسبة المشاركة بالتصويت في الانتخابات البرلمانية بلغت 55% من إجمالي 20 مليوناً لهم حق التصويت.‎ ويعني ذلك تجدد أمل المجتمع العراقي بالإصلاح ومستقبل البلاد، مع ارتفاع سقف التوقعات من الحكومة المقبلة.

العراق يُتمّ الاستحقاق الانتخابي ومفاوضات صعبة تلوح في الأفق

الوجوه البارزة في هذه الانتخابات

بعد السوداني، من المتوقع أن يكون نوري المالكي ثاني أبرز شخصية شيعية في هذه الانتخابات. ورغم أن سجله السياسي لا يزخر بالإنجازات اللامعة، إلا أنه لا يزال يتمتع بشعبية لدى شريحة من المجتمع العراقي ويُعد شخصية كاريزمية ذات تأثير في أي تحرك سياسي.

كما يُتوقّع أن يبرز أسعد العيداني، محافظ البصرة المحبوب، كوجهٍ لافت في هذه الانتخابات. فهو يعتبر نفسه منافسًا جديًا للسوداني على رئاسة الوزراء، وقد يدخل غمار المنافسة معه بعد الانتخابات.

أما السيد عمار الحكيم، أحد أبرز شخصيات “إطار التنسيق الشيعي”، فيسعى إلى تعزيز موقع تحالفه في البرلمان وترسيخ حضوره السياسي، إلى جانب شخصيات أخرى مثل قيس الخزعلي وهادي العامري الذين يمكنهم لعب دور محوري في عملية تشكيل الحكومة بعد الانتخابات.

وفي المعسكر السني، يبرز محمد الحلبوسي، رئيس البرلمان السابق، بوصفه الطامح الأكبر. فقد صرّح مرارًا بأن السنة يجب أن يحصلوا على منصب رئاسة الجمهورية لتعزيز نفوذهم في المشهد السياسي العراقي. ويتوقع أن يحقق عددًا معتبرًا من المقاعد رغم المنافسة من شخصيات مثل خميس الخنجر ومثنى السامرائي.

أما في الساحة الكردية، فتبدو المنافسة محتدمة أيضًا. فحزب الاتحاد الوطني الكردستاني بقيادة بافل طالباني عازم على استعادة احتكار منصب رئاسة الجمهورية وفرض إرادته على الحزب الديمقراطي الكردستاني، بانتظار نتائج الانتخابات لحسم هذا الصراع.

يتوقع العديد من القوى والمراقبين السياسيين أن تكون هذه الانتخابات خطوةً نحو حسم عددٍ من القضايا الجوهرية في البلاد

حسم القضايا العالقة

يتوقع العديد من القوى والمراقبين السياسيين أن تكون هذه الانتخابات خطوةً نحو حسم عددٍ من القضايا الجوهرية في البلاد، من بينها ملف “الحشد الشعبي” ودور الفصائل المسلحة في الحياة السياسية، وهو الأمر الذي ترفضه الولايات المتحدة بشدة. فواشنطن تسعى بعد الانتخابات إلى الضغط على العراقيين لإخراج ممثلي الحشد من الساحة السياسية، ما يجعل الانتخابات بمثابة اختبارٍ لتوازن القوى في هذا الملف.

كما تأمل الولايات المتحدة وحلفاؤها في العراق في أن تسهم هذه الانتخابات في تقليص النفوذ الإيراني داخل الساحة السياسية العراقية.

من جهة أخرى، يسعى التيار السني إلى تعزيز ثقله السياسي، ويطمح إلى الظفر بمنصب رئاسة الجمهورية رغم محدودية صلاحياته التنفيذية، معتبرًا أن المنصب يرمز إلى النفوذ والمكانة.

أما الأكراد، فيرون في الانتخابات فرصةً لتوسيع هامش المناورة السياسية وانتزاع ما يعتبرونه حقوقًا مهضومة. وقد ألمح بعض قادتهم إلى استعدادهم للتخلي عن منصب رئاسة الجمهورية مقابل الحصول على رئاسة البرلمان، أملاً في التأثير على العملية التشريعية وتحقيق مكاسب أكبر للأكراد.

الصحافة الإيرانية: إلى أين يتجه المستقبل السياسي للعراق؟

اللاعبون الخارجيون

منذ نحو عقدين، تمارس كلٌّ من إيران والولايات المتحدة أكبر قدرٍ من التأثير على الساحة السياسية العراقية. غير أن هذا النفوذ يبدو الآن في مرحلةٍ حساسة. فبينما لا تنظر إيران حاليًا إلى الساحة العراقية كساحة صراعٍ مباشر، بل كمنطقة ينبغي منع تشكل توجهاتٍ معادية لها فيها، تسعى واشنطن لأن تكون هذه الانتخابات نقطة انطلاقٍ لتقليص نفوذ طهران، حتى وإن لم تكن الأخيرة راغبة في المواجهة.

من جهتها، تحاول تركيا، انطلاقًا من مصالحها الاقتصادية والأمنية في العراق، أن تلعب دورًا مؤثرًا في الانتخابات، وقد جاء اللقاء رفيع المستوى بين مسؤولي البلدين قبل أسبوعٍ من الاقتراع في هذا السياق، وإن كان تأثير أنقرة لا يرقى إلى مستوى اللاعبين الرئيسيين.

أما على الصعيد العربي، فيبدو أن الإمارات وقطر هما الأكثر سعيًا للتأثير، خصوصًا في الأوساط السنية، مع محاولات محدودة للتواصل مع بعض الشخصيات الشيعية. ومن المرجح أنهما ستنسقان مواقفهما مع واشنطن إذا اقتضت المصالح المشتركة ذلك.

هذه الانتخابات قد تعيد رسم ملامح السياسة العراقية وتوازنات القوة فيها، وستمهد لمرحلةٍ جديدة في البلاد، حيث ستكون المهمة الأهم بعد الاقتراع هي تشكيل الحكومة المقبلة، التي ستتولى رسم مستقبل العراق.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
ميدل ايست نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اثنان × 3 =

زر الذهاب إلى الأعلى