النظام المصري يناور بالعلاقات مع إيران

التغيرات السريعة أخيراً في بوصلة العلاقات في الإقليم، دفعت القاهرة إلى تبنّي توجه جديد بشأن العلاقات مع طهران.

ميدل ايست نيوز: كشفت مصادر مصرية خاصة، لموقع “العربي الجديد“، عن تطورات في توجهات صانع القرار المصري، بشأن المناورة باستخدام العلاقات بين القاهرة وطهران، خلال الفترة المقبلة، على ضوء اتصالات غير معلنة بين البلدين جرت أخيراً.

وبالتزامن، أكدت مصادر صحافية في إحدى المؤسسات القومية، وأخرى من داخل المجموعة “المتحدة للخدمات الإعلامية” التابعة للمخابرات العامة، والمالكة لأغلب صحف ومواقع مصر، أن التعليمات التي صدرت لرؤساء تحرير الصحف والمواقع منذ فترة، هي عدم تناول الشأن الإيراني بطريقة سلبية، وعدم نشر أية أخبار عن المعارضة الإيرانية.

وقالت المصادر المصرية الخاصة، إن التغيرات السريعة أخيراً في بوصلة العلاقات في الإقليم، دفعت القاهرة إلى تبنّي توجه جديد بشأن العلاقات مع طهران، ومنحها مساحة ظاهرة بعض الشيء. وأرجعت المصادر ذلك التوجه لدى صانع القرار المصري، إلى معادلة الضغوط التي تتعرض لها القاهرة، وكذلك الحفاظ على دور بارز في المنطقة.

وأوضحت المصادر أن حالة الاندفاع الإماراتي بشكل خاص، تجاه إسرائيل، ثم أخيراً تركيا، بدرجة ربما أقل، جعلت المسؤولين يعيدون النظر بحثاً عن آلية تضمن دوراً لمصر في المنطقة، لا سيما في ظل حالة التقارب الإسرائيلي التركي، والإسرائيلي الخليجي من جهة، والتركي الخليجي من جهة أخرى، وجميعها “أوراق”، كانت مصر تتعامل بها في أوقات مضت لتعزيز حضورها.

وأشارت المصادر إلى أن هناك توجهاً مصرياً بزيادة قليلة لوتيرة الاتصالات مع إيران، من دون فتح الباب بشكل واسع مع طهران، وذلك في إطار توجيه الرسائل فقط، في وقت تسعى فيه إيران جاهدة لبناء علاقات جديدة مع مصر، بحد تعبير المصادر.

وشرحت المصادر، التصور المصري في التوجه الجديد للعلاقات بين القاهرة وطهران.

وأشارت إلى أن “التقديرات المصرية ترى أن ما يحدث من تجاذبات سياسية أخيراً، يضيّق من مساحات حركتها، في وقت اتسعت فيه الهوة مجدداً بين القاهرة وأنقرة على صعيد تطوير العلاقات بين البلدين، في ظل المواقف المتضادة لهما في ليبيا، وهو ما دفع تركيا إلى الاعتقاد بأن انفتاحها الواسع على الإمارات، ربما يمثل ضغطاً على مصر لدفعها إلى معاودة الاتصالات مجدداً بالشكل الذي يسهل معه تقديمها تنازلات”.

وكانت مصر أعلنت، أخيراً، ترحيبها باختيار مجلس النواب الليبي المنعقد في طبرق لفتحي باشاغا رئيساً لحكومة جديدة في ليبيا، بينما أعلنت تركيا عدم تحمّسها لتلك الخطوة. وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان: “نرفض تعيين حكومة ليبية مؤقتة، لأن هذا لا يخدم ليبيا، ونؤيد إجراء انتخابات تحقق للشعب الليبي مستقبلاً آمناً”، مشدداً على أن “المهم هو من يختار الشعب الليبي وكيف”.

وعلى صعيد التطور في العلاقات الإسرائيلية التركية، والإسرائيلية الخليجية، تقول المصادر، إن هناك مخاوف من أن عودة العلاقات بشكل واسع بين تل أبيب وأنقرة تجعل الأخيرة تكتسب أدواراً كبرى، تحديداً في الملف الفلسطيني، نظراً لدعمها واستضافتها لقيادات حركة حماس على أراضيها. وهو ما قد يفقد القاهرة ورقة مهمة، تبقى بها على أجندة اهتمامات الإدارة الأميركية، والحكومة الإسرائيلية كذلك.

وأوضحت المصادر أن “بواعث التحركات المصرية الأخيرة صوب العلاقات مع طهران، محركها الرئيسي هو عدم ثقة صانع القرار المصري في الأطراف الخليجية المتحالفة معه وبراغماتية إسرائيل”. وقالت إن “القاهرة ترغب في ورقة جديدة تمتلكها، وفي الوقت نفسه ترى طهران في تلك العلاقات منفذاً جيداً داعماً لها”.

وقالت المصادر: “كانت هناك رسالة إيرانية مهمة خلال الأيام الماضية لم يلتفت إليها أحد رغم دقتها وحساسيتها”، مضيفة أن “الرسالة التقطها المسؤولون في مصر بشكل واضح”.

ولفتت إلى أن “تلك الرسالة تمثلت في الهجوم الذي تعرضت له الإمارات عبر صاروخ باليستي خلال زيارة الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ لأبوظبي أخيراً. وفي المقابل، جاءت زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لأبوظبي قبلها بأيام قليلة، ومرت دون أية تهديدات أو إشارات سلبية”.

كما كشفت المصادر أن مطلع فبراير/شباط الحالي شهد اتصالات مصرية إيرانية عبر القناة الأمنية بينهما، بحثت أموراً متعلقة بملف العلاقات بين البلدين، وتطورات المنطقة.

وأشارت المصادر إلى أن المنطقة “تشهد صراعاً من نوع آخر بين مصر وتركيا، حيث تتصارعان على من تكون القوى السنية المعتدلة التي لم تتورط في معارك طائفية أو إثنية أو عرقية، لتلعب دور الوسيط في المنطقة”.

ولفتت المصادر إلى أن “تركيا لها علاقة جيدة مع قطر، وكذلك مع الكويت وسلطنة عمان، كما تسعى لتطوير العلاقات مع البحرين. وهناك تطور كبير في تحركات أنقرة الدبلوماسية نحو دول المنطقة”.

وأوضحت أنها “تسعى لإيصال رسائل بأن من يتعاون معها سيكون هو الرابح خلال الفترة الحالية”. وأعلن الرئيس التركي، أخيراً، أن بلاده تواصل “الحوار الإيجابي” مع السعودية، وترغب في اتخاذ خطوات ملموسة في الأيام المقبلة لتحسين العلاقات.

وعن المدى الذي يمكن أن تكون العلاقات المصرية الإيرانية قد وصلت إليه، قال دبلوماسي مصري سابق، فضل عدم نشر اسمه، إنه “مهما قيل عن تقارب بين البلدين، فإن العلاقات لا تزال في مستوى منخفض، وتعتمد فقط على الرسائل الإيجابية المشفرة من بعيد، دون الخوض في علاقات عميقة”.

ولم يستبعد المصدر أن تشهد الأيام القليلة المقبلة مثل هذه الرسائل، كرد فعل على التقارب التركي الإماراتي الإسرائيلي الأخير، والذي أقلق القاهرة من إمكانية خسارة جزء كبير من دورها كلاعب إقليمي في المنطقة.

وأشار الدبلوماسي السابق إلى أن “أقصى ما كان يفعله النظام المصري، عندما كان يريد أن يوجه رسائل إيجابية للنظام الإيراني، أو حتى عندما كان يريد أن يشعر الخليجيون بالقلق، هو الحديث عن الاهتمام بأضرحة آل البيت في مصر، وتطويرها”.

وأوضح أن “رئاسة الجمهورية المصرية تعلن كل فترة عن استعراض السيسي سير العمل، وجهود ترميم وتجديد مقامات وأضرحة آل البيت، خاصةً أضرحة السيدة نفيسة، والسيدة زينب، وسيدنا الحسين، والتي تشمل ترميم الصالات الداخلية في المساجد، وما بها من زخارف معمارية، بما يتماشى مع الطابع التاريخي والروحاني للأضرحة والمقامات. وهو الأمر الذي بطبيعة الحال يعجب الإيرانيين، ويقلق الخليجيين”.

وأكد الدبلوماسي المصري أن “العلاقات المفترضة مع إيران، لا يمكن أن تعود بالفائدة على مصر، إلا إذا كانت في سياقها الطبيعي، وقائمة على أساس من الإرادة الحقيقية. ولكن استخدامها كورقة فقط لتهديد الدول الخليجية، سوف يؤدي إلى خسارة مصر علاقتها مع الطرفين، الخليجي والإيراني”.

وقال المصدر إن القاهرة “أخطأت عندما رهنت قرارها السياسي في الخليج، مقابل المساعدات المادية، وظلت سنوات تنفذ سياسات لا تخدم أمنها القومي، سواء في ليبيا أو السودان، وحتى في لبنان”.

وأضاف: “الآن بعدما فشلت هذه السياسات التي وضعت في الإمارات، تبحث أبوظبي عن حل آخر بالتقارب مع خصوم الأمس في تركيا، وذلك يتم بعيداً عن مصر، التي أصبحت في موقف صعب”.

وأكد المصدر أنه “آن الأوان لمصر أن تبني علاقاتها الخارجية بما يتسق مع مصالحها القومية، ومع حجمها كدولة كبرى ذات ثقل طبيعي في الإقليم، بعيداً عن إرادة الآخرين، سواء في الخليج العربي أو غيره”.

وأوضح أنه “عندما تعي السياسة المصرية ذلك، فلا مانع أبداً من أن تقيم علاقات جيدة، سواء مع تركيا أو إيران أو الخليج، أو أي لاعب آخر، بما يخدم مصالحها وأمنها القومي. ذلك لأن الأكيد أن بناء علاقات جيدة مع كل هذه الأطراف سيعود بالنفع على مصر”.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

خمسة × اثنان =

زر الذهاب إلى الأعلى