الصحافة الإيرانية: اجتماع مجلس المحافظين المقبل… بين الدبلوماسية المتعثرة وشبح التصعيد

يُعقد الاجتماع الفصلي لمجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية في ظروف مختلفة تماماً عن السابق، حيث لم يعد هناك إجماع دولي كما كان من قبل ضد البرنامج النووي الإيراني.

ميدل ايست نيوز: من المقرر أن يُعقد الاجتماع الفصلي لمجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بين 17 و21 نوفمبر. ويأتي هذا الاجتماع في وقت تسوده أجواء من التوتر والشك في العاصمة النمساوية فيينا، أكثر من أي وقت مضى، في ظل التطورات الأخيرة التي جعلت كثيراً من المراقبين يرون الاجتماع المرتقب اختباراً لمدى التزام الأطراف المتبقية وتعهداتها المهتزة، وقياساً لحالة الدبلوماسية التي تكاد خيوطها تنقطع.

وبموجب الفقرة الثامنة من القرار 2231، انتهى عملياً في 18 أكتوبر العمل باتفاق «خطة العمل الشاملة المشتركة» (الاتفاق النووي). وفي 25 أكتوبر، أعلن السفير والمندوب الروسي لدى المنظمات الدولية في فيينا أن انقضاء مهلة تنفيذ القرار 2231 يعني انتهاء الاتفاق النووي المبرم عام 2015، وأن الوكالة الدولية للطاقة الذرية ستواصل من الآن فصاعداً النظر في القضايا المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني فقط ضمن إطار اتفاق الضمانات الشامل.

وتشير هذه التطورات إلى أن الاجتماع المقبل لمجلس المحافظين سيُعقد في أجواء مشحونة، حيث لا تنبع التوترات بين الأطراف من خلافات تقنية فحسب، بل من جذور أعمق تتصل بانعدام الثقة والتباينات الأيديولوجية الواسعة. كما أن عودة العقوبات الأممية على طهران، والخلاف بين إيران وحلفائها من جهة، وأوروبا من جهة أخرى بشأن شرعية تفعيل «آلية الزناد»، يعكسان حالة الجمود القانوني والإعلامي التي بات يرزح تحتها الملف النووي الإيراني. ولهذا، فإن الاجتماع القادم يبدو أقرب إلى مواجهة سياسية منه إلى مشاورات فنية.

التوتر في ذروته

وقالت صحيفة دنياي اقتصاد، إن إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية، في أعقاب تداعيات الحرب التي استمرت 12 يوماً، سعت إلى تهيئة الأجواء لفتح مسار دبلوماسي جديد. وكان «اتفاق القاهرة» الموقع بين وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي والمدير العام للوكالة رافائيل غروسي خطوة تهدف إلى تذليل العقبات القائمة بطريقة سلمية. لكن طهران حذرت في الوقت نفسه من أن تفعيل آلية الزناد سيقوض هذا الجهد ويفقد الاتفاق قيمته. تجاهل الترويكا الأوروبية لهذه التحذيرات أدى إلى إفشال المحاولة مجدداً وإعادة الأزمة إلى نقطة الصفر.

وفي خضم هذه الأوضاع، تحولت تصريحات المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية الأخيرة حول البرنامج النووي الإيراني إلى محور أساسي في المشهد الراهن.

وفي مقابلة أجراها مع صحيفة «لو تمب» السويسرية، نُشرت يوم الأربعاء 22 أكتوبر، أثناء وجوده في جنيف، أوضح غروسي أنه على الرغم من تلك الهجمات، فإن أجهزة الطرد المركزي الإيرانية القادرة على تخصيب اليورانيوم «قابلة لإعادة البناء».

وأضاف قائلاً إن إيران ما تزال تحتفظ بمخزون من اليورانيوم المخصب، من بينها نحو 400 كيلوغرام بنسبة تخصيب 60%، أي أقل بقليل من مستوى الاستخدام العسكري، مشيراً إلى أنه «إذا استمر هذا المسار، فستمتلك إيران كمية كافية من المواد لصنع ما يقارب عشر قنابل نووية».

وأكد المدير العام للوكالة أنه «لا يوجد أي دليل على أن طهران تعتزم صنع قنبلة نووية»، مضيفاً: «للتأكد من ذلك، يجب استئناف عمليات التفتيش». وأشار المدير العام للوكالة إلى أن «طهران تسمح حالياً للمفتشين بإجراء زيارات محدودة ومتقطعة فقط»، موضحاً أن هذه القيود تُفرض لأسباب «أمنية»، وأضاف: «أنا أتفهم ذلك، لكنني أخشى من اللجوء مجدداً إلى القوة إذا فشلت الدبلوماسية».

وفي رده على كلام غروسي قال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي أنه لا يدري إن كان قد قال هذا الكلام من باب القلق أم التهديد. وأضاف عراقجي: “لكن من يدلون بهذه التهديدات يجب أن يعلموا أن تكرار تجربة فاشلة لن يترتب عليها سوى فشل جديد بالنسبة لهم”.

توتر في الأفق؟

تأتي هذه التطورات في وقت تشير فيه بعض التكهنات إلى احتمال إحالة الملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن الدولي. وقال لورنس نورمان، مراسل صحيفة وول ستريت جورنال المتابع للملف النووي الإيراني منذ سنوات، يوم الاثنين 20 أكتوبر، إنّ مصادر أبلغته بأنه في حال لم تتعاون طهران، فإنّ أوروبا قد تُحيل “ملف إيران” إلى مجلس الأمن الدولي في نوفمبر المقبل.

وشدد نورمان على أنّ الجمهورية الإسلامية الإيرانية قد تحاول الإيحاء بأنّ القضية طُويت، “لكن الأمر ليس كذلك”، على حدّ قوله. وأضاف أنّه يجب التذكير بأنّ بريطانيا وفرنسا وألمانيا تملكان مهلة 12 شهراً لإرسال قرار عدم التزام طهران بتعهداتها النووية إلى مجلس الأمن.

من جهة أخرى، يؤكد حلفاء إيران أنهم سيمنعون أي تحركات من هذا النوع من جانب أوروبا. وفي هذا السياق، قال سيرغي ريابكوف، نائب وزير الخارجية الروسي، إن أي محاولة أوروبية لإحالة الملف النووي الإيراني من مجلس المحافظين إلى مجلس الأمن الدولي ستُمنى بالفشل. وخلال مشاركته في المؤتمر الدولي لمركز دراسات الطاقة والأمن (CENESS)، عرض ريابكوف المواقف الجديدة لموسكو في مجال السياسة النووية ونظام عدم الانتشار.

ورداً على سؤال حول احتمال إحالة القرار الأخير الصادر عن مجلس المحافظين بشأن إيران إلى مجلس الأمن، قال إن هذا المسار «غير ممكن من الناحية الإجرائية»، وإن موسكو ستستخدم حق النقض (الفيتو) في حال حاول الغرب المضي فيه. وأضاف أن أي خطة أوروبية محتملة لإحالة الملف النووي الإيراني من مجلس المحافظين إلى مجلس الأمن «محكوم عليها بالفشل».

التحديات المقبلة

يواجه الاجتماع المقبل لمجلس المحافظين جملة من الأزمات المعقدة. فمن ناحية، تحتاج الوكالة إلى الحفاظ على مسار الحوار والدبلوماسية مع إيران. ومن ناحية أخرى، قد تؤدي الضغوط التي تمارسها الدول الأوروبية على الوكالة، إلى جانب مواقف حلفاء طهران، إلى انقسام حاد في مخرجات هذا الاجتماع.

ويُعقد هذا الاجتماع في ظروف مختلفة تماماً عن السابق، حيث لم يعد هناك إجماع دولي كما كان من قبل ضد البرنامج النووي الإيراني. كما لا يمكن إغفال أن قبول طهران الطوعي بعمليات المراقبة الإضافية للوكالة، إضافة إلى اتفاق القاهرة الأخير، يعكسان التزامها بالشفافية وسعيها لكسر جدار عدم الثقة، وهو ما يمكن ملاحظته في تصريحات غروسي الأخيرة.

ومع ذلك، فإن تقويض الاتفاقات وتصاعد التوترات يبقيان نتيجة مباشرة لسياسات الغرب. وفي غياب حل سلمي، يبدو أن اجتماع مجلس المحافظين المقبل أشبه بـ«نار تحت الرماد» قد تشتعل في أي لحظة. ويبقى السؤال إلى أين ستتجه دفة اجتماع مقاعد فيينا الـ35؟ نحو التصعيد أم نحو التفاهم؟

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
ميدل ايست نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

5 × 3 =

زر الذهاب إلى الأعلى