رفع أسعار الوقود في إيران.. ملف شائك واختبار سياسي للرأي العام

تظهر تجربة كل الزيادات السابقة في أسعار المحروقات في إيران أن الحكومات تتحدث دائماً عن «إدارة الاستهلاك»، لكنها عملياً تسعى إلى «تعويض عجز الموازنة».

ميدل ايست نيوز: تظهر تحركات البرلمان الإيراني وتصريحات نائب الرئيس الإيراني للشؤون التنفيذية بشأن ضرورة رفع أسعار المحروقات في البلاد، أن الحكومة الإيرانية عازمة على تنفيذ “تعديل سعري”، وأن تطبيق ثلاثة أسعار للبنزين أصبح قراراً جدياً، إلا أن السؤال الأهم يبقى: إلى أي مدى سيساهم هذا القرار في تعويض عجز الموازنة، وما حجم الضغط الإضافي الذي سيفرضه على حياة المواطنين الإيرانيين؟

وقال موقع رويداد 24، إن طرح موضوع «ثلاثة أسعار للبنزين» أعاد سياسة الوقود إلى واجهة الرأي العام، خصوصاً أنه يأتي في شهر نوفمبر، الشهر الذي يحمل ذكريات احتجاجات عام 2019. الحكومة لم تُعلن القرار رسمياً بعد، لكن الأحاديث الجانبية جدية؛ ومع التصريحات الصريحة لقائم‌ بناه (نائب الرئيس الإيراني) بشأن ضرورة رفع سعر البنزين، لا يبدو أن الهدف سوى تهيئة الرأي العام لجولة جديدة من التعديلات السعرية. لكن ما الهدف هذه المرة؟ تقليل الاستهلاك؟ دعم الموازنة؟ أم عبور خط أحمر أثبتت التجربة أن لا المجتمع قادر على تحمله ولا الحكومة قادرة على إدارة تبعاته؟

ثلاثة أسعار: سياسة غامضة بهدف واضح

«المعطيات المؤكدة تفيد بأن الحكومة تعتزم فرض ثلاثة أسعار على البنزين في بطاقات المحطات». هذا ما قاله مالك شريعتي، عضو لجنة الطاقة في البرلمان الإيراني، وإن جاء كلامه بحذر، إلا أنه كافٍ لتحريك الأسواق والرأي العام.

تطبيق ثلاثة أسعار يعني إضافة مستوى سعري جديد بعد البنزين المدعوم والسعر الحر البالغ 3000 تومان؛ مستوى لا يستهدف ضبط الاستهلاك، بل زيادة إيرادات الحكومة. وتظهر تجربة كل الزيادات السابقة في أسعار المحروقات في إيران أن الحكومات تتحدث دائماً عن «إدارة الاستهلاك»، لكنها عملياً تسعى إلى «تعويض عجز الموازنة».

قائم‌ بناه وتكرار السياسة المألوفة: الزيادة هي الوصفة الوحيدة

قال محمد جعفر قائم‌ بناه، نائب الرئيس الإيراني للشؤون التنفيذية، بوضوح إن «الكهرباء والغاز والبنزين يجب أن ترتفع أسعارها». وأكد أنه لا فرق إن كانت حكومة بزشكيان أو أي حكومة أخرى؛ أي أن الحكومة تريد إيصال رسالة مفادها أن «هذا القرار لا يمكن تجنّبه».

لكن السؤال هو: لماذا باتت «الزيادة السعرية» الوصفة الوحيدة لدى الخبراء الحكوميين؟ لماذا لا يطرح أحد أن إدارة الاستهلاك تعني تحسين أسطول النقل، ورفع كفاءة المصافي، والسيطرة على شبكات التهريب، وإصلاح منظومة التوزيع؟

عندما تكون أسهل الطرق للحكومة هي الأكثر ضغطاً على المواطنين، يصبح من الواضح أن القضية تتجاوز الاقتصاد إلى أبعاد اجتماعية وسياسية.

مكاسب للدولة… وضغط على الناس

رفع سعر البنزين سيخفف بلا شك جزءاً من العبء المالي عن الدولة، لكنه في المقابل سيصيب حياة الناس مباشرة.

في الاقتصاد الإيراني، ارتفاع سعر البنزين يرفع كلفة النقل؛ وارتفاع كلفة النقل يطلق موجة تضخم تطال أسعار السلع الاستهلاكية كلها. والتجربة السابقة تُظهر أن أي زيادة — ولو بسيطة — تؤدي إلى تغييرات واسعة في الأسعار على نحو يشبه تأثير «قطع الدومينو».

في المقابل، ما الذي تكسبه الحكومة؟ اعتماداً على وضع ثلاثة أسعار، تكسب عشرات آلاف المليارات من التومانات. لكن هذه الإيرادات، كما أثبتت التجربة، ليست فعّالة بشكل كافٍ، لأن التضخم الناتج عن هذه السياسة يُضعف القدرة الشرائية للمواطنين، ويجبر الحكومة لاحقاً على اتخاذ إجراءات دعم مكلفة من جديد.

التبعات السياسية والاجتماعية: لماذا نوفمبر أخطر توقيت لطرح هذا الموضوع؟

أن ينتشر خبر التسعيرات الثلاث في نوفمبر—وهو ذكرى واحدة من أكثر الاحتجاجات حساسية خلال العقود الأربعة الماضية في إيران—لا يبدو في نظر الرأي العام أمراً عفوياً. الحكومة تقول إن الأمر صاحبه نقاش تقني، لكن المجتمع يقرأ رسالة مختلفة: إما أن الحكومة غير مكترثة لحساسية الإيرانيين التاريخية، أو أنها تتعمد إظهار أنها لا تخشى تجاوز الخطوط الحمراء. وكلا التفسيرين ينطوي على مخاطر.

يسأل الناس في إيران بحق: لماذا يُطرح قرار بهذه الحمولة الاجتماعية الكبيرة في ذروة الحساسية العامة؟ هل هو اختبار لرد فعل المجتمع؟ أم استعراض للقوة؟

أياً يكن، النتيجة واضحة: تتسع الفجوة بين الدولة والمجتمع، ويُستنزف ما تبقى من الثقة العامة—التي هي أصلاً في أدنى مستوياتها التاريخية.

سياسة لا توقيتها مناسب ولا طريقتها

إذا كان من المفترض أن تشكّل «التسعيرات الثلاث للبنزين» مشروعاً اقتصادياً في أفضل الظروف، فقد تحولت الآن إلى قضية سياسية واجتماعية.

فالحكومة لم تجرِ حواراً حقيقياً مع المواطنين، ولم تقدّم بديلاً، ولم تعطِ أي ضمانات لاحتواء الموجة التضخمية.

وفي ظل هذه الظروف، فإن الإعلان عن زيادة جديدة في أسعار المحروقات يحمل رسالة واحدة: أن عبء الأزمات ما زال يقع على كاهل المواطنين، وأن الحكومة تختار الطريق الأسهل لنفسها والأقسى على الناس.

وإذا كانت الحكومة تعتزم إصلاح سياسة الوقود فعلاً، فعليها أن تدرك أن «رفع الأسعار دون إصلاح البنية» ليس إصلاحاً ولا إدارة للاستهلاك؛ بل مجرد نقل للأزمة من دوائر الموازنة إلى موائد الإيرانيين.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
ميدل ايست نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

10 + عشرين =

زر الذهاب إلى الأعلى