كم سائح وافد دخل إيران خلال عام 2025؟

في الوقت الذي تشير فيه الإحصاءات الرسمية إلى ارتفاع عدد السياح الأجانب الوافدين إلى إيران، يرى كثير من الخبراء أن هذه الأرقام بعيدة عن الواقع الميداني وعن الأثر الاقتصادي الحقيقي للسياحة.

ميدل ايست نيوز: في الوقت الذي تشير فيه الإحصاءات الرسمية إلى ارتفاع عدد السياح الأجانب الوافدين إلى إيران، يرى كثير من الخبراء أن هذه الأرقام بعيدة عن الواقع الميداني وعن الأثر الاقتصادي الحقيقي للسياحة.

وقال خبراء إيرانيون في الشؤون السياحية إن جزءا كبيرا مما يُسجّل في الإحصاءات على أنه «سائح وافد» لا ينسجم مع التعريف الحقيقي للسياحة، مشيرين إلى ضعف النظام الإحصائي وحسابات السياحة في إيران.

وتشير فصول البرنامج السابع للتنمية، بما في ذلك الفصل السابع عشر المتعلق بالتراث الثقافي والسياحة والصناعات اليدوية، إلى أن مركز الدراسات التابع للبرلمان الإيراني قام بتقييم أحكام هذا البرنامج ضمن ثلاثة محاور هي الأهداف الكمية والوثائق المعدّة والإجراءات التنفيذية.

وتُظهر الفحوصات أن تنفيذ البرنامج السابع في الفصل السابع عشر جاء مقبولا مقارنة ببرنامج التنمية السادس، رغم الحاجة إلى إجراءات تطويرية لرفع مستوى أداء وزارة السیاحة الإيرانية خلال السنة الثانية. وتشير البيانات إلى أن نحو نصف أحكام البرنامج لم تُنفذ بعد، وأن بعض الإجراءات تأخرت بسبب ارتباطها بتشريعات قانونية أو لوائح تحتاج إلى استكمال، وهي تأخيرات قابلة للتعويض.

وبحسب المادة 82 من البرنامج، كان ينبغي أن يصل عدد السياح الوافدين إلى إيران في السنة الأولى إلى 7 ملايين و300 ألف شخص، إلا أن وزارة التراث الثقافي والسياحة سجلت 7 ملايين و400 ألف شخص. ورغم أن هذه الأرقام توحي بأن الجهة المعنية حققت هدفها، فإن تقرير مركز الدراسات وصفها بأنها غير واضحة.

وجاء في التقرير أن غياب نظام إحصائي دقيق للسياحة الداخلية والوافدة، ووجود لبس في التقارير المقدمة، يجعل من غير الممكن اعتماد الأرقام المعلنة ما لم يتم التمييز بوضوح بين مفاهيم «السفر» و«السياحة» و«المسافر الحدودي» وغيرها. وأشار التقرير إلى أن الوزارة والمشرفين التنفيذيين أعلنوا تحقيق الهدف بالكامل، لكن من غير المعروف ما هو المعيار المستخدم لتعريف «السائح الوافد»، وكيف جرى الفصل بين العابرين عبر الحدود وبين السياح الفعليين.

تعريف غير دقيق للسائح

يقول خبراء إن تعريف السياحة يجب أن يكون واضحا من جانب الجهات المعنية، فكل شخص يدخل من المنافذ الرسمية الإيرانية يُسجل حاليا كسائح، اعتمادا على بيانات شرطة الجوازات، في حين أن الواقع مختلف، إذ لا يعدّ كل هؤلاء سياحا بالمعنى الدقيق.

ووفق المعطيات المتوفرة، يقيم بعض الوافدين، وهم إيرانيون بالأصل، في الخارج ويحملون جوازات غير إيرانية، أو مسافرون من مناطق حدودية مثل نخجوان يعبرون من إيران للوصول إلى أذربيجان، أو مواطنون من دول مجاورة مثل العراق يزورون الأسواق الحدودية لشراء سلع أرخص ثم يعودون في اليوم نفسه.

وبحسب تعريف منظمة السياحة العالمية، يُعدّ الشخص سائحا إذا انتقل من بلد إلى آخر وأقام ليلة واحدة على الأقل في وجهته، أي ما يعادل 24 ساعة على الأقل. لذلك فإن جزءا كبيرا من الأرقام الرسمية في إيران تمثل حركة عبور حدودية وليس سياحة بالمعنى الحقيقي.

ضعف النظام الإحصائي للسياحة

في إيران يتسبب غياب حسابات السياحة الوطنية في جعل البيانات الحالية تفتقر إلى الدقة والاعتمادية، فإنشاء هذه الحسابات ضروري لقياس مساهمة السياحة في الناتج المحلي وفرص العمل وسلسلة القيمة. ورغم التأكيد في اللوائح والخطط الوطنية منذ عامي 2019 و2020 على ضرورة تنفيذ هذه المنظومة، فإنها لم تطبق بعد رغم تغيّر ثلاث حكومات، وبقيت البيانات ذات طابع وصفي وضعيفة القيمة العلمية.

صناعة بدون قيمة مضافة

يقول نشطاء في قطاع السياحة الإيراني إن القيمة الاقتصادية للسائح تتحقق فقط عندما يكون دخوله البلاد مؤثرا في قطاعات متعددة مثل الفنادق، والمطاعم، ووكالات السفر، والمتاجر، والصناعات اليدوية، مما ينعش الاقتصاد السياحي. فانتعاش السياحة يؤدي إلى تحرك سلاسل صناعية أخرى، مثل البناء عند ازدياد الطلب على الفنادق، أو الصناعات الغذائية مع توسع المطاعم.

لكن ما يظهر في السوق الإيرانية اليوم يختلف عن الإحصاءات الرسمية، فجزء كبير من السياح الوافدين حاليا من العراق، وغالبيتهم يقصدون وسط إيران وشرقها، ورغم تزايد الإقبال على السياحة البيئية بين بعضهم، فإن مستوى إنفاقهم لا يكفي لتحريك الصناعة السياحية. كما أن عددا من السياح من أذربيجان الذين كانوا يقصدون إيران للعلاج أو التسوق أو الزيارة، باتوا يتوجهون إلى وجهات أخرى بعد الأحداث الأخيرة التي برزت في إيران.

ومنذ عام 2017، انخفض بشكل حاد عدد السياح الوافدين إلى إيران من أوروبا الغربية وأميركا الشمالية واليابان ودول شرق آسيا، هؤلاء من كانوا يحققون أعلى قيمة مضافة للسياحة الإيرانية عبر إنفاقهم على خدمات عالية الجودة كالفنادق والصناعات اليدوية والنقل. وقال خبراء إن غياب هذه الفئة جعل السياحة الإيرانية تعاني وتكافح للبقاء.

أرقام متفائلة وواقع ميداني صعب

أوضح خبراء آخرون أن إعلان السلطات الإيرانية عن أرقام كبيرة للسياح لن يفيد ما دامت الفنادق الكبرى شبه خالية من السياح الأجانب، وأن تحقيق النمو الحقيقي يتطلب استفادة القطاع السياحي بأكمله من العائدات. غياب نظام إحصائي دقيق في إيران ليس مشكلة الحكومة الحالية فقط، بل مشكلة عمرها نحو عشرين عاما، إذ تعتمد الإحصاءات على بيانات الشرطة والجمارك دون أدوات مهنية لقياس وضع السياحة بدقة.

مهما كانت الأرقام المعلنة مفائلة فإنها غير مقنعة للعاملين في هذا القطاع، فقبل جائحة كورونا كانت الأرقام الرسمية عند حدود سبعة ملايين سائح وافد، وما زالت اليوم عند الرقم نفسه رغم تغيّر الظروف في إيران والمنطقة.

تشدد دراسات كثيرة على ضرورة التمييز بين الزائر والسائح والمسافر الحدودي، حيث يعتبر هذا خطوة أولى لبناء نظام إحصائي موثوق، وإعداد سياسات فعالة.

مثلا قد تعطي بيانات زيارات المواقع التاريخية والإقامة في الفنادق في المدن السياحية الرئيسية في إيران مثل أصفهان وشيراز ويزد، صورة أقرب إلى الواقع، خاصة إذا جرى تحديد جنسيات الزوار أيضاً وفترة إقامتهم.

وهنا يتضح معنا أن الأرقام الحقيقية للزوار في هذه المواقع أقل بكثير مما يرد في التقارير الرسمية، وهو ما يؤكد عليه أصحاب الفنادق أنفسهم عبر حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي.

ويرتبط جزء كبير من مشاكل السياحة في إيران بقطاعات أخرى، حيث يقترح خبراء أن يجعل الرئيس الإيراني ووزير الخارجية ملف السياحة جزءا من محاور محادثاتهم الخارجية، وأن يقوم وزراء الخارجية والسياحة بزيارات إلى الدول المستهدفة لفتح الطريق أمام مواطنيها لزيارة إيران، سواء من الدول المجاورة أو الإسلامية أو الشريكة اقتصاديا، فتحسن هذه العلاقات سيقود تدريجيا إلى أرقام سياحية أكثر واقعية.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
ميدل ايست نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ثلاثة × خمسة =

زر الذهاب إلى الأعلى