حفر الآبار لمواجهة الجفاف في العراق سلاح ذو حدين

تعيش محافظة ميسان جنوب العراق واحدة من أقسى موجات الجفاف منذ أكثر من أربعة عقود، بعدما تراجعت الإطلاقات المائية في نهر دجلة عن معدلاتها الطبيعية.

ميدل ايست نيوز: تعيش محافظة ميسان جنوب العراق واحدة من أقسى موجات الجفاف منذ أكثر من أربعة عقود، بعدما تراجعت الإطلاقات المائية في نهر دجلة عن معدلاتها الطبيعية، وجفّت نحو 60% من الأنهار التي تغذي القرى والأرياف.

هذا الواقع أجبر آلاف المزارعين على حفر آبار أرتوازية يتراوح عمقها بين 80 و150 متراً لتأمين احتياجاتهم الزراعية والمنزلية، رغم ملوحة المياه التي تجاوزت 4000 جزء في المليون، ما يجعلها غير صالحة للشرب، حسب خبراء في قطاع الزراعة.
ومع انعدام البدائل السطحية وغياب الحلول العاجلة، باتت الآبار تمثل طوق النجاة الوحيد، في وقت يحذر فيه متخصصون من أن الاعتماد المفرط عليها يهدد بانخفاض حاد في منسوب المياه الجوفية، وينذر بأزمة بيئية وزراعية متفاقمة.

وكانت الهيئة العامة للمياه الجوفية قد باشرت تنفيذ حملة عاجلة لحفر مجموعة من الآبار لتوفير المياه في المحافظة، استجابةً لنداء الاستغاثة الذي أطلقته عدة قرى في قضاء الكميت بمحافظة ميسان بسبب الجفاف.

جفاف غير مسبوق

قال رئيس اتحاد الجمعيات الفلاحية في محافظة ميسان، كريم حطّاب جيجان، إن الفلاحين اضطروا خلال الأشهر الماضية إلى حفر عشرات الآبار الأرتوازية في مختلف مناطق المحافظة بعد أن جفّت السواقي وتراجعت الإطلاقات المائية في نهر دجلة إلى مستويات غير مسبوقة.

وأوضح جيجان خلال حديثه لـ”العربي الجديد”، أن هذه الآبار جاءت حلاً اضطرارياً لتأمين جزء من احتياجات السكان والمزارعين، لكنها غير كافية ولا تحقق سوى الحد الأدنى من المتطلبات الزراعية.

وأضاف أن المياه المستخرجة من أغلب الآبار مالحة وغير صالحة للاستخدام البشري، ما فاقم معاناة الأهالي الذين يعانون أصلاً من شحّ حاد في الموارد السطحية، مشيراً إلى أن العديد من القرى والأرياف جفت بالكامل وتوقفت فيها الزراعة تماماً.
ودعا جيجان، هيئة المياه الجوفية التابعة لوزارة الموارد المائية إلى التدخل العاجل لتوسعة الآبار وزيادة أعماقها، وإنشاء محطات لتحلية المياه في المناطق المتضررة، مؤكداً أن إنقاذ ميسان من الجفاف بات يتطلب حلولاً جذرية لا إجراءات مؤقتة.

تهديد خطير

قال عضو لجنة الزراعة والمياه النيابية رفيق الصالحي، إن محافظة ميسان تمثل اليوم نموذجاً صارخاً لحجم الأزمة المائية التي تعيشها البلاد، بعد أن تراجعت مناسيب نهر دجلة إلى أدنى مستوياتها منذ عقود، ما أجبر المزارعين على حفر الآبار الارتوازية لتأمين مياه الري والشرب.

وأوضح الصالحي لـ”العربي الجديد”، أن الاعتماد المفرط على المياه الجوفية بات يشكّل تهديداً خطيراً، إذ تشير البيانات إلى انخفاض منسوبها في أكثر من 40 منطقة عراقية، بعضها فقد آباره بالكامل، فيما اضطر آخرون لحفرها لأعماق إضافية تراوحت بين 30 و50% بسبب الجفاف والتغيرات المناخية.

وأضاف، أن الوضع في ميسان يستدعي تدخلاً عاجلاً، لأن المياه الجوفية التي تُعد شريان الحياة لسكان القرى والأرياف تتعرض لاستنزاف متسارع، في ظل توقف الينابيع الطبيعية وجفاف الجداول الفرعية.

ظاهرة مقلقة

من جانبه، قال الخبير المائي، عادل المختار، إن لجوء السكان والمزارعين في ميسان ومناطق أخرى من العراق إلى حفر الآبار الأرتوازية أصبح ظاهرة مقلقة تعكس عمق أزمة إدارة الموارد المائية في البلاد، مبيناً أن الاعتماد المفرط على المياه الجوفية من دون رقابة أو تنظيم علمي سيقود إلى نتائج كارثية في المدى القريب.

وأوضح المختار، أن العراق يعيش حالياً مرحلة استنزاف مائي مزدوج، بسبب تراجع إطلاقات المياه السطحية من دول المنبع، في حين يجري سحب المياه من الطبقات الجوفية بوتيرة تفوق قدرتها على التعويض الطبيعي بأربع إلى خمس مرات.

وأضاف لـ”العربي الجديد”، أن كثيراً من الآبار التي حُفرت في الجنوب تُستخرج منها مياه مالحة أو تحتوي على نسب كبريتية مرتفعة ونسبة ملوحة تجاوزت 4000 جزء في المليون، ما يجعلها غير صالحة للاستخدام البشري وقد تؤثر سلباً على التربة الزراعية مع مرور الوقت.

وشدّد المختار على أن الحل لا يكمن في التوسع بالحفر، إنما من خلال وضع خطط وطنية شاملة لإعادة تغذية المخزون الجوفي، وإنشاء مشاريع حصاد مائي ومعالجة مياه لتأمين بدائل مستدامة، محذّراً من أن استمرار الوضع الراهن قد يؤدي إلى تصحّر مناطق زراعية واسعة في عموم العراق.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ستة عشر + تسعة =

زر الذهاب إلى الأعلى