رهانات إيرانية على وساطة سعودية مع واشنطن

بغض النظر عما إذا وافقت الرياض على الدخول على خط الأزمة الإيرانية الأميركية أو لا، أو أن رسالة بزشكيان حملت رغبة إيران في دور سعودي مع واشنطن، فإن الموقف في طهران ينظر إلى الدور السعودي في هذه المرحلة على أنه طوق نجاة للخروج من دائرة التهديد.

ميدل ايست نيوز: السكوت السعودي عن فحوى الرسالة التي وجهها الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان إلى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان عشية زيارته إلى الولايات المتحدة والقمة التي عقدها مع الرئيس دونالد ترمب، قابله إصرار إيراني على الرواية الرسمية التي تمسكت بها وزارة الخارجية بالتأكيد أن الرسالة تتعلق بموضوع الحجاج الإيرانيين وتقديم الشكر للرياض على الدور الذي قامت به في إعادة الحجاج بالتزامن مع الهجوم الإسرائيلي على إيران. لكن السؤال الأول الذي يطرح نفسه حول الرواية الرسمية الإيرانية، هل كانت الرئاسة بحاجة إلى كل هذا الوقت لتذكر الدور السعودي في نقل الإيرانيين خلال الحرب لتقدم لها الشكر على ذلك؟ مع العلم أن الدولة الإيرانية سبق لها أن قدمت مثل هذا الشكر في وقته.

والسؤال الثاني، هل الاتفاق أو التفاهم حول تعاون البلدين الذي سبق التوصل إليه والتوقيع عليه بين الطرفين بعد عودة العلاقات بينهما كإحدى نتائج اتفاق بكين في مارس (آذار) عام 2023، بحاجة إلى مثل هذه الرسالة في هذا التوقيت؟ في حين أن السياق الطبيعي لمثل هذه التفاهمات أن تعالج في الأطر التي حددها الاتفاق ومن خلال اللجنة المشتركة حول مسائل الحج من البلدين.

هذه الأسئلة والاستفهامات حول توقيت الرسالة، تفتح الطريق أمام قراءة مختلفة لمضمون الرسالة الإيرانية إلى القيادة السعودية، وأنها تحمل مقاصد لا ترتبط بموضوع الحج وأداء واجب الشكر على دور طبيعي للمملكة تقوم به في رعايتها مناسك الحج والحجيج.

أما محاولة طهران الهروب إلى موضوع فرعي في علاقتها مع السعودية، والامتناع عن الاعتراف الصريح برغبتها في دور فاعل للرياض في أزمتها مع الولايات المتحدة، فلا يتسقان مع الإشارات التي جاءت في مواقف ولي العهد السعودي خلال اجتماعه مع ترمب حول أزمة الملف النووي الإيراني وموقف المملكة الواضح بضرورة التوصل إلى حلول بعيدة من الخيار العسكري الذي سينعكس سلباً على استقرار المنطقة، ويفتح الباب أمام تداعيات سياسية واقتصادية وأمنية لا يرغب فيها أي طرف، بخاصة أنها قد تؤدي إلى تراجع المسار التنموي والاقتصادي، وأن هذا الموقف يأتي من أن القيادة السعودية لا تتردد في تسهيل أية جهود توصل إلى اتفاق بين الطرفين ينهي حال التأزم في منطقة الشرق الأوسط.

انطلاقاً من أبعاد القلق السعودي إزاء تداعيات الخيار العسكري، لا يمكن الحديث هنا عن دور الوسيط المباشر أو البديل الذي تسعى الرياض إلى القيام به في هذه الأزمة، لكن في المقابل لا يمكن استبعاد احتمال أن تكون إشارات ولي العهد إلى الموضوع النووي وإدراجه على جدول أعمال زيارته الحافل بالمصالح الاستراتيجية والاقتصادية مع ترمب قد جاءت من فراغ، أو من دون أن تلمس الرياض رغبة إيرانية جدية في كسر هذا الجمود القائم في حوارها مع واشنطن، بالتالي رهانها على دور سعودي بإيجاد مخرج يعيد تفعيل مسارات التفاوض تسمح بالوصول إلى نقاط مشتركة وبنتائج واضحة ومحددة.

وقد لا تراهن طهران على دور مباشر تقوم به الرياض في هذا السياق، أي أن تكون هي الوسيط المحاور مع الطرف الأميركي، بل أن تساعد الرياض في تسهيل عملية تقريب وجهات النظر بين الطرفين وتدوير زوايا المواقف الحادة، انطلاقاً من تخفيف الشروط المسبقة التي يتمسك بها كل منهما.

وتسعى طهران إلى الاستثمار في الموقف السعودي الداعم للتفاوض والتوصل إلى حلول واضحة في الأزمة النووية لأن القيادة الإيرانية باتت تدرك بوضوح أن أي اتفاق أو تفاهم بينها وواشنطن لا يأخذ في الاعتبار المصالح السعودية في الإقليم، سيكون صعباً ولن يساعد في إعادة دمج إيران في محيطها أو يسهم في تعزيز الثقة بها وبطموحاتها في الإقليم، وما تشكله من تهديد لأمن واستقرار وسيادة دوله، على غرار ما حصل في اتفاق عام 2015 مع إدارة أوباما (الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما) التي أخذت من إيران تفاهماً في النووي وتركت لها الباب مفتوحاً لتوسيع نفوذها ودورها على حساب مصالح دول المنطقة.

وفي ظل غياب ضمانات واضحة على إنجاح دور الوساطة السعودية من الطرفين، لذلك من المتوقع أن تعتمد الرياض مساراً وسطياً لا يحملها أعباء سياسية أو اقتصادية في حال فشل الطرفين في التفاهم على نقاط مشتركة بينهما، ويضمن لها الحفاظ على دورها كلاعب مركزي ومحوري في الإقليم وعلى الساحة الدولية لا يمكن لأحد تجاوزه أو عدم أخذ مصالحه وهواجسه في الاعتبار.

وإذا ما ذهبت الرياض إلى اعتماد هذا الدور، فمن المرجح أن تقوم بتفعيل وتشغيل محركات علاقاتها الدولية مع الدول المؤثرة في القيادة الإيرانية، ولا سيما الجانبين الروسي والصيني اللذين تربطهما علاقات ومصالح اقتصادية مشتركة مع الرياض من ناحية، ويعدان حليفين استراتيجيين لإيران من ناحية أخرى، أو من خلال إعادة الحرارة للحوار بين طهران والدول الأوروبية، تحديداً الـ”ترويكا” الأوروبية التي تقوم بدور فاعل في مواجهة إيران، بخاصة بعد قرار الأخيرة تعليق تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية وعدم السماح للمفتشين بزيارة المواقع التي تعرضت للضربات الأميركية في يونيو (حزيران) الماضي، رداً على القرار الذي تقدمت به هذه الـ”ترويكا” إلى مجلس حكام الوكالة الدولية الذي يدين إيران ويطالب بإعادة ملفها لمجلس الأمن لإعادة تفعيل قراراته التي تفرض على إيران عقوبات دولية.

ولعل إعلان وزارة الخارجية الفرنسية عن زيارة لوزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إلى باريس والتي جاءت من خارج جدول زياراته إلى سلطنة عمان لبحث المسائل الإقليمية والملفات الدولية، وإلى لاهاي السويسرية للمشاركة في أعمال منظمة مكافحة انتشار الأسلحة الكيماوية للأمم المتحدة، سوى مؤشر على محاولة إيرانية لكسر طوق العزلة والضغوط التي تتعرض لها، وتوجيه رسالة اطمئنان إلى الرياض وواشنطن عن الرغبة الجادة في إعادة تنشيط المسار التفاوضي، وحتى في إعادة النظر بمستويات التعامل بينها والوكالة الدولية للطاقة الذرية التي تعد أحد المداخل الأساسية للتفاوض مع واشنطن.

وبغض النظر عما إذا وافقت الرياض على الدخول على خط الأزمة الإيرانية الأميركية أو لا، أو أن رسالة بزشكيان حملت رغبة إيران في دور سعودي مع واشنطن، فإن الموقف في طهران ينظر إلى الدور السعودي في هذه المرحلة على أنه طوق نجاة للخروج من دائرة التهديد بإمكان عودة المواجهة العسكرية التي لا ترغب فيها واشنطن ولا طهران ولا السعودية على حد سواء، ويفتح الطريق أمام إعادة رسم المعادلات الإقليمية على أسس جديدة هذه المرة، على العكس من تل أبيب التي تسعى إلى قطع الطريق على أي تقارب إيراني مع المحيط أو مع واشنطن.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
اندبندنت عربية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ثمانية عشر + 9 =

زر الذهاب إلى الأعلى