طهران وواشنطن بين رسائل متناقضة ومفاوضات مؤجلة: ثلاث سيناريوهات لمستقبل المحادثات

مع تصاعد التكهنات حول احتمال استئناف المحادثات النووية، تجد كلٌّ من طهران وواشنطن نفسيهما مجددًا في قلب لعبة معقدة من الرسائل المتناقضة والاتصالات غير المباشرة.

ميدل ايست نيوز: مع تصاعد التكهنات حول احتمال استئناف المحادثات النووية، تجد كلٌّ من طهران وواشنطن نفسيهما مجددًا في قلب لعبة معقدة من الرسائل المتناقضة والاتصالات غير المباشرة.

وحسب تقرير لصحيفة “دنياي اقتصاد” الإيرانية، فقد أكد عدد من المسؤولين الإيرانيين، من بينهم سعيد خطيب‌زاده وعباس عراقجي، استعداد طهران للتفاوض «في إطار المصالح الوطنية وتوجيهات القيادة العليا»، لكنهم شددوا على انعدام الثقة العميق في نوايا الولايات المتحدة. وبينما تزعم واشنطن أن إيران «ترغب في التوصل إلى اتفاق»، تؤكد طهران أن أي حوار لن يُعقد ما لم تُرفع العقوبات وتُضمن الحقوق النووية الإيرانية.

في هذا السياق، قال سعيد خطيب‌زاده، نائب وزير الخارجية الإيراني، خلال مشاركته في المنتدى الاستراتيجي بأبوظبي أمس، إنّ «الولايات المتحدة تبعث برسائل متناقضة عبر أطراف ثالثة بشأن المفاوضات النووية»، مؤكدًا أن «تحقيق أي اتفاق ممكن فقط في إطار توجيهات القيادة».

كما أكدت فاطمة مهاجراني، المتحدثة باسم الحكومة، تبادل رسائل حول المفاوضات، لكنها امتنعت عن ذكر التفاصيل. وفي تصريحات سابقة لقناة الجزيرة، شدد وزير الخارجية الإيراني على أن طهران «مستعدة للحوار لطمأنة المجتمع الدولي بشأن سلمية برنامجها النووي»، معتبرًا أن «التوصل إلى اتفاق عادل ممكن» شريطة عدم فرض أي شروط مسبقة من الجانب الأمريكي، كما أوضح عباس عراقجي.

أما إسماعيل بقائي، المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، فقال في مؤتمر صحفي إنّ «الاتصالات مع الأطراف المعنية لا تعني الدخول في مفاوضات»، مؤكداً وجود اتصالات غير مباشرة مع واشنطن خلال الأيام الأخيرة، لكنه أشار إلى أنّه «طالما استمرت المطالب المبالغ فيها، فلن تتوفر أرضية للحوار أو التفاهم».

وفي المقابل، زعم ستيف ويتكوف، المبعوث الأمريكي، في مقابلة مع شبكة CBS أنّ «الإيرانيين يتواصلون معنا ونحن مستعدون للتوصل إلى حل دبلوماسي طويل الأمد». غير أنّ إيران تؤكد مرارًا أنها لن تتفاوض تحت الضغط ولن تتخلى عن حقوقها المشروعة بموجب معاهدة حظر الانتشار النووي (NPT).

رفع العقوبات… مطلب مشروع

في الوقت نفسه، تصاعدت التصريحات من الجانبين حول رفع العقوبات. فقد قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يوم الجمعة في البيت الأبيض إنّ «إيران تساءلت عمّا إذا كان يمكن رفع العقوبات»، مضيفًا أنّ بلاده «مستعدة للاستماع» إلى هذا الطلب. وردًّا على ذلك، شدّد بقائي على أنّ رفع العقوبات «مطلب مشروع للشعب الإيراني»، وليس «منّةً من الولايات المتحدة أو غيرها»، مؤكدًا أن العقوبات المفروضة «جريمة ضد الإنسانية بسبب آثارها على حياة المواطنين وحقوقهم الأساسية».

ونقلت وكالة رويترز عن نائب وزير الخارجية الإيراني تأكيده أن إيران لن تساوم على قضايا الأمن القومي، مشددًا على أنّ بلاده «لا تسعى إلى امتلاك أسلحة نووية» وتفخر ببرنامجها القائم على القدرات الذاتية.

وفي الأيام الأخيرة، وبعد اعتراف ترامب بمسؤوليته عن العدوان الإسرائيلي على إيران، عاد الرئيس الأمريكي لاإنّ «الإيرانيين يريدون التوصل إلى اتفاق»، بينما ردّ بقائي بأنّ «الولايات المتحدة تقول إنها تريد اتفاقًا، لكنها لا تتخذ أي خطوة عملية وتتصرف على النقيض تمامًا»، مشيرًا إلى أنّ «عدم الجدية وغياب حسن النية بات واضحين».

وبالرغم من مشاركة إيران في اتصالات دبلوماسية غير مباشرة مع إدارة ترامب، إلا أنّها ترى أن واشنطن خانَت الدبلوماسية بمشاركتها المباشرة في الهجوم الإسرائيلي الذي استهدف منشآت نووية في أصفهان ونطنز وفردو، وهو الهجوم الذي أعلن ترامب أنه «دمّر البرنامج النووي الإيراني»، مطالبًا بما سماه «صفر تخصيب».

رسائل تهدئة إلى الجوار

وفي المقابل، أكد خطيب‌زاده خلال منتدى أبوظبي أن طهران تسعى لتحسين علاقاتها مع دول الجوار، مشيرًا إلى أن العلاقات مع السعودية تمرّ بمرحلة استقرار بعد المصالحة برعاية الصين، فيما أبدت دول الخليج الأخرى، منها البحرين وعُمان وقطر، اهتمامًا باستئناف الحوار الإيراني–الأمريكي.

السيناريوهات المحتملة

وفق التحليلات الإيرانية، هناك ثلاثة مسارات محتملة لتطور المشهد الدبلوماسي:

  1. السيناريو الأول: العودة المنضبطة إلى طاولة المفاوضات — حيث تُترجم الاتصالات غير المباشرة، عبر وساطة محتملة من عُمان أو قطر أو الإمارات، إلى محادثات رسمية غير مباشرة تركز على رفع جزئي للعقوبات مقابل تقييد مستوى التخصيب النووي واستئناف تفتيش الوكالة الدولية للطاقة الذرية. هذا السيناريو قد يؤدي إلى اتفاق مؤقت أو تفاهم تنفيذي يعيد الثقة تدريجيًا.
  2. السيناريو الثاني: استمرار الوضع القائم — يبقى الطرفان في دائرة الإشارات السياسية دون حوار حقيقي، مع استخدام طهران للاتصالات المحدودة وواشنطن لأداة العقوبات. النتيجة المحتملة هي مزيد من انعدام الثقة وتراجع فرص الحل الدبلوماسي، مقابل صعود دور الأطراف الثالثة كالسعودية وروسيا والصين.
  3. السيناريو الثالث: التصعيد وانهيار المسار الدبلوماسي — وهو الاحتمال الذي قد يتحقق في حال فشل الاتصالات وزيادة الضغط الأمريكي أو الاستفزازات الإسرائيلية، ما يدفع طهران إلى تسريع أنشطتها النووية. عندئذٍ، قد تتجه الأوضاع نحو مواجهة جديدة في الخليج، واحتمال إعادة الملف الإيراني إلى مجلس الأمن، مع تعزيز التقارب الإيراني مع الشرق، خصوصًا الصين وروسيا.

بهذه المعادلة المعقدة من الضغوط والعروض والمخاوف المتبادلة، يبقى مستقبل المفاوضات النووية رهين التوازن بين الصبر الإيراني والحسابات الأمريكية، في وقتٍ يتزايد فيه الإدراك الإقليمي بأن أي انزلاق جديد سيُشعل جبهة الشرق الأوسط بأكملها.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
ميدل ايست نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أربعة عشر − 9 =

زر الذهاب إلى الأعلى