الصحافة الإيرانية: لماذا علاقات إيران وباكستان الاستراتيجية هامة اليوم أكثر من أي وقت مضى؟
لطالما كانت العلاقات بين إيران وباكستان دائماً معقّدة، واسعة الإمكانات، وذات أهمية أمنية عالية. تزداد هذه الأهمية اليوم أكثر من أي وقت مضى نظراً للتحولات الإقليمية والدولية.

ميدل ايست نيوز: لطالما كانت العلاقات بين إيران وباكستان دائماً معقّدة، واسعة الإمكانات، وذات أهمية أمنية عالية. تزداد هذه الأهمية اليوم أكثر من أي وقت مضى نظراً للتحولات الإقليمية والدولية. فقد جاءت الزيارة الأخيرة للاريجاني إلى باكستان، وكذلك الزيارات السابقة لبزشكيان ومسؤولين إيرانيين إلى إسلام آباد، في مرحلة حساسة يشهد فيها المحيط الإقليمي لإيران تهديدات واضحة نتيجة استمرار الهجمات الإسرائيلية، وتصاعد التوتر في الحدود الشمالية، وتواصل حالة عدم الاستقرار في أفغانستان. وهنا، فإن تعزيز العلاقات بين طهران وإسلام آباد ليس مجرد خيار دبلوماسي، بل ضرورة استراتيجية للأمن القومي ولتحقيق المصالح طويلة المدى لإيران.
المحور الجيوسياسي
وقال محمود رضا أميني، ماجستير في الاستراتيجية والحوكمة الإسلامية، في مقال نشرته صحيفة شرق، إن أول عناصر أهمية هذه العلاقة يكمن في الموقع الجيوسياسي لباكستان، فهي القوة النووية الوحيدة في العالم الإسلامي وتقع على نقطة اتصال جنوب آسيا وآسيا الوسطى والعالم العربي. هذا الموقع يربطها من جهة بالهند، القوة الصاعدة والمتعاونة أمنياً مع إسرائيل، ومن جهة أخرى بأفغانستان والصين. أما إيران، فترتبط بباكستان عبر حدود شرقية ضمن شريط أمني واحد، حيث يمكن لأي تهديد أو اضطراب أن ينعكس مباشرة على الأمن القومي لطهران. لذا، فإن تعزيز التعاون الأمني والاستخباراتي والعسكري بين البلدين بات ضرورة لا غنى عنها، خاصة مع نشاط بعض الجماعات الإرهابية على الحدود المشتركة، والتي لا يمكن احتواؤها إلا عبر تعاون أمني عميق ودائم.
المحور الأفغاني
على الرغم من وجود خلافات بين باكستان وطالبان أفغانستان، فإن طهران تحتفظ بعلاقات إيجابية نسبياً مع كابول، وقد ازدادت أهمية هذه العلاقات خلال فترة الهجمات الإسرائيلية على إيران. يمكن لطهران استثمار هذا الواقع لبناء محور ثلاثي للتعاون الأمني يضم إيران وباكستان وطالبان. مثل هذا التعاون يمكن أن يمنع توسع نفوذ القوى المنافسة في أفغانستان ويعزز استقرار الحدود الشرقية لإيران. كما أن التنسيق بين طهران وإسلام آباد قد يحول دون تحويل أفغانستان إلى ساحة تنافس بين قوى خارجية.
البعد الأمني تجاه إسرائيل
يمكن للتقارب الإيراني–الباكستاني أن يلعب دوراً في مواجهة تهديدات إسرائيل. فباكستان تملك خبرة ورؤية أمنية واضحة تجاه تحركات إسرائيل، وفي وقت تواجه فيه طهران استمرار الاعتداءات الإسرائيلية، يمكن للتعاون السياسي والاستخباراتي مع إسلام آباد أن يساعد في تعزيز الردع الإقليمي لإيران. كما أن التفاعل الجيوسياسي بين البلدين قد يتيح بيئة أمنية أكثر استقراراً لإيران من الجنوب والشرق.
التعاون الاقتصادي
يمتلك البلدان فرص تعاون اقتصادي واسعة لم تُستثمر بعد. فخط أنابيب إيران–باكستان الغازي، الذي توقف لسنوات بسبب الضغوط الأمريكية، يعود الآن إلى واجهة الاهتمام نظراً لحاجة باكستان الشديدة إلى الطاقة، وتغيّر التوازنات العالمية. إحياء هذا المشروع سيمنح إيران دخلاً ثابتاً ويعزز الاعتماد الاستراتيجي لباكستان على الطاقة الإيرانية، مما يرفع مستوى التعاون إلى شراكة استراتيجية. كما يمكن للتجارة الحدودية، وإنشاء مناطق حرة مشتركة، وتطوير الطرق العابرة، وربط موانئ تشابهار–جوادر، أن يضع إيران وباكستان ضمن شبكة اقتصادية متكاملة. يلعب دور الصين في هذا السياق أهمية خاصة، إذ يمكن لمبادرة “الحزام والطريق” أن تتسارع وتتعمق عبر التنسيق بين طهران وإسلام آباد.
التعاون الثقافي
تربط إيران وباكستان علاقات ثقافية وتاريخية ولغوية عميقة. هذا البعد يوفّر أرضية صلبة لتعزيز العلاقات السياسية والأمنية. ويمكن لتعاون الجامعات، وبرامج التبادل الطلابي، وتفعيل الدور الثقافي والإعلامي الإيراني، أن يخلق موجة جديدة من الدبلوماسية الشعبية. وبما أن المجتمع الباكستاني متنوع دينياً وثقافياً، فإن إيران تستطيع استثمار هذا التنوع لتعزيز حضورها الثقافي الناعم في المنطقة.
البعد السياسي
تعكس زيارات لاريجاني وبزشكيان توجهاً جديداً في السياسة الخارجية الإيرانية يقوم على إعادة ضبط العلاقات الإقليمية على أساس الحوار والتعاون. فخبرة لاريجاني الطويلة في الملفات الأمنية والبرلمانية، ونهج بزشكيان العملي كرئيس للجمهورية، يجعلان منهما ثنائياً مكتملاً لإعادة بناء العلاقة مع باكستان. تحمل هذه الزيارات رسالة واضحة: إيران تسعى إلى علاقة مستقرة، قابلة للتطوير، ومتعددة الأبعاد مع دولة تتمتع بثقل جيوسياسي كبير مثل باكستان.
دور السعودية والولايات المتحدة
تلعب السعودية والولايات المتحدة دوراً مؤثراً في اتجاهات السياسة الباكستانية. فإسلام آباد ترتبط بعلاقات وثيقة مع الرياض، كما لا تزال متأثرة بالنظام الدفاعي الأمريكي. ولكن التقارب الإيراني–الباكستاني — إذا تم بطريقة مدروسة — يمكن أن يقلل من تأثير الولايات المتحدة، وأن يتيح في الوقت نفسه فرصاً للتعاون الثلاثي مع السعودية أو على الأقل لتخفيف التوتر معها. كما أن نهج السياسة الخارجية الإيراني الجديد يوفر فرصة لتشييد جسور مع دول يمكنها دعم العلاقات مع باكستان.
أمن الحدود
مسألة الأمن الحدودي تمثل أحد أهم مجالات التعاون. فالبلدان يواجهان تحديات مشتركة تشمل التهريب والجماعات المسلحة والاقتصاد الحدودي غير المنظم وضعف التنمية في المناطق الحدودية. يمكن لآليات مشتركة لحرس الحدود، ودوريات مشتركة، وتعاون استخباراتي دائم، ومشاريع تنموية مشتركة، أن تحوّل الحدود من مصدر تهديد إلى فرصة للتنمية المتبادلة.
الخلاصة
تملك العلاقات بين إيران وباكستان مقومات التحول إلى محور استراتيجي متعدد الطبقات يشمل الأمن والاقتصاد والثقافة والسياسة. وتأتي الزيارات الأخيرة للمسؤولين الإيرانيين، ومنهم لاريجاني وبزشكيان، كمقدمة لإعادة تعريف هذه العلاقات. وفي ظل الوضع الإقليمي المتوتر — من حرب غزة وهجمات إسرائيل إلى أزمة أفغانستان وتنافس القوى الكبرى — يمكن للتعاون الإيراني–الباكستاني أن يشكل درعاً جيوسياسياً لإيران من الشرق، ويوفر فرصاً اقتصادية، ويعزز العمق الثقافي، ويخفف الضغوط الخارجية. لقد حان وقت العمل البراغماتي وإدارة الخلافات بذكاء وبناء علاقة تحقق منفعة استراتيجية للطرفين.



