الصحافة الإيرانية: ملامح جيوسياسية لإعادة رسم توازن القوى في آسيا الوسطى
يعكس هذا التطور جانباً من الصراع الأوسع بين الولايات المتحدة وروسيا والصين، وهو صراع تجاوز حدود الشرق الأوسط ليصل إلى عمق آسيا الوسطى.

ميدل ايست نيوز: أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في رسالة عبر “تروث سوشال” أن محادثة جرت بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ورئيس كازاخستان قاسم جومارت توكاييف، مشيرًا إلى أن كازاخستان ستكون أول دولة في ولايته الرئاسية الثانية تنضم إلى “الاتفاقيات الإبراهيمية”، وهي المبادرة التي أُطلقت خلال ولايته الأولى بهدف تطبيع العلاقات بين إسرائيل وعدد من الدول الإسلامية. ومع هذا التطور المحتمل، يبدو أن المشهد الجيوسياسي في آسيا الوسطى مقبل على تساؤلات جديدة وتحولات محتملة.
وقال محمد غل افروز، أستاذ جامعي وباحث في مجال الجغرافيا السياسية، في مقال نشره موقع دبلوماسي إيراني، إنه من منظور جيوسياسي، يمكن اعتبار انضمام كازاخستان إلى الاتفاقيات الإبراهيمية أكثر من مجرد خطوة دبلوماسية، إذ إن منطقة آسيا الوسطى لطالما شكلت ساحة تنافس بين القوى الكبرى بسبب ثرواتها من الطاقة وموقعها الجغرافي الاستراتيجي وصلاتها التاريخية بروسيا. لذلك، فإن انضمام كازاخستان المحتمل إلى هذه الاتفاقيات، إن تحقق، قد يمثل مؤشراً على تحول تدريجي في موازين القوى في المنطقة، وربما تحدياً لنفوذ روسيا التقليدي هناك. هذه الخطوة لا تقتصر على بعدها الدبلوماسي، بل تحمل أيضًا أبعادًا جيوسياسية أعمق، إذ يمكن النظر إليها كجزء من مساعي الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين لتقليص نطاق الدور الروسي في آسيا الوسطى.
وفي حال توسعت العلاقات الاقتصادية والأمنية والتكنولوجية بين إسرائيل ودول المنطقة، فإن ذلك قد يؤدي إلى إضعاف النفوذ الروسي التقليدي في مجالات الطاقة والنقل والتعاون العسكري. بالتالي، يمكن النظر إلى انضمام كازاخستان إلى الاتفاق بوصفه أحد الأساليب الجديدة لتطويق روسيا جيوسياسيًا من قبل الغرب، خطوة تُرفع تحت شعار السلام، لكنها في جوهرها تعكس منافسة هيكلية بين القوى الكبرى في فضاء ما بعد روسيا.
في هذا السياق، ستكون ردود فعل روسيا، إلى جانب مواقف القوى الإقليمية الأخرى مثل الصين وإيران، حاسمة في تحديد مستقبل توازن القوى في آسيا الوسطى. يبدو أن الهدف غير المعلن أو غير المباشر لهذا المسار هو تقييد الدور الروسي في المنطقة، التي تملك احتياطات ضخمة من النفط والغاز واليورانيوم، فضلًا عن موقعها الجغرافي الحساس، ما يجعلها ذات أهمية استراتيجية لموسكو. ومن هذا المنطلق، قد يُنظر إلى انضمام كازاخستان إلى الاتفاقيات الإبراهيمية كجزء من سياسة جديدة للحد من النفوذ الروسي في المنطقة.
ومن النتائج المحتملة لهذه الخطوة، تعزيز العلاقات الاقتصادية والتكنولوجية والأمنية بين كازاخستان وإسرائيل وحلفائها الغربيين، في حين قد تعتبر موسكو وبكين، اللتان تُعدان اليوم شريكتين استراتيجيتين في مواجهة الغرب، هذه الخطوة محاولة جديدة لتوسيع النفوذ الغربي في محيطهما الحيوي.
أما الموقف الإيراني من اقتراب كازاخستان من المحور الغربي الإسرائيلي، فسيكون بدوره عاملاً مؤثراً في تحديد ملامح التوازن الإقليمي الجديد. فمسألة انضمام كازاخستان المحتمل إلى محور التطبيع ليست مجرد خطوة رمزية في العلاقات بين إسرائيل والدول الإسلامية، بل تحرك جيوسياسي يعيد رسم خريطة النفوذ في قلب آسيا الوسطى.
في المحصلة، يعكس هذا التطور جانباً من الصراع الأوسع بين الولايات المتحدة وروسيا والصين، وهو صراع تجاوز حدود الشرق الأوسط ليصل إلى عمق آسيا الوسطى، التي باتت اليوم مسرحاً جديداً تُعاد فيه صياغة معادلات التعاون والتنافس والاحتواء بين القوى الكبرى في العالم.
اقرأ المزيد
الصحافة الإيرانية: أمريكا تعيد ترتيب أوراسيا وإيران في قلب منافسة القوى الكبرى



