مصير خلاف إيران وأذربيجان بشأن استراتيجية التطويق الإسرائيلية

الانقسام الذي يدعم التوترات الإيرانية الأذربيجانية الحالية يتعلق أكثر بخيارات السياسة الخارجية التي اتخذتها كل من طهران وباكو.

ميدل ايست نيوز: تتزايد التوترات بين إيران وأذربيجان في الوقت الحالي، لكن من المرجح أن يتجنب الطرفان التصعيد، لأنه لا يمكن لطهران ولا باكو تحمل تبعات تحول الأحداث الأخيرة إلى أزمة كاملة أو مواجهة عسكرية بين البلدين ذي الأغلبية الشيعية.

ظاهريًا، يدور الخلاف الأخير حول استياء أذربيجان من توفير إيران شريان حياة اقتصادي لعدوها اللدود أرمينيا التي تعد دولة حبيسة.

وفي الواقع، فإن الانقسام الذي يدعم التوترات الإيرانية الأذربيجانية الحالية يتعلق أكثر بخيارات السياسة الخارجية التي اتخذتها كل من طهران وباكو والتي من غير المرجح أن تتغير.

كما كان الحال منذ ظهور أذربيجان كدولة مستقلة في عام 1991، ستظل حالة الريبة المتبادلة بين طهران وباكو لكنهما سيتجنبان الصراع المباشر. واختارت أذربيجان كلا من إسرائيل وتركيا كأكبر حليفين إقليميين لها، وهما دولتان تعتبرهما إيران منافستين ومصممتين على تأمين موطئ قدم لهما في جنوب القوقاز، أي شمال إيران مباشرة.

وتقول الرواية الإيرانية الرسمية إن باكو أعطت إسرائيل حرية تشغيلية واسعة لاستخدام الأراضي الأذربيجانية لشن عمليات في عمق إيران. وتقول طهران إن سرقة إسرائيل لأعداد كبيرة من الملفات النووية الحساسة في عام 2018 تضمنت استخدام أذربيجان كنقطة انطلاق لعملية أذلّت القيادة الإيرانية وأجهزة المخابرات.

وما هو صحيح بالتأكيد هو أن كلاً من طهران وباكو يخوضان الآن حرب تصريحات ساخنة هي الأكبر منذ عام 2010.

لكن هذه المرة، يبدو أن طهران قلقة بشكل مضاعف، وترى أن إسرائيل تكثف جهودها للاقتراب من الحدود الإيرانية كوسيلة للضغط على إيران. وقد حذر المرشد الأعلى جميع جيران إيران مما وصفه “بتدخل الأجانب في المنطقة” باعتبار أنه سيكون “مصدر للخلاف والضرر”. وفي إشارة إلى باكو، وعد “خامنئي” بالانتقام من  الدول المجاورة التي تتعاون مع الإسرائيليين.

لكن محاولات إسرائيل للاقتراب من حدود إيران هي صورة معكوسة لجهود إيران في ترسيخ موطئ قدمها على أعتاب إسرائيل في سوريا ولبنان وغزة. ومع تطبيع الإمارات والبحرين العلاقات مع إسرائيل والروابط الوثيقة التي تجمع الحكومة الكردية في شمال العراق وإسرائيل، تشعر طهران بالضغط مما تعتبره استراتيجية تطويق إسرائيلية.

وتبدو إيران منزعجة أيضا بنفس القدر من العلاقات العسكرية المتنامية بين باكو وأنقرة، لكن الشراكة الأذربيجانية الإسرائيلية هي الأولوية الأولى لطهران.

وبالنسبة لإيران، يعد الوجود الإسرائيلي المتنامي على حدودها مسألة أمنية ملحة، فلم يكن لإسرائيل في أي وقت من تاريخها مجموعات كثيرة من العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية والاستخباراتية مع الدول المتاخمة لإيران، كما هو الحال الآن.

لكن طهران لم تحدد بعد سياسة لتحييد تقدم إسرائيل بخلاف مناشدة جيرانها ومع ذلك لا يبدو أن هناك تجاوبا مع هذه المناشدات. وفي الواقع، يتطلع عدد من جيران إيران -أذربيجان والبحرين والإمارات والسعودية والحكومة الكردية في شمال العراق- إلى إسرائيل للتعاون ضد الأجندة الإقليمية الإيرانية.

وبالنسبة لكل من إيران وأذربيجان، يعتبر هذا التنافس الجيوسياسي حساسًا للغاية نظرًا لقربهما الجغرافي والعرقي والديني والتاريخي. وخلال الحرب الأرمينية الأذربيجانية عام 2021، كان من الواضح أن إيران لم يكن لديها خيار سوى البقاء على الهامش رسميًا.

ويمكن أن تخلق القومية الأذربيجانية داخل إيران مع الغضب القائم بشأن الظروف الاجتماعية والاقتصادية وضعًا متفجرًا في المقاطعات الشمالية الإيرانية التي تضم حوالي 20 مليونًا من سكان أذربيجان الإيرانيين. ولا يغيب هذا الواقع عن خصوم إيران الأجانب. ولدى كل من إسرائيل وتركيا تاريخ في السعي لتعبئة القومية الأذربيجانية الإيرانية ضد طهران.

لذلك لم يكن لدى طهران خيار جيد للمشاركة في جولة الصراع في عام 2021 حيث لم يكن لديها نفوذ كاف على الجهات الفاعلة الرئيسية: أرمينيا وأذربيجان وروسيا وتركيا. وانتصر الأذرييون، بدعم من تركيا وإسرائيل فيما لم تتقدم أي دولة لمساعدة أرمينيا.

ومع ذلك، فإن هذه الشراكة بين تركيا وأذربيجان وإسرائيل غير مستقرة، لا سيما أن أنقرة وتل أبيب لا تزالان متشككتين في بعضهما البعض. لكن الإيرانيين مع ذلك قلقون من هذا التقارب في المصالح على حدودهم الشمالية. وفي الوقت الحالي، فإن طهران غير قادرة على تغيير الديناميكيات في جنوب القوقاز.

وفي غضون ذلك، فإن تراجع النفوذ الروسي في المنطقة مصدر قلق كبير لطهران لأنه قد يدفع أنقرة لاستخدام ورقة العرق التركي في المنطقة.

في المقابل، يتعين على باكو أن تتعامل مع بعض الحقائق التي تقيد خياراتها تجاه طهران. وفي ذروة المناوشات الكلامية بين طهران وباكو في أوائل أكتوبر/تشرين الأول، ألمح الرئيس الأذري “إلهام علييف” إلى أن الأقلية الكبيرة من الأذربيجانيين في إيران قد تثور للدفاع عن أبناء عمومتها في الشمال في جمهورية أذربيجان. ويثير هذا النوع من الكلام من باكو غضبًا في طهران، التي ترى أنه يهدف إلى خلق نزعة انفصالية داخل إيران.

وما لم يقله “علييف”، وليس لديه إجابة جيدة حوله، هو ما يمكن أن تفعله باكو لاستيعاب 20 مليون من الأذريين في إيران. لقد عاشوا بعيدًا عن أبناء عمومتهم الشماليين منذ أن تنازلت إيران عن أراضيها القوقازية للروس في القرن التاسع عشر.

ويبلغ عدد السكان الأذريين في إيران ضعف عدد سكان جمهورية أذربيجان على الأقل، وأي تلميح لاستيعابهم من قبل باكو هو في الأساس لا معنى له وسيكون بالتأكيد بمثابة نهاية لشكل البلاد كما نعرفها اليوم.

وبالتالي لا شك في أن كلا الجانبين يعترفان بأن الوضع الراهن في العلاقات، مهما كان مضطربًا، أفضل من الانتقال إلى وضع ترفض فيه كل من باكو وطهران الاعتراف بوحدة أراضي الطرف الآخر.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
بواسطة
الخليج الجديد
المصدر
معهد الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

12 − 1 =

زر الذهاب إلى الأعلى