القيادة الايرانية لا تجد ما يشجعها لاستكمال المفاوضات النووية
ترى الإدارة الإيرانية الجديدة بقيادة إبراهيم رئيسي، الأصولي، أنه لابد من الحصول على ضمانات أمريكية، لعدم تكرار ما حدث مرة أخرى.
ميدل ايست نيوز: مع تولى إبراهيم رئيسي، الرئيس الإيراني الجديد، السلطة في أغسطس/آب 2021، انتظر الجميع داخل وخارج إيران عودة طهران إلى فيينا لاستكمال المفاوضات النووية التي تهدف لإحياء الاتفاق النووي الايراني لعام 2015، أو ما يعرف رسمياً بخطة العمل الشاملة المشتركة، التي بدأت منذ شهر أبريل/نيسان من العام الجاري.
وكانت إدارة الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني أنهت ست جولات من المفاوضات غير المباشرة مع الولايات المتحدة، بواسطة الأطراف الأوروبية الموقعة على الصفقة النووية، والاتحاد الأوروبي.
انتهت الجولة السادسة من مفاوضات فيينا في 20 يونيو/حزيران، أي بعد فوز إبراهيم رئيسي بالانتخابات بيومين، انتظرت إدارة بايدن تشكيل الإدارة الإيرانية الجديدة، لفريق مفاوض جديد، لاستئناف المحادثات، لكن إلى الآن، لم تتخذ طهران أي خطوة لإبداء نيتها استكمال المفاوضات في فيينا، ما أثار الكثير من التكهنات، التي تفيد بعدم رغبة الإدارة الإيرانية الجديدة، والتي توصف بأنها متشددة، في استكمال المفاوضات، والعمل على إحياء الصفقة النووية.
بايدن لم يستمع لشروط طهران
خلال الجولات الست الماضية، والتي بدأت منذ شهر أبريل/نيسان 2021، حاول الفريق النووي المفاوض الإيراني، الحصول على ضمان من الولايات المتحدة برفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على طهران حالياً، والحصول على إقرار قانوني من واشنطن بعدم الخروج مرة أخرى من الصفقة النووية، كما فعل الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في مايو/أيار 2018.
حينها طلبت واشنطن من طهران أمراً مماثلاً يتمثل في إقرار قانوني بعدم انتهاك شروط وبنود الاتفاق النووي لعام 2015. وبحسب المسؤولين والدبلوماسيين الإيرانيين تحدثوا في وقت سابق، ازدادت الأمور تعقيداً وقتئذ، وقررت القيادة الإيرانية تأجيل مناقشة هذه الأمور لحين استقرار الإدارة الجديدة في الحكم.
الآن، وبعد أن أصبح الفريق النووي المفاوض الإيراني جاهزاً للتفاوض ظهرت مشكلة أخرى.
يقول دبلوماسي إيراني، مطلع على سير المفاوضات النووية، مفضلاً عدم الكشف عن هويته نظراً لحساسية الموضوع: “قررت طهران خفض شروطها قليلاً، وطلبت من واشنطن التزاماً قانونياً يتم إرفاقه بنصوص الصفقة النووية، يمنع إدارة بايدن من الانسحاب من الاتفاق النووي لنهاية ولايته”.
فمنذ أن قام الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بالانسحاب من خطة العمل الشاملة المشتركة، تشعر الجمهورية الإسلامية بعدم الثقة في الولايات المتحدة، وكان قد عبر المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي مراراً وتكراراً عن هذا الأمر، قائلاً إنه لا يجب الوثوق مجدداً في الولايات المتحدة، وألقى باللوم على إدارة حسن روحاني لوثوقها في واشنطن وإبرام اتفاق نووي معها.
لذلك، ترى الإدارة الإيرانية الجديدة بقيادة إبراهيم رئيسي، الأصولي، أنه لابد من الحصول على ضمانات أمريكية، لعدم تكرار ما حدث مرة أخرى، وتعريض الاقتصاد الإيراني لهزة مدمرة بسبب العقوبات مثلما حدث في مايو/أيار 2018.
يقول المصدر الدبلوماسي الإيراني: “المطلب الإيراني مشروع جداً، ومن شأنه أن يسد فجوة عدم الثقة بين الطرفين، كما أن الدبلوماسيين الأوروبيين قد أظهروا موافقة مبدئية على هذا الطلب”، على حد قوله.
وبحسب المصدر ذاته، فإن الفريق المفاوض الأمريكي قد طلب مهلة من الوقت لعرض الأمر على الرئيس جو بايدن، وكانت الأزمة عندما جاء الرد بالرفض.
يقول الدبلوماسي الإيراني، المقرب من وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبداللهيان: “رفض بايدن التوقيع على التزام قانوني بعدم انسحاب إدارته من الصفقة النووية، وعدم فرض العقوبات مرة أخرى على طهران، حتى مع تقليل الشرط إلى فترة ولايته فقط”.
وفي نفس السياق، تحدث مسؤول حكومي إيراني بارز عن هذه الأزمة، قائلاً: “إيران تريد إقراراً من إدارة بايدن ببقائها في الاتفاق النووي طوال فترة ولاية جو بايدن، وطالما كانت طهران تقوم بواجباتها تجاه الاتفاق، وبالرغم من أن هذا الطلب مشروع وطبيعي، ورغم أن الطلب جاء على مضض، من قبل القيادة الإيرانية، فإن واشنطن رفضت، وتحدث الأمريكان عن بدائل أخرى لا تضمن لإيران أي شيء”.
إصرار طهران على شروطها
يقول المصدر الدبلوماسي الإيراني المقرب من وزير الخارجية الإيراني، أمير عبد اللهيان، إن إدارة بايدن أبدت أسباباً واهية بالنسبة لطهران، في عدم قبول الشرط الإيراني لإحياء الاتفاق النووي: “طهران تريد ضماناً قوياً بعدم تخلي إدارة بايدن عن الصفقة النووية، لكن بايدن أبدى عدم اهتمام بالأمر، وأسباب الرفض المتعلقة بعدم قانونية هذه الخطوة لم تكن مقنعة بالنسبة للجمهورية الإيرانية”.
في السابق، وقبل وصول إبراهيم رئيسي للسلطة، وبينما كان الفريق النووي المفاوض لإدارة الرئيس السابق حسن روحاني، في فيينا يدير المفاوضات غير المباشرة مع الولايات المتحدة، قال المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي إنه إذا كانت هناك فرصة لرفع العقوبات عن بلاده، فلا يجب أن تتأخر إدارة روحاني ولو ساعة واحدة من أجل تحقيق هذا الأمر.
لكن بعد تغيير الإدارة في إيران تغيرت الأمور، وتغيرت النظرة الإيرانية لاستكمال المفاوضات النووية، يقول مسؤول حكومي إيراني بارز: “لا تجد القيادة الايرانية ما يدفعها ويشجعها لاستكمال المفاوضات، وليس لديها ثقة في مسألة رفع إدارة بايدن للعقوبات، إذاً، لماذا المخاطرة بتجديد الأمل من جديد؟”.
وبحسب المسؤول الحكومي الإيراني، فإن طهران تصرّ على شرطها السابق ذكره، فيقول: “حتى وإن تم استئناف المفاوضات في فيينا، فإن طهران تتمسك بشرطها الأساسي”.
وبحسب عدد من المسؤولين والدبلوماسيين الإيرانيين، فإن المفاوضات النووية في فيينا من الممكن استئنافها في شهر نوفمبر/تشرين الثاني القادم.
شرط غير كافٍ
بالرغم من إصرار طهران على شرطها بالحصول على ضمان بعدم تخلي الرئيس الأمريكي جو بايدن عن الصفقة النووية والانسحاب منها، حتى نهاية ولايته، فإن هناك انقساماً داخل المؤسسة السياسية الإيرانية بشأن هذا الشرط.
يقول مصدر مقرب من المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني: “بعد التوصل إلى تخفيف الشرط، هناك من يقول داخل وزارة الخارجية، إن حتى الالتزام الأمريكي بالصفقة النووية طوال فترة ولاية بايدن، لن يكون كافياً كي تثق طهران في واشنطن مرة أخرى”.
وبحسب المصدر ذاته، فمن الممكن أن يولد هذا الانقسام تأجيل استئناف المفاوضات النووية في فيينا، فيقول: “من يؤيدون عدم كفاية شرط التزام بايدن بالاتفاق النووي، داخل المؤسسة السياسية الإيرانية، يرون أن إيران أفضل من دون الصفقة النووية، ويمكنها الاعتماد على مبيعات النفط للصين، وهم ليسوا بقلة، ولديهم قدرة على التأثير على مسار المفاوضات”.
نجحنا في تخطي حملة “الضغط الأقصى”
تركز إدارة إبراهيم رئيسي على التوجه إلى الشرق، وبناء علاقات اقتصادية قوية مع القوى الآسيوية وعلى رأسها الصين، وقد نجحت طهران في هذا الأمر مؤخراً، فزادت مبيعات النفط الإيراني إلى الصين في العام الماضي بشكل كبير، من خلال الالتفاف على العقوبات الأمريكية واستغلال الثغرات.
يقول الدبلوماسي السابق مهدي صفري، الذي كان أحد أعضاء الفريق النووي المفاوض الايراني في إدارة الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد: “كانت إدارة ترامب تتوقع أن ينهار الاقتصاد الإيراني، وتتعرض الجمهورية الإسلامية لأزمات اقتصادية هائلة، بعد حملة الضغط الأقصى التي انتهجتها إدارته، طوال عامين، لكن هذا لم يحدث، بالتأكيد تعرض الاقتصاد الإيراني لهزات قوية، لكنه لم ينهر، لذلك حتى لو إنهار الاتفاق النووي بالكامل، فلن تتعرض إيران للانهيار، ولن يتم زعزعة استقرارها وأمنها”.
النجاح في العبور من حملة الضغط الأقصى التي تبنتها إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، والتي تمثلت في شن عقوبات قاسية على الجمهورية الإسلامية، ومنعها من تصدير نفطها بالكامل، جعل المتشددين الإيرانيين، الذين لطالما كانوا يعارضون الاتفاق النووي الإيراني، وأصبحوا الآن في السلطة، يرون أن الصفقة النووية لم تعد تضيف أي مزايا لطهران.
يقول دبلوماسي إيراني مقرب من وزير الخارجية أمير عبد اللهيان : “الإدارة الإيرانية الحالية لا تثق بنية بايدن لرفع العقوبات، وحتى إن قام بتخفيف بعض العقوبات، فهذا لا يعني عودة الاستثمار الأجنبي إلى إيران، لخوف الشركات العالمية من انهيار الاتفاق وانسحاب الولايات المتحدة منه في أي وقت كما حدث في السابق”.
وبحسب المصدر ذاته، فإن القيادة الإيرانية حالياً لا ترى أي فائدة من استكمال المفاوضات النووية، خاصة في ظل حديث واشنطن عن ضرورة إبرام اتفاق أقوى وأطول، فيقول: “إدارة إبراهيم رئيسي لا تعتمد على الاتفاق النووي لتحسين الاقتصاد، بل إنها تعمل على إيجاد موارد أخرى، كما أن نية واشنطن لإبرام اتفاق جديد يمتد لسنوات طويلة ويقوض أغلب البرنامج النووي الإيراني، هو بمثابة عقوبة لإيران وليس اتفاقاً له مزايا اقتصادية”.
استئناف المفاوضات لكن ببطء
وعطفاً على ما سبق، ترى القيادة الإيرانية أن الوضع الراهن، وعدم استئناف المفاوضات، وعدم الاعتماد على مسألة إحياء الاتفاق النووي الإيراني، لإنعاش الاقتصاد، بالإضافة إلى قدرة طهران الأخيرة لبيع نفطها لبكين، فإن الجمهورية الإسلامية لا ترى أي فائدة من استعجال أمر استئناف المفاوضات في الوقت الحالي.
يقول مسؤول حكومي إيراني بارز: “لم تعد طهران راغبة في إحياء الاتفاق النووي بشكل قوي مثلما كانت في السابق في عهد حسن روحاني، ولكن في نفس الوقت لا تريد القضاء على الدبلوماسية، وفتح الباب أمام التهديدات العسكرية الأمريكية”.
ويضيف المسؤول الحكومي قائلاً: “مثلما تشعر طهران بعدم وجود رغبة ملحة في إحراز أي تقدم في سبيل إحياء الاتفاق النووي، واشنطن أيضاً لا تريد هذا الاتفاق، ترغب في اتفاق أطول وأقوى كما قال المسؤولين الأمريكيين، لذلك سيتم استئناف المفاوضات، ولكن بآليات بطيئة للغاية”.
في نفس الوقت الذي تفكر فيه الجمهورية الإسلامية الإيرانية، في عدم منفعة استئناف المفاوضات النووية، وعدم وجود حافز كبير لها لإحياء الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، فإن الولايات المتحدة، ترى أن الدبلوماسية تمر بفترة حرجة بسبب تكتيكات إيران لتبطئ عملية استكمال المفاوضات.
ففي يوم 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021، صرح المبعوث الأمريكي لإيران، روب مالي، بأن نافذة الدبلوماسية لن تفتح إلى الأبد. وفي نفس الوقت يسعى الدبلوماسيون الأوروبيون لحل هذه الأزمة وكسر الجمود، فمن المقرر أن يلتقي علي باقري كني، كبير المفاوضين النوويين الإيرانيين، بعدد من الدبلوماسيين الأوروبيين ومسؤولين في الاتحاد الأوروبي في بروكسل يوم 27 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، لبحث سبل استئناف المفاوضات النووية في فيينا.