تحركات المالكي تهدف لعودته أم مناورة لطيّ صفحة السوداني والتمهيد لـ«توافقي» جديد؟

في خضمّ سباق تشكيل الحكومة الجديدة، يبرز اسم نوري المالكي مجدداً

ميدل ايست نيوز: في خضمّ سباق تشكيل الحكومة الجديدة، يبرز اسم نوري المالكي مجدداً، بعد إعلان حزب الدعوة ترشيحه رسمياً لمنصب رئيس الوزراء، وبالرغم من كونه إعلاناً خجولاً تم حذفه فيما بعد، إلا أنه أربك المشهد السياسي بشكل تام، وفيما عد مراقبون تلك الخطوة مناورة لقطع الطريق أمام السوداني، وأنها خطوة غير جادة بالنظر لعدم مقبوليته داخلياً وخارجياً، أشار آخرون إلى أنها بداية تسوية جديدة لاسيما أنها تأتي بالتزامن مع زيارته لأربيل.

ويقول المحلل السياسي نزار حيدر، إن “ترشيح نوري المالكي لرئاسة الحكومة الجديدة لا يُعد أكثر من خطوة داخلية اتخذها حزب الدعوة فقط، وليس موقفاً رسمياً من ائتلاف دولة القانون أو الإطار التنسيقي، فالأخير يسعى حالياً إلى تقديم مرشح يتمتع بمقبولية دولية وإقليمية ووطنية، انسجاماً مع طبيعة المرحلة الجديدة التي يمر بها العراق والمنطقة ككل”.

ويضيف حيدر، أن “المالكي لا يمتلك مقبولية سياسية واسعة، فهو مرفوض من قبل النجف الأشرف، والكرد، والسنة، وحتى من غالبية القوى الشيعية التي تشكل ما بين 70 إلى 80 بالمئة من الطيف السياسي الشيعي”، مشيراً إلى أن “هذا الرفض لا يتعلق بالمجتمع الشيعي أو السني أو الكردي بقدر ما يرتبط بمواقف القوى السياسية نفسها التي لا ترى فيه مرشحاً توافقياً يمكن أن يضمن استقرار المرحلة المقبلة”.

ويتابع أن “المالكي كذلك لا يحظى بعلاقات جيدة مع دول الإقليم أو المجتمع الدولي، وتحديداً الولايات المتحدة الأمريكية، ولذا نراه خلال السنوات العشر الماضية لم يغادر بغداد إطلاقاً، باستثناء زيارته الأخيرة إلى أربيل، لأنها المدينة الوحيدة التي يمكن أن تستقبله سياسياً”.

ويشير حيدر، إلى أن “الإطار التنسيقي يدرك أن المرحلة القادمة تتطلب شخصية هادئة لا تثير الشارع العراقي، ولذلك يسعى لاختيار مرشح يتمتع بصفات التهدئة والتوافق والقدرة على التواصل مع مختلف الأطراف، بما فيها الحنانة”.

ويعتقد أن “تقديم حزب الدعوة اسم المالكي في هذا التوقيت يحمل بُعداً سياسياً آخر، يتمثل في إغلاق الباب نهائياً أمام رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني، باعتبار أن المالكي هو الشخصية الوحيدة القادرة على مواجهة السوداني داخل الإطار نفسه، وبالتالي فإن ترشيحه يمهّد عملياً لطرح اسم جديد لاحقاً يتوافق عليه الجميع بعد طي صفحة السوداني والمالكي معاً”.

وفي تطور مفاجئ، أعلن حزب الدعوة الإسلامية، أمس السبت، ترشيح أمينه العام نوري المالكي لتولي منصب رئيس الوزراء، ويأتي ذلك في محاولة واضحة لإعادة رسم موازين القوى داخل الإطار التنسيقي وتحدياً غير مباشر لرئيس الوزراء المنتهية ولايته محمد شياع السوداني، الذي حصدت قائمته العدد الأكبر من مقاعد البرلمان المقبل، من بين قوائم قوى الإطار في البرلمان الجديد.

وجاء هذا الترشيح متزامنا يوم أمس، مع وصول المالكي إلى أربيل، في زيارة للقاء الزعامات الكردية، على رأسها زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني، لبحث مستقبل الشراكة السياسية وتشكيل الحكومة الجديدة.

وبعد ساعات من نشر الحزب بيانه الذي رشح فيه المالكي لمنصب رئيس الوزراء، على منصاته الرسمية، قام بحذفه (المنشور)، دون أي بيان رسمي آخر يوضح ذلك.

من جهته، يرى مدير مؤسسة “دستورنامة” للدراسات الديمقراطية والتنوع الاجتماعي، كاظم ياور، أن “نتائج الانتخابات الأخيرة ولّدت حالة من القلق والتوتر لدى مختلف الكتل السياسية، الكردية والشيعية والسنية على حد سواء، خاصة مع تسارع الأطراف في الدخول بمفاوضات تشكيل الحكومة المقبلة، التي تشمل جميع المناصب السيادية، من رئاسة الوزراء إلى رئاسة الجمهورية والبرلمان”.

ويضيف ياور، أن “زيارة المالكي إلى أربيل أمس، تحمل أبعاداً سياسية متعددة، أولها كسر الجليد مع الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني، والثاني إجراء تفاهمات استباقية بين الطرفين حول شكل المرحلة المقبلة”، مبيناً أن “هذه التفاهمات لا تتعلق بالضرورة بمن يشغل منصبي رئاسة الوزراء أو الجمهورية، بقدر ما تهدف إلى تثبيت مبدأ عدم التدخل المتبادل في شؤون كل مكون، سواء الكردي أو الشيعي أو السني، حتى يستقر كل بيت سياسي داخلياً قبل الدخول في مرحلة توزيع المناصب”.

ويردف أن “الحزب الديمقراطي الكردستاني يسعى إلى تفادي تكرار سيناريو عام 2021، حين اصطفّ الاتحاد الوطني الكردستاني مع الإطار التنسيقي ما أضعف موقفه السياسي، في حين يخشى المالكي اليوم من أن يتحالف الحزب الديمقراطي مع جناح يدعم السوداني، ما قد يخرجه من معادلة التأثير في اختيار المرشح المقبل لرئاسة الحكومة”.

ويخلص إلى أن “المرحلة الراهنة تركز على تهدئة الساحة وترتيب أوراق كل مكون بمعزل عن الآخر، على أن تليها مرحلة ثانية يتم فيها الاتفاق بين القوى الشيعية على مرشح رئاسة الوزراء، يقابلها تفاهم كردي حول مرشح رئاسة الجمهورية، ثم تفاهم سني حول رئاسة البرلمان، لتتوج هذه الاتفاقات ببلورة برنامج حكومي مشترك تتفق عليه القوى الثلاث لضمان استقرار العملية السياسية المقبلة”.

وقال المالكي، أمس، حال وصوله أربيل “لا يوجد قرار في الإطار التنسيقي بحرمان السوداني من منصب رئيس الحكومة”، مشيراً إلى أن “الإطار التنسيقي وضع مواصفات وشروطاً محددة لشخصية رئيس الوزراء المقبل”، لافتاً إلى أن “تشكيل الحكومة مرتبط بالتوافق، وبالإمكان تشكيلها بعد شهر من إقرار النتائج”، وبين أنّه “يجب على الكرد الإسراع باختيار شخصية رئيس الجمهورية، وعلى السنة اختيار رئيس البرلمان”.

إلى ذلك، يشير المحلل السياسي عائد الهلالي، إلى أن “التحركات السياسية الأخيرة لزعيم ائتلاف دولة القانون، ولا سيما زيارته إلى أربيل ولقاؤه بالقيادات الكردية، تشير إلى مرحلة جديدة من السعي لإعادة التموضع داخل المشهد السياسي بعد الانتخابات”.

ويبيّن الهلالي، أنّ “الزيارة لم تأتِ بمعزل عن سياق التفاوض المعقّد بين القوى الشيعية والكردية والسنية، بل تمثل محاولة واضحة لتثبيت موقع مؤثر لحزب الدعوة داخل الإطار التنسيقي، وفي الوقت نفسه فتح قنوات تفاهم مع القوى الكردية بشأن استحقاقات المرحلة المقبلة”.

ويكشف عن “بعض التسريبات التي تحدثت عن اشتراط الإطار التنسيقي قبوله بالمالكي، بمنحه صلاحيات مدير عام فقط، بصفته مرشح حزب الدعوة، وهو طرح قد يبدو أقل من طموحات شخصية سياسية بحجم المالكي الذي شغل سابقاً رئاسة الوزراء، ويتمتع بتاريخ طويل من النفوذ داخل مؤسسات الدولة”، منوهاً إلى أنّ “هذا المقترح لا يعكس سقف طموحه الحقيقي، لكنه ربما يدخل ضمن تسوية داخلية تهدف إلى حفظ توازن القوى ومنع أي طرف من الانفراد بالقرار داخل الإطار”.

ويجد المحلل السياسي القريب من رئيس الوزراء الحالي، أنّ “الإطار التنسيقي من غير المتوقع أن يمضي بالإجماع نحو مثل هذا المقترح دون تحفظات، فالساحة داخله تعاني من حساسيات تاريخية بين مكوناته، وأي خطوة تُفهم على أنها تعزيز لدور المالكي قد تفتح الباب أمام خلافات جديدة، خصوصاً مع القوى التي تخشى عودة هيمنته أو إعادة إنتاج معادلات سياسية سابقة”.

ويعتبر “زيارة المالكي إلى أربيل، بمثابة رسالة ضغط على شركائه في الإطار، فالرجل يلوّح بأن لديه بدائل سياسية وخطوط تواصل خارج البيت الشيعي، لكن في المقابل فإن القوى الكردية تدرك أن أي تفاهم معه يبقى مرهوناً بموقف الإطار، ولا ترغب في الدخول في تفاهمات قد تؤدي إلى تصدعات داخل التحالف الشيعي”.

ويختتم الهلالي حديثه بالقول إنّ “ملف ترشيح المالكي يشكّل اختباراً حقيقياً لوحدة الإطار التنسيقي، ولقدرة المالكي على المناورة السياسية دون أن يُفجّر التوازنات الداخلية الهشة، في وقتٍ يستعد فيه الجميع لمرحلة تفاوضية معقدة لتشكيل الحكومة المقبلة”.

وكان المالكي قد تولى رئاسة الوزراء في العراق لدورتَين برلمانيتَين، امتدت من العام 2006 حتى 2014. وقد ترك المالكي إرثاً سياسياً وأمنياً معقداً، ما زال تأثيره حاضراً في المشهد العراقي، انتهى بالانهيار الأمني الكبير وسقوط الموصل بيد تنظيم “داعش”، الذي اجتاح عدداً من محافظات البلاد.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
العالم الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

سبعة + 14 =

زر الذهاب إلى الأعلى