الصحافة الإيرانية: انتخابات العراق 2025.. مشاركة قياسية وتغيّرات في الخريطة السياسية

أُجريت سادس انتخابات برلمانية في العراق بعد سقوط نظام البعث في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2025 – في التاريخ نفسه الذي كان قد حُدّد مسبقاً – من دون أي مشكلة.

ميدل ايست نيوز: أُجريت سادس انتخابات برلمانية في العراق بعد سقوط نظام البعث في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2025 – في التاريخ نفسه الذي كان قد حُدّد مسبقاً – من دون أي مشكلة. وقد شكّل ارتفاع نسبة المشاركة في هذه الانتخابات إحدى أبرز سماتها، إذ بلغت نسبة الإقبال 56.11% بينما كانت في الدورة السابقة حوالى 42%. إن الحضور الواسع للناس أمام صناديق الاقتراع جاء خلافاً لما كان عليه الوضع في الدورات الأخيرة. وإذا ألقينا نظرة على الانتخابات السابقة خلال سنوات 2005 إلى 2021، نرى أن نسبة المشاركة شهدت منحنىً تنازلياً من 70% في الدورة الأولى إلى حوالى 42% في الدورة الخامسة، في حين انعكس هذا الاتجاه في هذه الانتخابات وارتفع بنحو 14%.

وحسب مقال للمحلل السياسي الإيراني علي موسوي خلخالي على موقع “دبلوماسي إيراني” في هذا السياق يجب التأكيد على أن مشاركة أكثر من نصف من يحق لهم التصويت تُعدّ شكلاً من أشكال منح الشرعية للنظام السياسي الجديد في العراق، الذي مضى على تأسيسه 22 عاماً.

ومن جهة أخرى، وعلى عكس ما كان يُطرح في بعض وسائل الإعلام، ومنها وسائل إعلام إيرانية كانت تتوقع عدم إجراء الانتخابات في موعدها، فقد أُجريت انتخابات العراق بكل هدوء وأمن ومن دون أي حادث أمني أو عسكري أو سياسي أو اجتماعي، وفي موعدها المقرر، بل وبشكل مهيب وبأقل قدر ممكن من الهامش.

ومن النقاط الأخرى التي ينبغي الانتباه لها في هذه الانتخابات، فشل مقتدى الصدر في مقاطعة الانتخابات ومحاولاته الشديدة لمنع الناس من التوجّه إلى صناديق الاقتراع. فإصرار الصدر لشهور على أن هذه الانتخابات ستفشل، وأنها لن تُجرى من دونه – بصفته مقاطعاً لها – وأنه كان يروّج باستمرار أن غياب تياره سيؤدي إلى إضعاف الشيعة وتقليص حصتهم من مقاعد البرلمان، تبيّن أنه كلام بلا أساس، وليس سوى ضجيج إعلامي بعيد عن حقائق الميدان. وقد استمرت محاولات الصدر قبل يوم الانتخابات ويومها وحتى بعدها، من خلال وسائل مختلفة، بما في ذلك الدعاية الشاملة لمقاطعة الانتخابات في بيانات ورسائل مختلفة، والدعوة إلى بقاء الناس في المنازل بمناسبة “يوم الأسرة”. بل إنه في يوم الانتخابات نشر رسالة قال فيها: “ابقوا في منازلكم وانتظروا التعليمات!”، ظناً منه أن هذه اللغة الشعبوية المثيرة ستؤثر مباشرة على مسار الانتخابات وستجذب الأنظار نحوه. لكن الانتخابات جرت بمشاركة مرتفعة، وكُشف مستوى ووزن مقتدى الصدر الحقيقي. كما رأينا أن مقاطعته لم تترك أي أثر في مجريات الانتخابات ولا على عدد المقاعد الشيعية. بل شهدنا في هذه الدورة ارتفاعاً في مشاركة الشيعة وسائر شرائح المجتمع العراقي.

وقد ارتفعت مقاعد الائتلافات الشيعية إلى 189 مقعداً، وهو أكثر من الدورة السابقة التي كان لهم فيها 183 مقعداً من أصل 329 مقعداً في البرلمان.

وفي هذه الانتخابات برزت أيضاً نقطة مهمة أخرى تشي بتغيّر في النموذج السياسي للبلاد. ففي المناطق ذات التركيبة المختلطة من الشيعة والسنة والأكراد مثل بغداد ونينوى وديالى وحتى صلاح الدين، شهدت الساحة ظاهرة جديدة غير مسبوقة. ففي الماضي كانت القوائم السنية غالباً ما تحتل المركز الأول في هذه المناطق، لكن في هذه الدورة حدث العكس؛ فمثلاً في محافظة صلاح الدين ذات الغالبية السنية جاءت قائمة شيعية في المركز الأول، وفي محافظة نينوى وعاصمتها الموصل ذات الغالبية العربية السنية حصلت قائمة كردية على أعلى الأصوات، وفي بغداد – التي كان بعض الخبراء يجزمون بأن قائمة محمد الحلبوسي ستفوز فيها، وأن أصوات الشيعة ستتشتت بسبب غياب الصدر عن الانتخابات – جاءت النتائج بعكس التوقعات؛ إذ حصل الشيعة على 15 مقعداً ليكونوا أصحاب أعلى عدد من المقاعد، فيما حلّت قائمة “تقدم” بزعامة الحلبوسي في المركز الثاني بفارق كبير.

ومن النقاط الأخرى التي تجدر الإشارة إليها، تحسّن وضع الإطار التنسيقي في البرلمان الجديد. ففي حين أن الإطار التنسيقي الشيعي كان يمتلك 123 مقعداً في البرلمان السابق، ويشارك 50 مقعداً آخر مع “التشرينيين” (العلمانيين) وبعض المستقلين، تمكن في البرلمان الجديد من الحصول على 183 مقعداً من دون احتساب هؤلاء. والمثير للاهتمام أن بعض قوائم العلمانيين مثل قائمة “البدیل” بزعامة عدنان الزرفي لم تحصل حتى على مقعد واحد.

ومن الأمور الأخرى المؤثرة في المسار السياسي العراقي أن الفوارق في عدد مقاعد الائتلافات – سواء الشيعية أو السنية أو الكردية – ليست كبيرة، وليست بحدود الضعف كما كان في الدورات السابقة. ففي الماضي كان الفارق بين الائتلاف الأول والذي يليه يصل إلى الضعف تقريباً، أما الآن فلا يوجد مثل هذا الفارق. وهذا الأمر يجعل من المستحيل تقريباً أن يفرض طرف واحد إرادته على الآخرين، ويجبر جميع الائتلافات والأحزاب الفائزة على الجلوس معاً إلى طاولة واحدة لتشكيل الحكومة وتسوية الخلافات، مع الحاجة المتبادلة بين الجميع.

ومن النقاط المهمة الأخرى، أن عدد المقاعد التي تحصل عليها الائتلافات الفائزة لا يعكس بالضرورة البنية الحقيقية للحكومة العراقية المقبلة، لأن معظم هذه الائتلافات تتكوّن من عدة أحزاب. فالائتلافات الكبرى مثل ائتلاف الإعمار والتنمية بزعامة محمد شياع السوداني، وائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي، وحتى بعض مقاعد قائمة عصائب أهل الحق بزعامة قيس الخزعلي، تتألف من عدة أحزاب. ففي بعض هذه الائتلافات يصل عدد الأحزاب إلى 11 حزباً. وهذا يزيد من احتمالات التفكك أو إعادة تشكيل التحالفات سعياً وراء مكاسب حزبية. كما أن هذه الائتلافات لا تستطيع فرض نفوذها بسهولة في عملية تشكيل الحكومة، لأن الأحزاب المكوّنة لها هي صاحبة القرار، وتسعى كل منها للحصول على موقعها وتأثيرها استناداً إلى عدد المقاعد التي تمتلكها. ففي بعض الائتلافات مثل دولة القانون أو الإعمار والتنمية، هناك أحزاب حصلت على أصوات مرتفعة. فعلى سبيل المثال، يملك التيار بقيادة فالح الفياض 10 مقاعد ضمن ائتلاف الإعمار والتنمية، كما حصل تيار بقيادة أحمد الأسدي – وزير العمل الحالي – الذي دخل الائتلاف باسم “الخدمات” على 5 مقاعد. أو حزب الفضيلة الذي يشارك مع نوري المالكي في ائتلاف دولة القانون، فقد حصل على 14 مقعداً. ويجب الانتباه إلى أن حزب الفضيلة لا يخضع لمالكي ولا ينتمي إلى حزبه، بل له مرجعيته وبنيته وقراره الحزبي المستقل، ولا يستطيع المالكي تجاهل مصالحه أو مقاعده لصالح حزب الدعوة الذي يقوده، لأن حزب الفضيلة يسعى لموقعه الخاص بنفسه. وبالمثل، فإن أبو آلاء الولائي أو حزب “بشائر” بزعامة ياسر المالكي فازا بمقاعد مستقلة في البرلمان، ويُقال فعلياً إن نوري المالكي يملك مقعداً واحداً فقط وهو مقعده الشخصي، وإن أياً من مقاعد ائتلاف دولة القانون الأخرى ليست لحزب الدعوة. وفي قائمة “أبشر يا عراق” لمجلس الأعلى، لم يحصل الكادر التابع للمجلس الأعلى على أي من المقاعد الأربعة. وبالتالي فإن التأثير الحقيقي في تشكيل الحكومة سيكون لمقاعد الأحزاب ووزنها، وليس للائتلافات.

ومن النقاط الأخرى التي ظهرت في هذه الانتخابات وكانت غير مسبوقة، أنه بعد إعلان النتائج، أصدر بعض الفائزين بيانات تفيد بأن أسماءهم وردت في بعض القوائم المنشورة من دون أن يكون ذلك صحيحاً، أو أن بعض الأسماء نُشرت ضمن قائمتين مختلفتين، وهو أيضاً أمر غير واقعي.

وبناءً على كل ذلك، سنشهد في العراق نموذجاً جديداً من الإدارة والدولة في المستقبل. كما أن المسار السياسي البرلماني للبلاد سيكون مختلفاً. ومن جهة أخرى، فإن التيارات التي كانت تمتلك نفوذاً عميقاً في المشهد السياسي سابقاً قد ضعفت الآن، وهو ما قد يفتح الطريق أمام مسار جديد في مستقبل العملية السياسية في العراق.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ثلاثة عشر + 17 =

زر الذهاب إلى الأعلى