مجموعة الأزمات الدولية: آن أوان المحادثات.. نحو حوار بين السعودية وإيران
لقد أشارت السعودية والإمارات إلى أنهما لا تعارضان مثل ذلك الحوار، لكنهما ترغبان برؤية دعم أميركي له.
ميدل ايست نيوز: بعد مباشرة الرئيس جو بايدن مهام منصبه بقليل، انخرطت الولايات المتحدة وإيران في مفاوضات غير مباشرة لاستعادة الاتفاق النووي لعام 2015، المسمى أيضاً خطة العمل الشاملة المشتركة.
مهما كانت إعادة إحياء الاتفاق مفيدة لمنع انتشار الأسلحة النووية وللعلاقة الأميركية – الإيرانية المتوترة فإنها (إن حدثت) لن تزيل التوترات بين إيران وجيرانها العرب في منطقة الخليج – خصوصاً السعودية والإمارات العربية المتحدة – وهي التوترات التي ارتفعت حدتها بشكل خطير في ظل إدارة الرئيس دونالد ترامب.
ويبقى من غير الواضح ما إذا كان يمكن لخطة العمل الشاملة المشتركة، إذا أعيد إحياؤها، أن تشكل الأساس لمحادثات من شأنها أن تعالج الهاجس الرئيسي لدول الخليج، أي فرض إيران لقوتها في المنطقة من خلال شركائها المسلحين غير الحكوميين وصواريخها البالستية.
ينبغي على حكومات الولايات المتحدة والدول الأوروبية أن تساعد على تقليص الاحتكاكات عبر دعم إطلاق حوار شامل بشأن كيفية منع حدوث صراع غير مقصود. كما يمكن لمثل ذلك الحوار أن يستكشف وضع نهاية تفاوضية للحرب اليمنية. ثم، ينبغي على السعودية والإمارات، من جهتهما، الاستمرار في الحوار مع إيران والسعي إلى نقاشات إقليمية أوسع تشمل الدول العربية الأربع الأخرى في الخليج إضافة إلى العراق.
سيجعل تاريخ العداء بين إيران، من جهة، والسعودية والإمارات من جهة أخرى، تحقيق التقدم صعباً. فالتصور بوجود تهديد إيراني لأمن دول الخليج يعود إلى الثورة الإسلامية في عام 1979. إذ إن العلاقات بين الجانبين تجمدت وتلاشت منذ ذلك الحين، واعتمدت في كثير من الأحيان على درجة من الانخراط العسكري الأميركي في المنطقة.
في بعض الأحيان، أدى اللجوء إلى الدبلوماسية إلى تخفيف حدة التوترات. لكن بعد أربعين عاماً، وخصوصاً بعد الغزو الأميركي للعراق في عام 2003 والانتفاضات الشعبية في عام 2011 التي أوجدت فراغاً في السلطة في أجزاء من العالم العربي، فإن السعودية والإمارات شعرتا برعب متزايد من محاولات إيران فرض قوتها، والتي يرون فيها محاولة عدوانية لبسط هيمنتها الإقليمية.
مفاوضات الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن الدولي وألمانيا مع إيران أسهمت في زيادة قلق دول الخليج. في حين أن الإمارات والسعودية تعترفان بقيمة خطة العمل الشاملة المشتركة في كبح جماح البرنامج النووي الإيراني، فإنهما تجادلان بأنها لم تفعل ما يكفي لتأخير، ناهيك عن منع، امتلاك إيران للسلاح النووي.
ما يفوق ذلك أهمية هو أنهما انتقدتا الاتفاق علناً لتركيزه على الطموحات النووية لإيران واستبعاد ما يقلقهما أكثر من أي أمر آخر، وهو حلفاء طهران غير الحكوميين وصواريخها البالستية. كلا الدولتان تعتبران خطة العمل الشاملة المشتركة فشلاً دبلوماسياً، وتقولان إن الاتفاق زاد في جرأة إيران ومنحها المال اللازم لتوسيع نفوذها الإقليمي، أي بتعزيز قدرتها على توفير الأسلحة لشبكة من شركائها غير الحكوميين في العراق، ولبنان، وسورية واليمن.
ما يضيف إلى خوف الدولتين الخليجيتين مما تريان فيه قوة إيران المتنامية هو التصور بأن الولايات المتحدة قد تكون ماضية في تقليص التزامها بأمن الخليج. وانتقدتا إدارة جورج دبليو بوش لغزوها العراق، المناورة التي رأتا فيها تقويضاً لاستقرار المنطقة وتعود بالفائدة لا محالة على إيران؛ ونظرتا إلى عدم استعداد إدارة أوباما للاندفاع لمساعدة الرئيس حسني مبارك عندما أطيح به عام 2011 علامة على انسحاب الولايات المتحدة من الشرق الأوسط.
ولذلك أسعدهما انتخاب ترامب، بالنظر إلى خطابه المتشدد المعادي لإيران. وأشادتا بانسحابه في أيار/مايو 2018 من خطة العمل الشاملة المشتركة وما تلاه من شن حملة “الضغوط القصوى” ضد إيران بهدف إعادة طهران إلى طاولة المفاوضات وهي في موقف أضعف من خلال خنق اقتصادها.
لكن في النهاية، فإن ترامب أيضاً خيب آمالهما. فقد شعر القادة في الرياض وأبو ظبي بالفزع عندما اكتفت الولايات المتحدة بالردود اللفظية على الهجمات على ناقلات النفط قرب ساحل الإمارات العربية المتحدة في أواسط عام 2019، والهجوم على منشآت النفط والغاز السعودية في أيلول/سبتمبر 2019، اللذان حُمِّلت مسؤوليتهما بشكل عام لإيران.
رداً على الهجوم على ناقلة النفط، ابتعدت الإمارات عن التزامها الصارم بعدائها لإيران بإرسال مسؤولين أمنيين كبار إلى طهران للبحث في وسائل تقليص حدة التوترات. على النقيض من ذلك، لم تغير السعودية خطابها، بل ضاعفت انتقاداتها لإيران بوصفها تهديداً لأمنها.
تغيّر آخر جاء مع اغتيال الولايات المتحدة لجنرال قاسم سليماني، قائد قوة القدس المكلفة بالعمليات الخارجية للحرس الثوري الإسلامي، في كانون الثاني/يناير 2020. رحب السعوديون بهدوء بالاغتيال. أما بالنسبة للإماراتيين، فإن الرد الانتقامي لإيران على مقتل سليماني وأوجه أخرى من “الضغوط القصوى” عززت مخاوفهم في أن يعلقوا في حرب مفتوحة لا يسعون إليها وأدركوا أنها ستحدث ضرراً كبيراً لاقتصادهم ومجتمعاتهم.
في وقت لاحق، وحالما تفشت جائحة كوفيد-19 في مطلع عام 2020، وضربت إيران بقسوة على نحو خاص، أرسلت الإمارات مساعدات لجارتها المحاصرة – في التفاتة حسن نوايا محملة بالرمزية. إلا أن أبو ظبي تحوطت لرهاناتها؛ ففي وقت لاحق من عام 2020، عززت الإمارات علاقاتها مع إسرائيل في تحرك يستهدف إيران، من وجهة نظر طهران.
لم يوفر انتخاب بايدن عزاء يذكر لدول الخليج العربية؛ فقد أوضحت إدارة بايدن فوراً أنها تسعى إلى علاقة مختلفة مع السعودية، علاقة تؤكد على ضبط الأعمال العسكرية السعودية في اليمن والمطالبة باحترام أفضل لحقوق الإنسان داخل المملكة. وخلال أسابيعها الأولى في السلطة، ألغت الإدارة تصنيف ترامب للحوثيين في اليمن كمنظمة إرهابية.
وعلقت مبيعات الأسلحة للمملكة كجزء من مراجعة لاتفاقيات أسلحة بمليارات الدولارات تم إبرامها في ظل الإدارة السابقة. كما نشرت تقريراً استخبارياً يؤكد على تورط ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في اغتيال الصحفي جمال خاشقجي في إسطنبول في تشرين الأول/أكتوبر 2018، في تحرك أكد مخاوف المسؤولين السعوديين من أن الإدارة الجديدة عازمة على إضعاف الشراكة القديمة بين الولايات المتحدة والسعودية.
ثم أطلقت إدارة بايدن جهداً للعودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة بشكل كامل قبل إجراء مفاوضات محتملة حول قضايا مثل برنامج إيران للصواريخ البالستية والتنظيمات المسلحة التي تعمل بالوكالة عنها، وهي المفاوضات التي كانت قد دعت إليها السعودية والإمارات.
وعندما رأت الرياض وأبو ظبي علامات ما قد يحصل في المستقبل، لم تعبرا عن معارضتهما لمفاوضات أميركية مع طهران من حيث المبدأ، لكنهما أشارتا، على الأقل عندما كانت النقاشات جارية داخل الإدارة حول ماهية المقاربة التي ينبغي اتباعها، إلى أنهما تريدان مقعداً على طاولة المفاوضات. كما قالتا إن الهدف ينبغي أن يكون التوصل إلى “صفقة كبرى” تشمل هذه المواضيع الإضافية.
يعد إطلاق مباحثات أمنية مباشرة بين السعودية وإيران في آذار/مارس 2021 بوساطة عراقية، التي يبدو أنها تركز بشكل رئيسي على اليمن حتى الآن – خطوة مهمة إلى الأمام بالنسبة للدولتين اللتين قطعتا كل القنوات الدبلوماسية في عام 2016. وفي ملاحظته للتغيير الحاصل في المقاربة، أشار الأمير محمد بن سلمان إلى أن بلاده تسعى إلى “علاقة جيدة” مع إيران. بصرف النظر عما إذا أفضت المحادثات لنتائج ملموسة، فإنها تظهر أن الدبلوماسية بين الطرفين ممكنة.
رغم ذلك، وسواء نجحت الولايات المتحدة وإيران في إعادة إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة أو لم تنجح، فإن المخاوف العربية في الخليج المتعلقة بفرض إيران لقوتها في المنطقة ستظل قائمة. تبرر إيران توسيع نفوذها الإقليمي على أنها طريقة للخروج من عزلتها الطويلة وكسر العقوبات، وتجادل بأن برنامجها للأسلحة التقليدية، الذي يشمل صواريخها البالستية، رادع في وجه العدد الكبير من القواعد العسكرية الأميركية في المنطقة وجيرانها الخليجيين الذين ينفقون أكثر منها بكثير على الدفاع. إن اتفاقاً نووياً مجدداً لن يعالج هذه القضايا، وقد يكون هناك اتفاق متابعة يعالجها بشكل كامل قيد الإعداد منذ زمن طويل.
لدى الطرفين وسائل أخرى لتقليص مخاطر الصراع المفتوح والتوتر. لقد اقترحت مجموعة الأزمات سابقاً تأسيس حوار إقليمي شامل، يمكن للدول الأوروبية أو الأمم المتحدة، بدعم أميركي، إطلاقه على أن يكون بملكية محلية. ويمكن للأطراف إطلاق مثل ذلك الحوار حتى مع استمرار المباحثات النووية. وينبغي أن يعالج القضايا التي تعتبرها السعودية والإمارات أكثر صلة بأمنهما.
ولدول الخليج الأقل انخراطاً في الأعمال العدائية – عُمان والكويت – تاريخ من العمل كوسطاء. وبدعم خارجي، فإنهما في موقع جيد لدفع جيرانهما الأقوى إلى محادثات تهدف إلى جعل حدوث صراع غير مقصود أمراً أقل احتمالاً. لقد أشارت السعودية والإمارات إلى أنهما لا تعارضان مثل ذلك الحوار، لكنهما ترغبان برؤية دعم أميركي له.
لقد آن الأوان للشروع في العمل. ومن أجل السلام والأمن الإقليميين، من الواجب البناء على المسارات الثنائية القائمة حالياً ومأسسة الحوار الإقليمي ببطء.