كيف تحوّلت تركيا إلى لاعب سياسي في بغداد ودمشق؟

يشبه النفوذ المتصاعد لتركيا في العراق وسوريا عام 2025 موجةً تتدفق من سهول كردستان نحو دمشق وبغداد، مستخدمةً أدوات متعددة مثل العمليات العسكرية والمشاريع الاقتصادية والدبلوماسية النشطة.

ميدل ايست نيوز: يشبه النفوذ المتصاعد لتركيا في العراق وسوريا عام 2025 موجةً تتدفق من سهول كردستان نحو دمشق وبغداد، مستخدمةً أدوات متعددة مثل العمليات العسكرية والمشاريع الاقتصادية والدبلوماسية النشطة، لتكرّس نفسها لاعباً محورياً في مواجهة تهديدات حزب العمال الكردستاني وتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام. وقد ازداد هذا النفوذ بشكل لافت منذ عام 2024، مع سقوط نظام الأسد والتغيرات الجيوسياسية التي شهدها الشرق الأوسط، مما جعل تركيا تحل تدريجياً محل إيران في النفوذين السياسي (مثل دعم الحكومات المحلية) والاقتصادي (كالتجارة والبنية التحتية).

أخطاء استراتيجية في السياسة الخارجية

تعود جذور النفوذ التركي إلى تسعينيات القرن الماضي، حين بدأت أنقرة عملياتها ضد حزب العمال الكردستاني في شمال العراق. غير أنه في عام 2025، ومع تفكك الحزب، تحوّل المسار التركي من العمل العسكري إلى النفوذ السياسي والاقتصادي. ويُعد مشروع “طريق التنمية” الممتد من ميناء الفاو – أكبر موانئ الشرق الأوسط بسعة 90 رصيفاً والمكتمل عام 2025 – إلى الحدود التركية، والمموّل بدعم من قطر والإمارات، أحد أبرز مظاهر هذا التحول. فقد أصبح المشروع بديلاً للنفوذ الإيراني، محوّلاً العراق إلى محور ترانزيت إقليمي. لكن ما هي أهداف أنقرة من وراء هذا التمدد؟

النفوذ التركي في العراق: إحلال تدريجي محل إيران بأدوات أمنية واقتصادية

في العراق، يتمدد النفوذ التركي بهدوء وثبات من الحدود الشمالية نحو قلب بغداد. وفي عام 2025، بفضل العمليات ضد حزب العمال الكردستاني وتنظيم الدولة الإسلامية، باتت تركيا البديل الأبرز للنفوذ الإيراني سياسياً واقتصادياً.
تسعى أنقرة من خلال هذه السياسة إلى احتواء حزب العمال الكردستاني وتأمين الوصول إلى السوق العراقية التي تبلغ طاقتها التجارية نحو 30 مليار دولار. وعلى الصعيد الاقتصادي، أصبح مشروع طريق التنمية وسيلة لفك ارتباط العراق بالاقتصاد الإيراني. أما في الجانب الأمني، فتركيا تضمن الاستقرار عبر عملياتها ضد داعش، وتحاول الموازنة في علاقتها مع حكومة إقليم كردستان العراق.

سياسياً، وقّع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال زيارته إلى بغداد 26 اتفاقاً، بينها اتفاق أمني يستهدف حزب العمال الكردستاني، بهدف تقليص نفوذ طهران من خلال دعم المكوّن السني في الموصل. وتتمثل الأهداف التركية في تأمين الحدود وكبح نشاط الحزب الكردستاني من جهة، وتعزيز نفوذها السياسي عبر دعم الحكومة المركزية من جهة أخرى، لتصبح طريق التنمية جسراً يربط العراق بأوروبا بديلاً عن المسار الإيراني.

ويشير “مجلس العلاقات الخارجية” في تحليله إلى أن أنقرة ضاعفت نفوذها من خلال مزيج من الحسابات العقلانية، المتمثلة في الوصول إلى سوق عراقية بقيمة 300 مليار دولار، والإدراك الأمني لحزب العمال الكردستاني كتهديد وجودي، لكنها ما تزال تواجه خطر التوتر مع إيران بسبب الخلاف حول دور “الحشد الشعبي” بين الإبقاء عليه أو تهميشه. وهكذا يتجه العراق تدريجياً من الارتهان لطهران إلى الارتباط بتركيا.

النفوذ التركي في سوريا: إحلال محل إيران عبر الأدوات العسكرية والسياسية

في عام 2025، استخدمت تركيا مؤسسات إقليمية مثل منظمة التعاون الاقتصادي (ECO) كأداة للنفوذ في العراق وسوريا. ووفقاً لتقرير مركز الدراسات الاستراتيجية في أنقرة، أدت الاتفاقات التجارية الجديدة عبر المنظمة إلى رفع حجم التبادل مع إقليم كردستان العراق بنسبة 40%، كما عززت المؤسسات الحدودية المشتركة. في المقابل، تسعى إيران عبر منظمة شنغهاي للتعاون (SCO) إلى توسيع حضورها الإقليمي، إذ تُظهر بيانات “معهد السلام الأمريكي” أن عضويتها في المنظمة زادت من نفوذها في كازاخستان، بينما تحاول تركيا موازنة هذا النفوذ باستثمارات تتجاوز ملياري دولار في قطاعات التعليم والبنى التحتية في أوزبكستان وتركمانستان.

أما في الساحة السورية، فدعم أنقرة لفصائل المعارضة، بما في ذلك “هيئة تحرير الشام”، يتم وفق حسابات استراتيجية رغم تكلفته السياسية. ويشير تقرير مجلس العلاقات الخارجية إلى أن هذا الدعم قلّص من نفوذ “قوات سوريا الديمقراطية” (SDF) ومنح تركيا منفذاً إلى سوق سورية تُقدّر قيمتها بـ15 مليار دولار. كما يؤكد تحليل مركز الدراسات السياسية في أنقرة أن تصور القيادة التركية لحزب العمال الكردستاني كتهديد وجودي هو الدافع الأساسي وراء سياساتها في المنطقة. وقد انعكس ذلك في خطاب أردوغان في أبريل 2024 الذي شدد فيه على “الطبيعة الإرهابية” للحزب، ما مهّد لعقد اتفاقيات أمنية مع بغداد في العام نفسه.

وترى أنقرة في قوات سوريا الديمقراطية امتداداً لحزب العمال الكردستاني في سوريا، وفق تصريحات وزير الخارجية التركي هاكان فيدان في فبراير 2025، الأمر الذي يبرر استمرار عملياتها العسكرية شمال البلاد.

في المحصلة، بات النفوذ التركي المتزايد في العراق وسوريا عبر الأدوات العسكرية والاقتصادية عام 2025 من الحقائق الجيوسياسية الجديدة في المنطقة. لكن هذا النفوذ يواجه تحديات متصاعدة، من بينها وجود جماعات المقاومة وتنامي المنافسة مع إيران وروسيا، ما يجعل استدامته موضع تساؤل. ومع ذلك، تبدو تركيا اليوم أحد أبرز الفاعلين الإقليميين في رسم توازن القوى وصياغة مستقبل الشرق الأوسط في عام 2025.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
ميدل ايست نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تسعة + خمسة عشر =

زر الذهاب إلى الأعلى