الصحافة الإيرانية: لماذا لم يقدم الوجود الصيني الاقتصادي في إيران نتائج بعد عقدين من الزمن؟

تبيّن أن أبرز التحديات المشتركة في جميع المشاريع الصينية في إيران كانت عدم فتح الاعتماد المستندي وغياب التأمين على الصادرات والعقوبات الأمريكية وتخوّف البنوك الصينية من التعامل المالي مع إيران.

ميدل ايست نيوز: كانت الصين خلال العقدين الماضيين واحدة من أبرز الشركاء الاقتصاديين لإيران، إذ شاركت في مشاريع كبرى بمجالات الطاقة والبنية التحتية والنقل وغيرها. ومع ذلك، تُظهر مراجعة مسار الاستثمار الصيني في إيران أن عدداً محدوداً فقط من المشاريع وصل إلى مرحلة الإنجاز، فيما بقي الحضور الفعلي للصين في بعض القطاعات أقل بكثير مما يبدو في الخطاب السياسي أو الإعلامي، رغم الاهتمام المتزايد بملف الاستثمار الأجنبي وارتباطه بمسار الاقتصاد الإيراني.

وقالت صحيفة دنياي اقتصاد، إن الاستثمار الصيني في إيران كان دائماً محط نقاش، وتعددت القراءات بشأنه. فمن جهة، يرى بعض المحللين والجهات المنتقدة أن الاستثمارات الصينية صُممت بما يضمن تحقيق مكاسب أحادية لبكين، مستفيدة من ظروف العقوبات والعزلة المالية التي تواجهها إيران، ما سمح لها ـ وفق هذا الرأي ـ بالوصول إلى موارد الطاقة والسوق الاستراتيجية بأقل تكلفة ممكنة. ويشير أصحاب هذا الموقف إلى أن إيران في هذه الشراكات تؤدي غالباً دور المورّد للمواد الخام، من دون الحصول على فوائد كاملة في التنمية أو نقل التكنولوجيا.

في المقابل، يعتبر آخرون أن استثمارات الصين تمثّل فرصة تاريخية يمكن أن تسهم في إعادة بناء البنية التحتية المتقادمة، وتعزيز القدرات الصناعية، ورفع المكانة الجيوسياسية لإيران. ويرى هذا التيار ـ بنبرة أكثر تفاؤلاً ـ أن الشراكة مع الصين تحمل إمكانات تعاون طويل الأمد.

وفي تقرير حمل عنوان «أنماط متنوعة، نتائج مختلفة: تحليل اتجاهات الاستثمار الصيني في إيران»، حاول مركز أبحاث غرفة التجارة الإيرانية دراسة تطور هذه الاستثمارات خلال السنوات العشرين الماضية، وتحليل العقود والمشاريع التنفيذية.

ومن بين أبرز المشاريع التي طُرحت خلال العقدين الماضيين بمشاركة مالية صينية، بغضّ النظر عن مآلها، كانت: مشروع طريق طهران ـ الشمال السريع، مشروع القطار الكهربائي مهرشهر ـ هشتكرد، كهربة سكة حديد طهران ـ مشهد، القطار السريع طهران ـ قم ـ أصفهان، مترو تبريز، تطوير مصفاة الإمام الخميني (شازند أراك)، اتفاق الغاز الطبيعي المسال بين إيران والصين، مشروع حقل يادآوران، تطوير حقل آزادغان، المرحلة 11 من بارس الجنوبي، تحديث مصفاة آبادان، التعاون بين سايبا وشانغان، وعقد صيد الترال.

تجارب ناجحة

تشير التقييمات إلى أن أحد أنجح نماذج التعاون بين إيران والصين كان في مشروع تحديث مصفاة آبادان. فقد وقّعت شركة سينوبك الصينية، بالتعاون مع شركة إيرانية، عقد تحديث للمصفاة بقيمة تقارب 5.2 مليارات يورو، وكان من المخطط أن يأتي نحو 85% من التمويل عبر تمويل صيني. ورغم العقوبات وتداعيات جائحة كورونا، دخل المشروع مرحلة التشغيل في عام 2023. ورغم تغطية جزء من النفقات عبر موارد داخلية، بقي المشروع مثالاً نادراً على استثمار مُكتمل تولّت فيه الصين حصة تمويلية كبيرة وأنجزته حتى النهاية.

تجارب غير ناجحة

على النقيض، واجه قطاع السكك الحديدية إخفاقات كبيرة، أبرزها مشروع كهربة خط طهران ـ مشهد، ومشروع القطار السريع طهران ـ قم ـ أصفهان. كلا المشروعين صُمّم على أساس نموذج EPC+F وكان يفترض أن تتولى البنوك الصينية تمويلهما، غير أن عدم فتح الاعتماد المستندي وغياب الضمانات المصرفية الكافية حالا دون بدء التنفيذ. ومع انسحاب الشركات الصينية تدريجياً، انتهى الأمر إلى غياب أي استثمار فعلي من جانبها، ما كشف أن المشاريع الكبرى تعتمد بشكل حاسم على الضمانات المالية التي تعرقلها العقوبات.

المشاريع النفطية

في قطاع النفط والغاز، برزت تجربة حقل يادآوران، حيث شاركت سينوبك في المرحلة الأولى من التطوير، بينما لم تُنجز المرحلة الثانية، واستمر العمل لاحقاً من دون الشريك الصيني. كما أن اتفاق الغاز الطبيعي المسال الموقّع عام 2004 كان مثالاً آخر على الفشل. فقد نصّ الاتفاق على تصدير 10 ملايين طن من الغاز المسال سنوياً إلى الصين لمدة تتراوح بين 25 و30 عاماً بقيمة تقديرية تراوحت بين 70 و100 مليار دولار. لكن غياب تقنية التسييل في إيران، والخلافات السعرية، والعقوبات الدولية، أدّت إلى عدم تنفيذ المشروع، ولم يتحقق أي استثمار صيني فيه.

العقوبات… أصل المعضلة

تشير حصيلة هذه التجارب إلى أن الاستثمارات الصينية في إيران جاءت غير متوازنة. ففي مصفاة آبادان لعبت الصين دوراً كبيراً وناجحاً، لكنها في مشاريع السكك الحديدية غابت تماماً، وفي مشاريع الطرق اقتصر دورها على قروض صغيرة، وفي المترو وقطاع النقل الحضري كان حضورها متوسطاً، أما في النفط والغاز فكان محدوداً أو غائباً.

وتبيّن أن أبرز التحديات المشتركة في جميع هذه المشاريع كانت عدم فتح الاعتماد المستندي، وغياب التأمين على الصادرات، والعقوبات الأمريكية، وتخوّف البنوك الصينية من التعامل المالي مع إيران. يضاف إلى ذلك، في مشاريع مثل الغاز المسال، نقص التكنولوجيا داخل إيران. وهكذا، ورغم الأرقام الضخمة التي ظهرت على الورق، لم يكتمل سوى عدد قليل من المشاريع، فيما بقيت مساهمة الصين الفعلية في بعض القطاعات ضئيلة أو معدومة.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
ميدل ايست نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

12 − إحدى عشر =

زر الذهاب إلى الأعلى