سباق التسلّح الجوي يطوّق إيران: جيرانها يتقدّمون بطائرات الجيلين الرابع والخامس
بنت معظم دول الجوار الإيراني أو هي في طور بناء قوات جوية مزودة بمقاتلات أكثر تطوراً، في ما يسلّط الضوء على حاجة طهران الملحّة إلى تحديث قدراتها الجوية.
ميدل ايست نيوز: كانت القوات الجوية الإيرانية المتقادمة شبه عاجزة أمام نظيرتها الإسرائيلية خلال الحرب التي استمرت 12 يوماً في يونيو. وعلى مقربة من حدودها، بنت معظم دول الجوار الإيراني أو هي في طور بناء قوات جوية مزودة بمقاتلات أكثر تطوراً، في ما يسلّط الضوء على حاجة طهران الملحّة إلى تحديث قدراتها الجوية.
فحسب تقرير لمجلة “فوربس” استعرضت أذربيجان مقاتلاتها الجديدة من طراز JF-17C بلوك 3، التي حصلت عليها مؤخراً من باكستان، خلال عرض عسكري في 8 نوفمبر. وقد طلبت باكو 40 طائرة من هذا الطراز المتقدم، والمزوّد برادارات مصفوفة ممسوحة إلكترونياً، إلى جانب قدرات أحدثها قدرة إطلاق صاروخ PL-15E الصيني بعيد المدى جو-جو، وهو الصاروخ نفسه الذي استخدمته باكستان لإسقاط مقاتلة “رافال” فرنسية الصنع تابعة للهند خلال اشتباكات مايو الماضي.
ولا تزال المقاتلة الأكثر تقدماً في الترسانة الإيرانية هي F-14A تومكات الأميركية الصنع التي حصلت عليها طهران في سبعينيات القرن الماضي. وقد تسلّمت إيران 79 طائرة قبل ثورة 1979، وما يزال بضع عشرات منها في الخدمة حتى اليوم. كانت الـF-14 متطورة جداً في زمانها، مع رادار AWG-9 وصاروخ AIM-54 فينكس الذي مثّل نقلة نوعية في القتال خارج مدى الرؤية، بقدرة على إصابة أهداف على بعد يصل إلى 100 ميل. طوّرت إيران نسخة محلية من الفينكس تحمل اسم فاكور-90.
لكن أياً من هذه الصواريخ لا يمتلك مدى الـ120 ميلاً المقدّر للـPL-15E. ورغم عدم وجود مؤشرات حتى الآن على أن أذربيجان قد حصلت أو ستحصل على هذه الصواريخ، إلا أن الأمر لن يكون مفاجئاً، خصوصاً بعد تسلّم باكو أنظمة الدفاع الجوي الاستراتيجية HQ-9BE من الصين.
إلى الشرق من إيران، أبرمت تركيا صفقة للحصول على 44 مقاتلة يوروفايتر تايفون من الفئتين 3A و4، مع صواريخ ميتيور بعيدة المدى التي يتجاوز مداها 120 ميلاً، وهي مقاتلات من الجيل 4.5 مزوّدة كذلك برادارات AESA حديثة. كما تأمل أنقرة في الحصول على 40 طائرة شبحية أميركية من طراز F-35 في المستقبل القريب، إلى جانب تطويرها مقاتلة شبحية محلية هي TF كآن.
وتسعى السعودية أيضاً للحصول على الـF-35. وقبيل زيارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان للبيت الأبيض، ظهرت تقارير تفيد بأن الرياض تطلب 48 طائرة من هذا الطراز. إلا أن مسؤولين أميركيين يخشون من مخاطر تعرّض التكنولوجيا المتقدمة للتجسس الصيني، فضلاً عن أن إسرائيل تشترط ربط الصفقة بالتطبيع مع المملكة.
مع ذلك، لا يمكن استبعاد احتمال إتمام الصفقة في المستقبل غير البعيد في ظل الإدارة الأميركية الحالية، وهي صفقة من شأنها تعزيز قوة سلاح الجو السعودي، الذي يشغّل بالفعل عدداً كبيراً من مقاتلات الجيل 4.5 الغربية المتقدمة.
أما قطر، فقد راكمت خلال العقد الماضي أسطولاً يقارب 100 مقاتلة من الجيل 4.5 من ثلاثة أنواع: يوروفايتر، ورافال، وF-15QA الأميركية المتقدمة. وفي الإمارات، كانت أبوظبي أول من حصل على مقاتلات F-16 أكثر تطوراً من تلك التي يستخدمها سلاح الجو الأميركي في العقد الأول من الألفية. ورغم تعليق صفقة الـ50 طائرة F-35 التي وُقّعت نهاية إدارة ترامب الأولى، طلبت الإمارات 80 مقاتلة رافال F4 من فرنسا في 2021، وستزوّد بصواريخ ميتيور وذخائر متقدمة أخرى، في صفقة تضاهي من حيث الحجم صفقة F-14 الإيرانية التاريخية قبل 50 عاماً.
الدول الأضعف جوياً بين جيران إيران ليست مرشحة لتصبح خصوماً لها. الاستثناء هو أفغانستان الخاضعة لحكم طالبان، لكنها لا تمتلك مقاتلات، وقواتها الجوية ضعيفة للغاية ولا تشكّل تهديداً فعلياً لإيران.
أما في الشمال، فالعلاقات بين إيران وتركمانستان ودّية، وسلاح الجو التركماني يكاد يكون معدوماً ولا يضم مقاتلات، بل طائرات هجوم أرضي فقط من طراز Su-25. كما تحافظ أرمينيا على علاقات طيبة مع طهران، وتمتلك إلى جانب الـSu-25 أربع مقاتلات فقط من طراز Su-30SM الحديثة.
وفي العراق، الذي يرتبط بعلاقات وثيقة مع إيران، يضم الأسطول الجوي 34 مقاتلة F-16IQ أكثر تطوراً من أي طائرة حصلت عليها إيران منذ عقود، لكنها تعاني من مشكلات صيانة مزمنة. وتشير تقارير إلى أن بغداد تخطط لشراء نحو 12 مقاتلة رافال فرنسية.
ويبقى العامل الباكستاني. فمن الجدير التذكير بأن سلاح الجو الباكستاني كان آخر من شن غارة على إيران قبل الغارات الإسرائيلية والأميركية في يونيو وضربات إسرائيل في أبريل وأكتوبر 2024، وهو الأول منذ عراق صدام حسين في الثمانينيات. فبعد أن ضربت إيران أهدافاً تقول إنها تابعة لمسلحين داخل باكستان بطائرات مسيّرة وصواريخ باليستية في يناير 2024، ردت إسلام آباد بغارات نفذتها مقاتلات مزوّدة بذخائر تُطلق من خارج مناطق الدفاعات، مستهدفة مواقع لمسلحين داخل الأراضي الإيرانية، في ردّ مماثل. وقد أظهر ذلك كيف استثمرت باكستان بكثافة في القوة الجوية التقليدية، بينما تعتمد إيران على الصواريخ و”الدرونز” محلية الصنع.
وبالإضافة إلى الـJF-17 التي طورتها باكستان مع الصين، اشترت إسلام آباد 36 مقاتلة J-10C الصينية المتقدمة. وأطلقت إحدى هذه المقاتلات صاروخ PL-15 الذي أسقط الرافال الهندية في مايو.
وتشير مؤشرات أخرى إلى احتمال حصول باكستان مستقبلاً على مقاتلات J-35 الشبحية الصينية من الجيل الخامس، مع تقارير عن عرض بكين بيع 40 طائرة. إلا أن هذه المقاتلة ما تزال قيد التطوير، ومن غير المرجّح أن تتسلمها باكستان قبل الثلاثينيات، إن قررت شراءها فعلاً.
وسط هذه التطورات، كشفت وثائق دفاعية روسية مسرّبة، نشرها موقع “بلاك ميرور” في أكتوبر، عن طلب إيراني لشراء 48 مقاتلة Su-35 فلانكر بقيمة تتراوح بين 5 و6 مليارات يورو. ويبدو أن التسريب يؤكد تقريراً نشره الصحافي الإيراني سعيد عظيمي عام 2023 قال فيه إن إيران سدّدت “كامل ثمن” 50 مقاتلة بحلول عام 2021.
لكن حتى في حال إنجاز الصفقة، فلن يغيّر ذلك كثيراً في ميزان القوة الجوية في الخليج أو أمام سلاح الجو الإسرائيلي المتقدّم عالمياً. وإذا كان لهذه الصفقات الإقليمية الضخمة من مقاتلات الجيل 4.5 والخامس من دلالة، فهي أن 48 طائرة Su-35 ليست سوى الحد الأدنى الضروري لإيران كي لا تُستبعَد تماماً من معادلة التفوق الجوي.



