هل يعود جو بايدن إلى الاتفاق النووي مع إيران؟
جو بايدن الذي كان من مؤيدي الاتفاق النووي الذي وقّعته إدارة باراك أوباما مع إيران في 2015، يثير موقفه من العقوبات العديد من التساؤلات.
ميدل ايست نيوز: بعدما تكرس تقدم المرشح الديمقراطي إلى الانتخابات الرئاسية جو بايدن في استطلاعات الرأي على الرئيس دونالد ترمب، بات السؤال عن الأسلوب الذي سيتعامل به بايدن مع إيران مطروحاً بقوة في الشرق الأوسط، خصوصاً في البلدان العربية التي يشكل لها السلوك الإيراني مشكلة فشلت في علاجها جهود دبلوماسية ووساطات دولية عدة.
استطلاع الرأي الأخير الذي نشرته قناة «سي إن إن» الأميركية، أشار إلى حصول بايدن على تأييد 53% من المستطلعة نياتهم حيال المرشح الذي سينتخبونه في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل. في المقابل، نال ترمب 41% من الأصوات المفترضة في الاستطلاع الذي أجري أواخر يونيو (حزيران) الماضي ونُشرت نتائجه في يوم الاستقلال.
وحسب المنظمين، فإن استطلاعات الرأي التي تعلَن نتائجها في هذا العيد الوطني في سنوات الانتخابات، غالباً ما تتأكد صحتها يوم التوجه إلى الصناديق. أضف إلى ذلك، أن الفارق البالغ 12 نقطة مئوية لمصلحة بايدن يضع الرئيس الحالي في موقف حرج.
الحرج الذي يواجهه ترمب سيدفعه إلى البحث عن أوراق تعزز قوته. وكانت القضايا الداخلية قد أوصلت الناخبين الأميركيين إلى حد بالغ الارتفاع من الانقسام إزاء قضايا التمييز العنصري بعد قضية مقتل المواطن الأفريقي الأميركي جورج فلويد والفوضى العارمة في تناول وباء كوفيد – 19 (كورونا) التي انقلبت ساحة للسجال وتبادل الاتهامات بالمسؤولية عن وضع شبيه بالانهيار بلغه النظام الصحي في الولايات المتحدة مع أكثر من ثلاثة ملايين مصاب وأكثر من 130 ألف وفاة، ومعالجة أقرب إلى الفضيحة على مستوى الولايات والإجراءات الوقائية وجدالات حول أولوية الحياة البشرية على الاقتصاد وأرباح الشركات وظهور أرقام عن تركز العدوى بين الأفرو – أميركيين واللاتينيين، ما شكّل تغذية ارتجاعية لمشاعر النقمة بسبب التفرقة العنصرية.
الحصاد المُرّ في الداخل لن يستطيع ترمب على الأرجح، تحويله إلى نجاحات في الخارج، حيث تخوض الإدارة الأميركية مواجهات على عدد من الجبهات الحساسة مثل الخلاف المتزايد عمقاً مع الصين والتوتر مع الاتحاد الأوروبي.
أما في الشرق الأوسط الذي حققت فيه إدارات سابقة إنجازات أتاحت لها كسب جمهور يهتم بأمن إسرائيل واستقرار أسعار النفط كعنصرين رئيسيين من عناصر السياسة الداخلية الأميركية، فلا يبدو أن الإدارة الحالية ستتمكن من تسويق أي من النجاحات فيه بعد الجمود الذي أصاب خطة السلام المعروفة بـ«صفقة القرن» والتردد في دعم ضم إسرائيل أجزاء واسعة من الضفة الغربية نظراً إلى حساسية المسألة بالنسبة إلى حلفاء أميركا الآخرين في المنطقة وللمعارضة الدولية الواسعة للخطوة، في حين تبقى إيران، القضية التي تجد فيها إدارة ترمب مجالاً لاستخراج بعض العائد الانتخابي، إذا جاز القول، مستعينةً بسياسة «الضغط الأقصى» وما تتضمنه من عقوبات ونشاطات علنية وسرية لجلب طهران إلى مائدة المفاوضات مجدداً ومن موقع ضعيف، بعدما أكد أكثر من مسؤول أميركي أن هدف واشنطن ليس إسقاط النظام الإيراني.
جو بايدن الذي كان من مؤيدي الاتفاق النووي الذي وقّعته إدارة باراك أوباما مع إيران في 2015، يثير موقفه من العقوبات العديد من التساؤلات. فقد دعا في أبريل (نيسان) الماضي، مع عدد من النواب الديمقراطيين إلى تخفيف العقوبات للسماح لإيران بالحصول على مساعدات طبية لمكافحة وباء «كورونا». كما انتقد إلغاء الاتفاق النووي سنة 2018، ما يجعله مرشحاً مفضلاً عند مؤيدي التسوية الشاملة مع إيران في الدوائر الأميركية.
بيد أن ثمة نقطتين تستحقان التوقف عندهما بالنسبة إلى موقف بايدن من إيران عموماً. الأولى، داخلية تتمثل في حجم المشكلات التي ستواجهها أي إدارة تدخل البيت الأبيض في نوفمبر المقبل، سواء بقي الجمهوريون أو حل الديمقراطيون محلهم. تمتد هذه المشكلات من الوضع الاقتصادي الكارثي الذي ارتفعت فيه معدلات البطالة إلى مستويات غير مسبوقة بسبب الوباء وأثره على التوقف شبه الكامل للدورة الاقتصادية، وصولاً إلى الانقسامات العرقية والطبقية المتفاقمة بين البيض والسود وبين الأثرياء والفقراء وما يدخل في هذا الباب.
وغنيٌّ عن البيان أن محور السياسات الأميركية انتقل منذ نهاية الحرب الباردة على الأقل إلى الداخل واضمحل اهتمام الناخبين بالقضايا الخارجية وسط تكهنات عن «العودة إلى الانعزالية» التي سادت الولايات المتحدة قبل الحرب العالمية الثانية. علاج هذه المواضيع سيحيل السياسات الخارجية إلى مراتب ثانوية من سلم اهتمامات الإدارة، ما يرجح أن يتأخر البت فيها طويلاً.
النقطة الأخرى في موقف بايدن من إيران، هي الطبيعة المركبة لمقاربة المرشح الديمقراطي التي تتعارض مع العداء الكامل الذي تبديه الإدارة الحالية. البيان «المرجعي» في هذا الخصوص والذي تلجأ وسائل الإعلام الأميركية عند تناولها المسألة هي مقابلة تلفزيونية أجراها مستشار بايدن للشؤون الدولية أنطوني بلينكن، ويعلن فيها أن الولايات المتحدة ستعود إلى الاتفاق النووي شرط أن تقبل إيران بالالتزام به أولاً، وأن تبني واشنطن اتفاقاً أقوى وأطول مدى مع شركائها لمراقبة أي نشاطات إيرانية قد يراها الغرب غير مقبولة، مع اعترافه بأن الأمور قد تبدلت منذ انسحاب إدارة ترمب منه، ما يستدعي مفاوضات جديدة ومعقدة.
مستشار آخر لبايدن، هو جايك سوليفان، رأى أن معارضي الانسحاب من الاتفاق كما مؤيديه، أخطأوا في تقدير فاعلية العقوبات الجديدة التي فرضها ترمب على إيران، مشيراً إلى أنها «عقوبات شديدة الفاعلية، بالمعنى الضيق للكلمة». يترك ما تقدم صورة تتنافى مع التبسيط السائد عن رفع فوري للعقوبات إذا فاز بايدن في الانتخابات الرئاسية وعودة إلى الاتفاق السابق، حيث تغيرت الأوضاع في المنطقة وفي إيران تغييرات عميقة منذ 2018 حتى اليوم، سواء بسبب العقوبات أو بسبب تغير المناخ السياسي في الإقليم، ناهيك بأوضاع النظام الإيراني ذاته ومسائل خلافة «المرشد» علي خامنئي والتململ بين المواطنين.