هجوم جوي مجهول هو الأول من نوعه يستهدف عسكريين روس في سوريا
لم تتبن أي جهة محلية أو دولية الهجوم، فيما يبدو نحت كل من روسيا وتركيا إلى تجاهل التعليق على الموضوع.
ميدل ايست نيوز: من سوريا إلى ليبيا، تتشابك الملفات السياسية والعسكرية وتتعمق الصراعات بين الدول الفاعلة في الملفين، ففي الشمال الشرقي من سوريا، وبالتحديد في محافظة الحسكة، تعرضت نقطة عسكرية للجيش الروسي لهجوم جوي هو الأول من نوعه بواسطة طائرة مسيرة مجهولة الهوية، أدى الاستهداف إلى إصابة عسكريين روس وآخرين تابعين للنظام السوري.
أما سياسياً، فقد فتحت الجامعة العربية أبوابها لقوات سوريا الديمقراطية («قسد» تنظيم كردي – عربي)، حيث اجتمع نائب أمينها العام المساعد مع ممثل القوات في مصر، في رسالة قرأها الخبراء بأنها تأتي كخطوة استفزازية لتركيا من قبل مصر بدعم من بعض الدول العربية.
استهداف غامض
وفي التفاصيل، أصيب ثلاثة جنود من الجيش الروسي ومثلهم من قوات النظام السوري في هجوم جوي بواسطة طائرة مسيرة، استهدفت اجتماعاً للجانبين في منطقة «الدرباسية» الواقعة أقصى الشمال الشرقي من سوريا، الهجوم وفق خبراء، جوانب عدة غير مسبوقة، أولها الهجوم ذاته، إذا يعتبر غير مسبوق، والتطور الثاني، يتمحور في ضرب نقطة عسكرية للجيش الروسي، وكذلك دقة الاستهداف الذي وقع خلال اجتماع أمني، في حين لم تتبن أي جهة محلية أو دولية الهجوم، فيما يبدو نحت كل من روسيا وتركيا إلى تجاهل التعليق على الموضوع.
إلا أن قوات «الآسايش»، وهي القوى الأمن الداخلية في مناطق سيطرة القوات الكردية شمال شرقي سوريا، سارعت عبر بيان رسمي لها إلى اتهام الجيش التركي بالوقوف وراء الهجوم الذي استهداف النقطة الروسية، وجاء في بيانها، «التحقيقات مستمرة لمعرفة الأسباب التي دعت لاستهداف نقطة تتخذها القوات الروسية مقرًا لها».
واستهداف الموقع العسكري الروسي في الحسكة، يأتي بعد يوم واحد فقط من استهداف مقاتلات حربية روسية مدينة الباب الاستراتيجية في ريف حلب، والخاضعة لسيطرة الجيشين التركي والوطني السوري المعارض، في حين أن وسائل إعلام مقربة من الإدارة الذاتية الكردية، أكدت أن استهداف النقطة الروسية، جاء خلال اجتماع في نقطة التنسيق للتحقيق في حادثة القصف التي كانت قد تعرضت لها ذات النقطة من صباح يوم الخميس، إلا أن هذا الاجتماع تعرض لهجوم بطائرة مسيرة، أدى إلى انفجار فوق البناء، نتج عنه إصابات من الجيش الروسي.
الباحث المختص في مركز عمران للدراسات عن الشرق السوري بدر ملا رشيد، رأى خلال تصريحات خاصة بـ «القدس العربي»، أن تفاصيل عملية الإستهداف جنوب مدينة الدرباسية يكتنفها الغموض، إذ أن العملية جاءت بعد أخرى صباحاً أدت لإصابة شخص مدني بذات المنطقة، وجاء الاستهداف أثناء تجمع عناصر من الشرطة العسكرية الروسية وجيش النظام في مكانٍ قريب لنقطة الاستهداف الأولى، ولم تعلق وزارة الدفاع الروسية أو التركية على الحادثة حتى الآن. ويظهر من بقايا الطائرة المسيرة المستخدمة، أنه من عائلة دي جي ماتريكس 100 أو نسخة مشابهة له، وهو نوع ضخم من الطائرات المسيرة التي تستطيع الطيران لما يقارب بين 20 دقيقة و 45 دقيقة في حال استخدام بطارية إضافية، وإلى مسافة تصل لما يقارب 5 كم.
كما يبدو أن إصاباتهم التي جاءت في الساق والرأس دون أن تكون خطيرة. ما يغيب عن المشهد بالرغم من توجيه «أسايش الإدارة الذاتية « الاتهام للجانب التركي، هو عدم قدرة هذه الطائرات للطيران مسافة تصل لأكثر من 34 كم وهي المسافة التي تقطع بين مناطق سيطرة تركيا في نبع السلام والمكان المستهدف.
وأضاف الباحث، الأمر الآخر، هو مدى قوة احتمال تنفيذ هذا الاستهداف من الأراضي التركية، وأيضاً تحتاج الطائرة المسيرة لقطع مسافة تقارب 3 كم فوق منطقة سكنية دون أن يلحظها أحد، بالإضافة إلى أن تصريح الأسايش يتضمن وجود استهداف صباحي آخر للمكان نفسه، وهو ما يشير إلى وصول المعلومات للمهاجمين بقدوم العناصر الروسية إلى مكان الاستهداف في دقائق قليلة.
ونقاط الاستفهام هذه ترفع من احتمالية وجود طرف آخر يحاول خلق بلبلة أمنية في المنطقة، إذا ما أخذنا بالاعتبار وجود مسيرة لأنصار حزب الاتحاد الديمقراطي في مدينة الدرباسية لمناصرة حزب العمال الكُردستاني في معاركه الأخيرة مع الجانب التركي بجبال كُردستان العراق. ومع إلتزام الطرفين الروسي والتركي الهدوء إلى الآن وعدم إطلاق أية تصريحات فمن غير المتوقع أن يحدث تصعيد في المنطقة إلا إذا قام طرف من الأطراف بتبني العملية بشكلٍ مباشر، وفق ما قاله «الباحث ملا رشيد» لـ»القدس العربي».
تصفية حسابات
سياسيًا، تتجاوز الحرب السورية حدود البلاد، حيث تستخدم أطراف الصراع المحلية في تصفية الحسابات الدولية، إذ شرعت الجامعة العربية أبوابها أمام قوات سوريا الديمقراطية « ذات الغالبية الكردية»، كما أجرى ممثل «قسد» في القاهرة «سيهانوك ديبو»، مباحثات مع الأمين العام المساعد للجامعة العربية، حول آخر المستجدات في سوريا وخاصة مناطق شمال وشرق البلاد.
اللقاء بين الجامعة العربية وممثلي «قسد» داخل مقر الجامعة في العاصمة المصرية – القاهرة، يعد الأول من نوعه، ويأتي الاجتماع عقب مرور تصريحات متواترة وانتقادات من قبل الجامعة العربية للدور التركي في المشهد الليبي ودعمهم لحكومة الوفاق الشرعية في البلاد، الأمر الذي قرأه بعض المحللون بأنه توجه مصري بدعم ودفع من بعض الجهات العربية لاستفزاز تركيا عبر الورقة الكردية في سوريا والتنظيمات المصنفة كـ «إرهابية» في أنقرة، وعلى رأسها تنظيم «ب ك ك».
الجامعة العربية.. أداة مصرية
وصنف الباحث في المركز العربي بواشنطن «رضوان زيادة» خلال تصريحات أدلى بها لـ «القدس العربي»، اللقاء بين الجامعة العربية وقوات قسد بأنه يأتي ضمن خانة «النكاية» من بعض الدول العربي لتركيا فقط. وقال: «من الواضح أن جامعة الدول العربية تحولت إلى أداة بيد وزارة الخارجية المصرية وبهذا اللقاء تتخلى الجامعة عن دورها لتتدخل في لب الصراعات التركية – المصرية حول ليبيا وسوريا».
واستطرد المصدر، «كان من الأفضل للجامعة أن تتابع الأخبار التي نشرت حول المناهج التعليمية الجديدة لقسد التي تريد تغيير وجه سوريا العروبي وتنزع عنها تاريخها وقيمها، لكن الجامعة صمتت عن ذلك، وتقوم باستقبال الوفد الذي يشكك في دورها وقيمها».
أما السياسي درويش خليفة، فقال لـ «القدس العربي»: «كان حرياً بالجامعة العربية وممثليها طلب ممثل قوات سوريا الديمقراطية سيهانوك ديبو، للاحتجاج على ممارسات الإدارة الذاتية في الشمال الشرقي من سوريا واعتقالهم لفتياتٍ كرد وشبابٍ عرب لإجبارهم على التطوع ضمن صفوفهم وللقتال بجانبهم. ولكن الأكثر وضوحاً، هو ما تذهب إليه الجامعة العربية والذي لا يصب في مصلحة المنطقة ككل والعرب على وجه الخصوص، وهذا ما شهدناه في الماضي القريب عندما ناقشوا عودة بشار الأسد للجامعة العربية وإعادة فتح الإمارات لسفارتها في دمشق وتجاهلهم لمأساة السوريين في قطاع إدلب وبلاد الشتات وبالذات دول جوار سوريا».
وأضاف: أرى الهدف من اللقاء «إعلامياً» ولإعطاء شرعية ل»قسد» بعد كم الانتهاكات التي ارتكبوها في شرق الفرات السوري. أو لإرضاء الجانب الأمريكي وسياسته في سوريا، كما اعتبر «خليفة»، أن الجامعة العربية لم تعد مكاناً موثوقاً للشعوب العربية الطامحة للتغيير، طالما لم يغيروا من أدائهم وبدأوا بالتماهي مع التغيير المنشود، مطالباً بنقل مقر الجامعة العربية «كي لا تكون تحت وصـاية أنظـمة عسـكرتارية لا تعي معنى الانتـقال نحو الدولة العصـرية الديمقـراطية».