الصحافة الإيرانية: عقيدة جديدة في المنطقة وحرب تلوح في الأفق

يرى الخبراء أن تصريحات القيادات الإيرانية الأخيرة تتجاوز مجرد الاستعداد الدفاعي، فهي إعلان عن عقيدة جديدة: عقيدة الرد الفعال، التي تظهر أن إيران ليست مستعدة فقط للدفاع، بل لتحديد سقف وحجم النزاع أيضًا.

ميدل ايست نيوز: وقعت منطقة غرب آسيا في وضع تُوصفه التحليلات بـ “نقطة اللا عودة”. فالتطورات الأخيرة في ثلاث بؤر رئيسية للنفوذ الإيراني — سوريا ولبنان والعراق — لم تزد فقط الحصار الجيوسياسي على طهران تشدداً، بل وضعتها، مع انهيار النظام الأمني السابق، أمام خيار صعب: إما قبول تقليص النفوذ والعودة إلى طاولة المفاوضات، أو اختيار استراتيجية المواجهة العسكرية لإعادة تعريف موازين القوى. تشير التصريحات الحازمة والصريحة لقادة عسكريين رفيعي المستوى في الأسابيع الأخيرة إلى أن طهران، بالنظر إلى الظروف الإقليمية الجديدة، لا تستبعد الخيار الثاني وتستعد له.

وقالت صحيفة توسعه إيراني، إنه في الوقت الذي كان فيه سفر البابا والتحذيرات الدبلوماسية (مثل رسائل وزير الخارجية المصري) يمكن أن تُستغل كفرص لتخفيف التوتر، أظهر محور المقاومة وحلفاؤه وتأكيدهم على ضرورة رد مؤلم، أن الهدف هو الردع من خلال التهديد المتبادل، وليس محاولة العودة إلى الوضع السابق للأزمة. هذه المقاربة تزيد من احتمال امتداد الحرب إلى كامل المنطقة، حيث يتهيأ أنصار الله في اليمن والجماعات المقاومة العراقية للمشاركة في المواجهة.

في هذا السياق، ليس أمام طهران للحفاظ على نفوذها الإقليمي سوى تغيير الاستراتيجية. يعتقد المحللون أن إيران تسعى الآن إلى تعويض الفراغ الناتج عن فقدان سوريا عبر توسيع شبكات المقاومة وخلق هندسة ردع موزعة في العراق ولبنان واليمن. هذه الاستراتيجية الجديدة تتطلب بطبيعتها مستوى أعلى من التوتر وعرض القوة، بهدف خلق توازن مقابل النفوذ المتزايد لتركيا والسعودية وإسرائيل في “سوريا الجديدة”. بمعنى آخر، أصبحت إيران مضطرة لقبول مخاطر عسكرية أكبر للحفاظ على موقعها في النظام الجديد.

العراق في الخط الأمامي: ضغط على العمق الاستراتيجي

تستهدف الضغوط الأميركية والإسرائيلية على العراق مباشرة العمق الاستراتيجي الإيراني. فمحاولات منع تدخل الفصائل المقاومة العراقية لدعم لبنان وإيران تترافق مع تهديدات مباشرة. رسالة وزير الدفاع الأميركي خلال زيارته الأخيرة لبغداد، التي نصّت على أن أي رد من الجماعات العراقية على هجوم محتمل ضد إيران سيواجه ردًا غير مسبوق، لا تُعد مجرد تحذير، بل محاولة لنزع السلاح النفسي والعملي لمحور المقاومة في العراق. وفي هذا الإطار، تعكس تصريحات وزير الخارجية العراقي حول ضرورة الاختيار بين المصالح الوطنية والمصالح الحزبية والجماعية، مع التأكيد على “الخطوط الحمراء” الأميركية بشأن وجود أفراد مُدرجين على قوائم العقوبات في الحكومة المقبلة، نجاح واشنطن النسبي في هندسة المشهد السياسي العراقي ضد النفوذ الإيراني.

في هذا الخضم، تدرك إيران أن أي تراجع في العراق يعني فقدان آخر معقل نفوذ إقليمي لها في غرب آسيا. لذلك، فإن الرد الحاسم على أي هجوم محتمل ليس مجرد رد انتقامي، بل ضرورة استراتيجية للحفاظ على قوة التفاوض أمام الولايات المتحدة ومنع فقدان السيطرة الكاملة في بغداد. ومن جهة أخرى، فإن تجاهل التهديدات في العراق قد يدفع النزاع إلى حدود إيران، ولهذا السبب، فإن تركيا وإيران على حد سواء قلقتان من الجماعات والميليشيات الموجودة في العراق.

القادة في الدور الدبلوماسي: اختيار استراتيجية المواجهة

أوضح دليل على اختيار إيران استراتيجية المواجهة هو نبرة ومضمون تصريحات القادة العسكريين رفيعي المستوى. ففي ظل فشل الدبلوماسية وتعثر المفاوضات غير المباشرة مع الولايات المتحدة بسبب إصرار واشنطن على “التخصيب صفر” ثم الهجوم الإسرائيلي، أصبح القادة العسكريون عمليًا المتحدثين الرئيسيين للسياسة الخارجية.

ويرى الخبراء أن تصريحات مثل “إذا فعل العدو شيئًا، فسيتلقى ردًا أكثر جدية، ولا شك في ذلك” (نائيني، المتحدث باسم الحرس الثوري)، و”اليوم نحن أكثر استعدادًا من أي وقت مضى” (الجنرال وحيدي، نائب قائد القوات المسلحة)، و”رد حاسم وفعال ومُربك في حال الهجوم مجددًا” (الجنرال موسوي، قائد القوات المسلحة) تتجاوز مجرد الاستعداد الدفاعي، فهي إعلان عن عقيدة جديدة: عقيدة الرد الفعال، التي تظهر أن إيران ليست مستعدة فقط للدفاع، بل لتحديد سقف وحجم النزاع أيضًا.

وفي هذا الإطار، يرى أحمد نقيب‌ زاده، أستاذ العلوم السياسية، أن وقوع جولة جديدة من النزاعات أمر حتمي، مؤكدًا أن “لا طريق وسط متبقي لتخفيف التوتر”. تشير تصريحاته إلى أن طهران أدركت أن الغرب يفهم لغة القوة فقط، وأن التراجع يعني فقدان المكاسب الاستراتيجية.

وفي السياق نفسه، رفض المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية أي ادعاءات حول انسداد المفاوضات، بينما لا يوجد حوار جاد فعليًا، ما يُفسره المحللون، مثل أحمد زيد آبادي، على أنه محاولة للحفاظ على موقف القوة ومنع خلق ثغرة دبلوماسية، وليس حقيقة واقعية. هذا السلوك يعني أن الخيار العسكري الآن يفوق الخيار الدبلوماسي.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
ميدل ايست نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

10 + 19 =

زر الذهاب إلى الأعلى