البنك المركزي العراقي يفتح الصندوق الأسود لملايين المؤثرين.. اقتصاد مواز يهز السوق العراقية

أثار قرار البنك المركزي العراقي، بشأن تتبع أموال مشاهير الإنترنت تساؤلات واسعة حول الحدود التي بلغتها “الفوضى” في الاقتصاد الرقمي.

ميدل ايست نيوز: أثار قرار البنك المركزي العراقي، بشأن تتبع أموال مشاهير الإنترنت تساؤلات واسعة حول الحدود التي بلغتها “الفوضى” في الاقتصاد الرقمي، بعد أن تحوّل نشاط المؤثرين من مجرد محتوى ترفيهي أو إعلاني إلى سوق موازية تضخ الملايين يومياً خارج الأطر الضريبية والرقابية.

ومع اتساع هذا النشاط غير الرسمي، باتت المصارف -وفق مراسلات رسمية- تواجه تحويلات ضخمة قد لا تتطابق مع سجلات الدخل أو طبيعة العمل، ما دفع البنك المركزي إلى اتخاذ خطوة غير مسبوقة بتصنيف المؤثرين ضمن “فئة عالية المخاطر”، الأمر الذي فتح النقاش حول هشاشة السوق الرقمية العراقية، وتمدد اقتصاد الإعلانات، والفجوة الواسعة بين مداخيل المحتوى وبين الأنظمة المالية وقدرتها على مواكبة التحول السريع في الاقتصاد الرقمي.

ويقول عضو الفريق الإعلامي للبنك المركزي علاء الفهد، في حديث لـ”العالم الجديد”، إن “التعليمات الجديدة بشأن التعامل مع مشاهير السوشيال ميديا تهدف إلى منع استغلال منصات التواصل في تمرير عمليات مالية غير مشروعة، وهي خطورة تمثل ضرورة في ظل توسع النشاط الرقمي وغياب تشريعات واضحة تنظم هذا النوع من التحويلات داخل البلاد”.

ويؤكد الفهد، أن “المصارف مطالبة برصد مؤشرات تحذيرية متعددة، أبرزها عدم التناسب بين الدخل المعلن والنشاط الفعلي للمؤثر، أو استقبال تحويلات من جهات لا تتصل بطبيعة عمله، أو استخدام حسابات مصرفية تعود لأفراد من العائلة أو المقربين، فضلاً عن تنفيذ معاملات متكررة وغير مبررة، أو الامتناع عن تقديم المستندات الرسمية المطلوبة”.

ويوضح أن “من بين الإشكالات التي يجب الانتباه لها إخفاء المستفيد الحقيقي من العمليات، سواء عبر فتح حسابات متعددة بأسماء مختلفة، أو تغيير أسماء الصفحات والقنوات، أو دمج النشاط الإعلاني بالتجاري بشكل يعقّد تتبع مصادر الأموال، إضافة إلى احتمالية حصول بعض المؤثرين على تمويل من جهات مدرجة على قوائم الحظر أو العقوبات”.

وطلب البنك المركزي من المصارف وفق القرار الأخير “ضرورة اتخاذ العناية الواجبة المعززة عند التعامل مع هذه الفئة، بما يشمل جمع بيانات دقيقة عن طبيعة نشاطهم، وربط حساباتهم المصرفية بحساباتهم الرقمية، والحصول على كشوفات مالية دورية، والتحقق من الجهات الراعية والمعلنين، فضلاً عن طلب عقود التسويق الحقيقية، ومراجعة مبالغها، والتأكد من عدم ارتباطها بأنشطة مشبوهة”.

كما نص القرار على مجموعة مؤشرات خاصة بـ”تمويل الإرهاب عبر حملات التبرعات الرقمية، مثل جمع الأموال عبر صفحات غير مرخصة، وتكرار التحويلات الصغيرة، وتحويل مبالغ إلى مناطق تشهد صراعات أو اضطرابات أمنية، أو الاعتماد على جهات غير رسمية لاستلام الأموال أو إرسالها”.

ويتضمن القرار إلزام المؤثرين بالإفصاح الكامل عن هوية الممول أو الجهة الداعمة للإعلانات أو النشاط المالي، وتحليل مصادر الدخل الناتج عن البث المباشر أو حملات التمويل الجماعي، كما يوجّه المصارف إلى استخدام منصات تحليل المتابعين مثل Social Blade وHype Auditor للكشف عن المتابعين الوهميين أو الحسابات المفبركة التي قد تستخدم لتمرير أموال مشبوهة.

ماذا عن البنية التحتية؟ 

بدوره، يؤكد خبير الاتصالات رضا خضير، في حديث لـ”العالم الجديد”، أن “القرار يشكل خطوة مهمة لضبط العملية المالية، ومنع استغلال هذه المنصات في عمليات غير قانونية مثل غسل الأموال أو تهريب الأموال، خاصة وأن الكثير من المؤثرين يملكون مصادر دخل متعددة وغير ثابتة، ما يجعل متابعة نشاطاتهم المالية تحدياً كبيراً للمصارف إذا لم تتوفر أدوات الرقابة الكافية”.

ويبين خضير، أن “البنية التحتية الحالية للمصارف والحكومة العراقية تحتاج إلى تطوير كبير لتتمكن من تتبع الحسابات المالية للمؤثرين، وهذا يشمل مراقبة التحويلات المالية والتأكد من مطابقة الإيرادات المعلنة مع النشاط الفعلي”، موضحاً أن “الأمر لا يتعلق بالعقوبات أو الغرامات فقط، بل بضمان حقوق الدولة وتحصيل الضرائب المستحقة، وهو ما يتم تطبيقه في معظم دول العالم لضبط هذا النوع من النشاطات المالية”.

قرارات سابقة 

ويأتي قرار البنك المركزي ضمن سلسلة خطوات رقابية اتخذت خلال العامين الماضيين لضبط نشاط المؤثرين وتنظيم الاقتصاد الرقمي، غير أن تطبيق هذه القرارات ظل مثار جدل بسبب صعوبة التنفيذ وغياب البنى التحتية القادرة على مراقبة التدفقات المالية داخل سوق سريع النمو.

وتزامن القرار مع الضجة التي أثارتها مبادرة “الغرفة الزجاجية”، بعدما تابع الآلاف بث مشاهير جمعوا خلال أيام مبالغ ضخمة عبر التبرعات الرقمية، في سابقة سلّطت الضوء على حجم الاقتصاد الموازي الذي نشأ داخل منصات التواصل.

من جانبه، يرى الناشط والباحث السياسي حسين الطائي، في حديث لـ”العالم الجديد”، أن “القرارات الأخيرة للبنك المركزي لا يمكن قراءتها بمعزل عن المسار الذي تتبعه الدولة منذ سنوات في محاولة تنظيم الفضاء العام، لكن جزءاً من هذه القرارات يؤشر رغبة واضحة بفرض حضور أكبر على مساحة رقمية باتت خارج السيطرة التقليدية”.

ويضيف الطائي، أن “الأسئلة ما تزال مطروحة حول مدى تطبيق القرارات السابقة، مثل نظام رسوم تسجيل صنّاع المحتوى، وما إذا كانت الجهات المعنية قد تمكنت فعلاً من تنفيذها على أرض الواقع قبل الانتقال إلى خطوة أكثر تعقيداً تتعلق بتصنيف المؤثرين كفئة عالية المخاطر”.

ويؤكد أن “غياب الشفافية في الإعلان عن نسب الالتزام أو حجم المخالفات يجعل التقييم صعباً، ويضع علامات استفهام حول جدوى أي إجراءات جديدة دون معالجة الإشكالات التنفيذية السابقة”.

وكانت هيئة الإعلام والاتصالات أعلنت سابقاً نظاماً لتسجيل صناع المحتوى وربط نشاطهم الإعلاني بالسجلات الرسمية، لكنها واجهت بدورها عقبات مرتبطة بتنظيم السوق الواسع وغير الرسمي، وبرغم أنها حددت رسوماً سنوية للتسجيل وفق عدد المتابعين، تبدأ من مليون دينار عراقي للمؤثرين الذين تتجاوز حساباتهم خمسة ملايين متابع (نحو 700 دولار)، وتنخفض تدريجياً لتصل إلى 250–350 ألف دينار سنوياً للمؤثرين الذين تتراوح متابعاتهم بين 100 و500 ألف متابع، إلا أن استحصال تلك الرسوم بقي معلقاً، وفق مشاهير.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
العالم الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

خمسة × خمسة =

زر الذهاب إلى الأعلى