الصحافة الإيرانية: طهران تعاني من ثلاثية الانخساف الأرضي وشح المياه وتلوث الهواء

تواجه العاصمة الإيرانية هذه الأيام ثلاثية خطيرة ظلّ خبراء البيئة يحذّرون منها منذ ما لا يقل عن عقد كامل: شحّ المياه، والانخساف الأرضي، وتلوّث الهواء.

ميدل ايست نيوز: تواجه العاصمة الإيرانية هذه الأيام ثلاثية خطيرة ظلّ خبراء البيئة يحذّرون منها منذ ما لا يقل عن عقد كامل: شحّ المياه، والانخساف الأرضي، وتلوّث الهواء. لكن المستقبل القريب في حال لم تتخذ قرارات جدية لن يتحدد بوعود مشاريع نقل المياه التي تتردد كل يوم، بل بانهيار البنى التحتية وتضرّر الحياة اليومية للسكان. ما سبق هو ملخّص تحذير الأستاذ الإيراني في مركز علوم أبحاث الأرض في جامعة لايبنتس بمدينة هانوفر الألمانية مهدي معتق، الذي راقب لسنوات عملية الاستنزاف المفرط للمياه الجوفية في إيران.

يُعيد معتق، في حديثه مع وكالة “خبر آنلاین“، التذكير بجملة من الحقائق التي قد يجهلها كثير من الإيرانيين؛ إلا أن طبيعة الأزمة الحالية يمكن وصفها بأنها أزمة تتجاوز الجفاف: أزمة هيكلية، طويلة الأمد، وبآثار لا يمكن تعويضها.

نهب خفيّ للموارد الجوفية

يعتقد معتق أن الموارد الجوفية في إيران قد نُهبت بالكامل. ويوضح أنه خلال “الأربعة أو الخمسة عقود الأخيرة” جرى استنزاف مفرط للطبقات المائية الجوفية، إلى درجة لم يعد فيها أي مخزون استراتيجي فعّال يمكن استخدامه في فترات الجفاف.

وما يجعل هذا الوضع أكثر تعقيداً هو الطبيعة غير المرئية للمياه الجوفية: فعندما تنخفض مياه الأنهار والسدود، يرى الناس ذلك مباشرة؛ لكن عندما تُستنزف المخازن الجوفية، فإن آثارها تظهر متأخّرة — وغالباً بعد فوات الأوان. يصف معتق هذا الوضع بأنه “مؤسف جداً” ويحذّر من أن النقص الحالي هو السبب الرئيسي لأزمة المياه في إيران.

أما السبب الأهم وراء هذا الاستنزاف الكارثي فهو، وفق معتق، القطاع الزراعي: “نهب الموارد الجوفية كان في الأساس بسبب الاستخدامات الزراعية”. هذا يعني أن عشرات الآلاف من الآبار استُخدمت لزراعة محاصيل شديدة الاستهلاك للمياه، في مناطق جافة وشبه جافة، من دون تخطيط مستدام أو قيود فعّالة أو رؤية للمستقبل.

حين يفرغ باطن الأرض تحت المدن

لكن الحكاية لا تتوقف عند نقص المياه. فالضخّ المفرط جعل الطبقات الجوفية تهبط، وخلفت فراغاً في باطن الأرض يتحول إلى قشرة هشة. والنتيجة الطبيعية هي ظاهرة الانخساف الأرضي التي تزحف تدريجياً وتهدد البنى التحتية الحيوية.

يقول الأستاذ الإيراني في مركز علوم أبحاث الأرض في جامعة لايبنتس الألمانية: “الانخساف الذي نتحدث عنه اليوم طال تقريباً جميع مراكز التطوير في إيران؛ كل المدن الكبرى مثل طهران، كرج، قزوين، مشهد، أصفهان، كرمان وغيرها.”

وتنسجم هذه التحذيرات مع الدراسات العلمية: فقد أظهرت تحليلات صور الأقمار الصناعية لجامعة لايبنتس أن أجزاء واسعة من الأراضي في إيران — بما في ذلك المناطق الحضرية والصناعية — تعاني من الهبوط، وليس الأراضي الزراعية فقط. في بعض الحالات، وصلت سرعة الهبوط إلى أكثر من 30–35 سنتيمتراً سنوياً، وهي نسبة تهدد شبكات المدن والسكك الحديدية والمطارات والمدارس وحتى المنازل بخطر الانهيارات والتشققات.

ويؤكد معتق بوضوح أن الهبوط “لم يعد محصوراً بالمناطق الريفية أو السهول الزراعية، بل وصل إلى قلب البنى التحتية الحضرية”.

ويشير إلى أن هذه التحذيرات صدرت على مدى سنوات، لكنها أهملت: “قدمت التقارير… لكن جرى تجاهلها، وساء الوضع يوماً بعد يوم. والنتيجة: تهديد خطير لاستقرار المدن وسلامة السكان ومستقبل البنى التحتية”.

أزمة متشابكة ومتعددة الأوجه

لا يكتفي معتق بتوصيف الجفاف والانخساف، بل يرى أن الأزمة مترابطة حلقياً. فمن وجهة نظره، تلوّث الهواء الذي تعاني منه مدن كبرى مثل طهران منذ سنوات هو جزء من الأزمة الكبرى، التي تمتزج فيها مشكلات نقص المياه والهبوط الأرضي والتغيّرات البيئية.

ويستشهد بتجربة بكين قبل 10–15 عاماً، التي كانت تواجه أزمة مشابهة. ففي الصين، لم يكن نقل المياه وحده هو الحل؛ بل مزيج من تقليل الاستهلاك، وضبط استخراج المياه الجوفية، وإصلاح الإدارة الزراعية، ورفع الوعي العام، ما أدى إلى خفض التلوث وتقليل الانخساف الأرضي.

ويقول معتق بأسف: لو توفرت في إيران الإرادة والإدارة والأدوات الكافية، لكان بالإمكان أن تكون طهران اليوم أفضل حالاً بكثير. لكن ما نراه هو سقوط حرّ للبنى التحتية وجودة الحياة وقدرة الموارد الطبيعية على الصمود.

مسكّن أم تغطية على الأزمة؟

على مدى السنوات الماضية، تكررت الوعود بنقل المياه من الخليج أو بحر قزوين إلى المحافظات الوسطى والعاصمة؛ مشاريع باهظة التكلفة وشديدة التعقيد. لكن معتق — الذي درس سابقاً آثار مشروع نقل المياه في الصين — يصرّ على أن: “نقل المياه ليس حلاً، ولا حتى مسكّناً”، ما لم يُنفّذ بالتزامن مع سياسات صارمة لإدارة الاستهلاك وإصلاح الزراعة والحدّ من استنزاف المياه الجوفية.

ويضيف أنه حتى لو “نقل كل ماء الخليج أو قزوين إلى طهران، فإن الأزمة ستبقى”، ما لم تصلح منظومة حوكمة المياه من جذورها.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
ميدل ايست نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اثنان + 15 =

زر الذهاب إلى الأعلى